الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب لا يؤمن ببعض الاتفاقات الدولية الموقعة مع الدول الاوروبية، وخاصة مع الاتحاد الاوروبي. فهو غير راضٍ عن "اتفاق المناخ"، ولا للاتفاق لدول حول الاطلسي، وغير راضٍ أيضاً عن الحلف الاطلسي الناتو. ويظن ويعتقد أن هذه الاتفاقات تضعف اميركا، وهي على حسابها، وعلى "ظهرها"، لذلك بدأ باصدار مراسيم للتراجع عنها.
فمن ناحية الحلف الاطلسي "الناتو"، فان اميركا هي التي تقود هذا الحلف، وهي التي تتولى كل مسؤولياته ومصاريفه بالتعاون مع اوروبا. وهو الذي يدافع عن اوروبا، ومتواجد لحماية امنها، وليس الامن الاميركي، لذلك فانه يجد انه من الضروري ان تتحمل الدول الاوروبية مسؤولياتها تجاه هذا الحلف، وان تساهم ماليا فيه، لان الرئيس ترامب يؤمن بان الخدمات الاميركية لاوروبا وغيرها يجب ان يكون لها مقابل أو ثمن تدفع لاميركا نفسها!
تعاونه مع بريطانيا
ومن الأمور التي ساهمت في توتر العلاقة الاميركية مع الاتحاد الاوروبي هو تصريحاته المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ودعا الدول الاوروبية الاخرى للحذو حذو بريطانيا، أي انه يريد اضعاف الاتحاد الاوروبي، أو تفكيكه وحله.
وقد كانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريز ماي هي أول زعيم وقائد في العالم تلتقي بالرئيس ترامب، مما يؤكد ان ترامب سيعزز علاقاته مع بريطانيا، ويدعمها في ترتيب أمورها الداخلية بعد الخروج من الاتحاد الاوروبي.
هذه التصريحات المناوئة للاتحاد الاوروبي شجعت الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند على دعوة القادة الاوروبيين الى الوحدة للتصدي لسياسة ترامب التي تهدف الى اضعاف اوروبا من خلال ضرب اتحادها!
ويجب التذكير بأن ترامب لم يتردد في دعوة المانيا ودول أخرى الى الاعتماد على الذات والخروج من الاتحاد الاوروبي، كما انه انتقد المستشارة الالمانية انجيلا ميركل لانها قبلت باستيعاب عدد كبير من المهاجرين في المانيا.
الخوف على "الناتو"
هناك تخوف اوروبي من أن الرئيس ترامب سيضعف حلف الاطلسي "الناتو" اذا قرر تخفيض مساهماته المالية والعتادية فيه. واضعاف الناتو سيضعف اوروبا، وسيعزز بصورة غير مباشرة الدور الروسي في العالم، وستكون اوروبا مكشوفة أمنياً أمام أي هجوم عليها.
وهناك تخوف اوروبي من ان الرئيس ترامب قد لا يمضي قدماً في نشر الدرع الصاروخي الموجه ضد الشرق، وخاصة ضد ايران وروسيا والصين، وهذا بحد ذاته سيقوي روسيا على "ظهر اوروبا"!
والعقوبات الاقتصادية الاوروبية على روسيا بسبب مواقفها تجاه اوكرانيا، وانضمام جزيرة القرم اليها قد تضعف اذا قرر الرئيس ترامب من خلال علاقاته، وتقاسم النفوذ المشتركة في العالم، عندما يقرر الرئيس الاميركي رفعها أو تخفيفها عن روسيا، وبالتالي يعني انه تنازل عن اوكرانيا لصالح روسيا.
وهناك شعور بأن العلاقات الاوروبية مع اميركا ستشوبها اجواء توتر وحذر لان ترامب لا يريد أن يكون الاتحاد الاوروبي قوياً، ويريده أن يكون شريكا مع اميركا، والى حد ما تابعا له.. وهذا ما ترفضه اوروبا مع انه من ناحية عملية فان اوروبا تقف دائما الى جانب اميركا، وتؤيد مواقفها، وخير دليل على ذلك أنها وقفت الى جانب اميركا في غزو العراق عام 2003 مع أنها تحفظت من ذلك في بداية الغزو.
منافس اقتصادي قوي
الرئيس ترامب يريد تعزيز الصناعات الاميركية، فبالتالي فان ذلك يعني انه سيعمل على منافسة اوروبا صناعيا واقتصاديا. وهذا بالتالي سيؤثر على الاقتصاد الاوروبي بشكل كبير.
واوروبا معنية بوجود منظمات ومجالس وهيئات دولية، الا ان الرئيس ترامب لا يؤمن بذلك، وقد يضعف هذه المنظمات من خلال تقليص أو وقف دعم اميركا المالي لها.
وهذا بالتالي سيشكل عبئاً على الدول الاوروبية لأنها ستضطر الى تغطية عجز هذه المؤسسات من أجل الحفاظ على بقائها الذي يخدم اوروبا أيضاً كما يخدم العالم.
انطلاقاً من كل ما ذكر فان المؤشرات تقول ان العلاقات الاوروبية الاميركية ستشهد نوعا من التوتر والحذر الشديدين، وقد يكون التعاون اقل مما كان في السابق.
ولكن هل تستطيع اميركا التخلي كاملا عن اوروبا، والاعتماد على دول محددة مثل بريطانيا؟ من الصعب الاجابة حاليا على مثل هذا السؤال لان ترامب قد يتراجع عن بعض مواقفه وليس كلها، وبالتالي ستبذل جهود لكي تكون هناك علاقات ليست ضعيفة وليست قوية، بل عادية.. وستضطر اوروبا للاهتمام بشؤونها الداخلية وتوحيد صفوفها لان فقدان الدعم الاميركي ليس بالامر السهل!