أعلنوا اسم القاتل
وتغاضوا عن الضغوطات
أحيا الشعب الفلسطيني ذكرى رحيل واغتيال الرئيس الرمز ياسر عرفات، وهي الذكرى الثانية عشرة، وقد اقيم مهرجان كبير بهذه المناسبة في مقر المقاطعة/ رام الله، اذ القى الرئيس محمود عباس (ابو مازن) كلمة مهمة جدا، اكد من خلالها استمرار السير على خطى الرئيس الخالد، ومؤكداً أيضاً أن عرفات اغتيل، وانه يعرف الذي اغتاله، "وانكم ستدهشون عندما تعرفون من هو هذا الشخص". وقال انه لا يستطيع انه يذكر الاسم، ولكنه يترك الامر للجنة التحقيق التي هي التي ستعلن نتائج تحقيقاتها وما توصلت اليه من استنتاجات وتوصيات.
لم يقتصر احياء اغتيال الرئيس الخالد أبو عمار على مهرجان المقاطعة، بل اقيمت مهرجانات في العديد من المدن، وكذلك في العديد من السفارات والبعثات الفلسطينية في عواصم عدة من العالم، وكذلك في العديد من مخيمات الشتات. وهذه المهرجانات طالبت بصورة واضحة الكشف عن اليد الفلسطينية التي نفذت الاغتيال، مع ان المخطط لها معروف، واسرائيل هي المتهمة بذلك، لان رئيس وزراء اسرائيل وقتئذ ارئيل شارون، اعلن مراراً وتكراراً عن نيته في التخلص من عرفات!
غموض في التحقيقات
بعد أن توفي ورحل الرئيس أبو عمار في احد مستشفيات فرنسا العسكرية، تأمل الفلسطينيون في ان الطاقم الطبي قد يصدر بياناً يوضح سبب الوفاة، ونوعية السم، ولكن ذلك لم يحدث، بل ان عرفات تعرض الى حصار داخل المستشفى، ومنع رفاقه من زيارته.. وقال المستشفى ان الرئيس عرفات مات لفقدانه المناعة. وحاول الفلسطينيون معرفة ما هي أسباب فقده للمناعة، ولم يعرفوا سوى انه تعرض "للتسمم"!
شكلت لجنة تحقيق فلسطينية، ولجان عدة، ولكن حتى يومنا هذا لم تجمع الا على امر واحد وهو ان الرئيس عرفات مات "مسموما"، ولكن لم تعرف ما هي المادة المسببة للتسمم، وكيف تم وصولها الى جسمه. هل عبر الاكل ام الاشعاع ام الادوية؟ ما زالت الامور معلقة. حتى يومنا هذا.
قبل عدة سنوات اثارت القضية زوجته السيدة سهى عرفات، ورفعت دعوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية، وتم اخذ عينات من رفاته عبر لجنة خاصة، ولكن لم تتوصل التحقيقات الخاصة الى نتيجة، ولم يعرف نوع السم؟ وكيف قتل عرفات؟ وبقيت القضية غامضة!
جهات ضاغطة
يبدو جليا ان هناك جهات معادية لها نفوذ قوي جداً على الساحة الدولية مارست ضغوطات على فرنسا، وعلى لجان التحقيق من اجل ابقاء الوضع غامضا، ومنع كشف موضوع التسمم، ولا من قام بذلك.
وهناك تخمين بأن اسرائيل الواقفة وراء الاغتيال والمستفيدة منه مارست هذه الضغوطات بدعم اميركي واضح اذ ان الرئيس عرفات اغتيل بعد ان قدم الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن رسالة التعهدات الاميركية لرئيس وزراء اسرائيل، في نيسان 2004، أي عدة اشهر قبل الاغتيال، وتؤكد دعم اميركا لاسرائيل بعدم العودة الى حدود حزيران 1967، وعدم تقسيم القدس، واسقاط حق العودة وبقاء المستوطنات، وكل هذه التعهدات هي مخالفة كاملا لاتفاقيات اوسلو، ومبادئها الاساسية الموقعة في ساحة البيت الابيض يوم 13/9/1993 بحضور شخصيات العالم، وفي مقدمتهم الرئيس الاميركي حينها بيل كلينتون.
هناك معلومات بأن اميركا دعمت الضغوطات الاسرائيلية، وبالتالي تم بقاء الغموض في التحقيقات الجارية، حتى لا يعرف الفلسطينيون كيف تم اغتيال رئيسهم وزعيمهم، وحتى لا تقوم موجة من العنف ضد اسرائيل سواء فلسطينيا، او جماهيريا في العالم العربي.
ويعود الغموض الى الرغبة في عدم الكشف عن القاتل او وسيلة الاغتيال من اجل ابقائها قائمة وقابلة للتنفيذ بحق الرئيس عباس، او أي من قادة فلسطين الذين "يشاكسون" على السياسة والتصرفات الاسرائيلية!
تقصير فلسطيني واضح
هناك تقصير فلسطيني واضح في الكشف عن ملابسات الاغتيال، اذ ان لجنة التحقيق، وبعد مرور 12 سنة، لا بدّ أن لديها معطيات، ولذلك، لماذا لا توفر ما لديها من استنتاجات أولية لابناء الشعب الفلسطيني، وتطمئنهم على انها ما زالت تحقق، وتبحث عن امور معينة.
الرئيس محمود عباس يعرف القاتل، لماذا لا يعلن اسمه من دون أي تردد؟ فهل هناك تهديد ما من قبل اسرائيل واميركا للرئيس عباس بعدم اعلان اسم "اليد" المنفذة؟
في كل عام نحتفل باحياء ذكرى رحيل "أبو عمار"، ولماذا لا تكون احتفالات هذه السنة مميزة باعلان تفاصيل القتل، ام اننا في انتظار ما قد تكشفه لنا وسائل الاعلام الاسرائيلية او جهات اخرى.
ولا بدّ من التذكير بأن دماء الرئيس عرفات زكية وطاهرة، ولهذا يجب الا تكون اداة لاتهامات شخصية متبادلة بين مسؤول وآخر، ويجب ان نكون حضاريين ومسؤولين، وعدم السماح بمس هذه الدماء التي سفكت من اجل فلسطين اولاً وأخيراً.