الايجابيات والسلبيات في الميزان
شارك الرئيس محمود عباس في حفل تشييع جثمان الرئيس السابق لدولة اسرائيل، الرئيس التاسع للدولة العبرية، شمعون بيرس، الذي أقيم على جبل هرتسل في غرب القدس، الى جانب العديد من قادة العالم، وفي مقدمتهم الرئيس الاميركي باراك اوباما، والرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند، ومستشارة المانيا انجيلا ميركل، ورؤساء العديد من الدول الاوروبية والافريقية الى جانب ممثلين عن 8 دول عربية تقيم ولا تقيم علاقات رسمية مع اسرائيل.
هذه المشاركة اثارت الشارع الفلسطيني، وحوّلته الى مؤيد ورافض لها. وللمؤيدين تبريراتهم لهذا الموقف، كذلك الذي رفض وانتقد الزيارة له مبرراته. وقبل التطرق الى التأييد أو الانتقاد للزيارة لا بدّ من التعرّج على الظروف والمعطيات التي ساهمت في تشجيع الرئيس عباس على فكرة المشاركة، ومن ثم تنفيذها دون أي التفاف أو اهتمام لكل من انتقده وهاجمه على هذه المشاركة. ولا بدّ من الاشارة الى ان التأييد لم يأت من ابناء حركة فتح، بل من شخصيات أخرى مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءاً من حركة "فتح" وقفت بقوة ضد المشاركة.
الظروف والمعطيات
استناداً لمعلومات مؤكدة جدا أن الرئيس محمود عباس تلقى دعوة رسمية من عائلة بيرس للمشاركة في الجنازة المقررة يوم الجمعة 30/9/2016. واكدت له ضرورة المشاركة لان بيرس هو مهندس وراعي اتفاق اوسلو، وهو "رجل سلام"، وغياب "عباس"، الشريك الفلسطيني يعني ان بيرس لم يحقق أي شيء في حياته.
عائلة بيرس طلبت من قادة المجتمع الاوروبي ممارسة ضغط على الرئيس عباس لحضور الجنازة اذا اعترفوا بأن بيرس كان رجل سلام بالفعل.
في البداية تردد الرئيس على المشاركة، ولكن عدداً من قادة فتح، ومَن هم حوله، ومن بينهم أمين سر المنظمة الدكتور صائب عريقات، شجعه على ذلك. وبعد دراسة الظروف والمعطيات، والضغوطات التي قد تمارس على الفلسطينيين، قرر الرئيس التوجه الى غربي القدس للمشاركة في الجنازة. واصدر تعليماته لوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ لاجراء الاتصالات اللازمة لتأمين هذه المشاركة. وقد صحب الرئيس الدكتور عريقات، ومحمد المدني، والوزير الشيخ. وبالفعل تمت المشاركة، وجلس الرئيس عباس على المقاعد الامامية في الاحتفال، كما ان وسائل الاعلام العديدة ركزّت على مشاركة الرئيس عباس في هذه الجنازة خلال بثها المباشر لحفل التشييع الكبير.
من مكاسب المشاركة
هناك عدة مكاسب سعى الرئيس عباس الى تحقيقها من خلال المشاركة في جنازة بيرس، ويمكن القول انه تم تحقيقها الى حد كبير ومن أهمها:-
· وجه رسالة الى العالم كله، والى الاسرائيليين خاصة، بأن هناك شريكا فلسطينياً في المسيرة السلمية. وهذه الخطوة وجهت صفعة في وجه اليمين المتطرف الاسرائيلي الذي يقول باستمرار انه ليس هناك أي شريك فلسطيني.
· ذكّر العالم كله بأن هناك شعبا فلسطينياً، وان حضوره ومشاركته في هذه الجنازة بمثابة تأكيد للوجود الفلسطيني في هذه الديار.
· وجه الرئيس عباس رسالة واضحة بأن شعبنا يريد السلام، وانه شعب متحضر لا يشمت بالموت، ولا يعادي خصمه السياسي، بل يشارك في تَرح من كان شريكا في اعداد وهندسة اتفاق اوسلو.
· استطاع الرئيس عباس ان يلتقي رؤساء وقادة دول على هامش هذه الجنازة، لحشد الدعم والتأييد للمواقف الفلسطينية.
· أرضى عائلة بيرس اذ تم تكريمه فلسطينياً لأنه كان ساعياً الى تحقيق سلام مع الجانب الفلسطيني. وظهر بالفعل انه رجل ساعٍ للسلام!
من سلبيات المشاركة
هناك عدة سلبيات من وراء هذه المشاركة في جنازة بيرس، ويمكن حصرها بالآتي:
· أثارت الشارع الفلسطيني ضد الرئيس، لان هناك قادة كثيرين ابتعدوا عن هذه المشاركة.
· كذلك أثارت بعض الامناء العامين وقادة الفصائل والقوى الفلسطينية لعدم استشارتهم، أو اطلاعهم بظروف المشاركة واهدافها.
· احترام الجانب الاسرائيلي اكثر من اللازم، وخاصة ان العديد من الشخصيات الفلسطينية استشهدت أو قتلت على يد الجانب الاسرائيلي، ولم تتلق السلطة أي تعزية أو اعتذار.
· منح الرئيس شهادة براءة من دماء الفلسطينيين الذين قتلهم الرئيس السابق لاسرائيل شمعون بيرس.
· كان بيرس عراب الاستيطان ومؤسسه، فالمشاركة في جنازته تعتبر دعماً لسياسته مع ان الرئيس عباس يُصّر على وقف الاستيطان قبل العودة الى طاولة المفاوضات.
· بيرس كان في حزب العمل الذي اقام دولة اسرائيل، وشارك في طرد أبناء شعبنا للخارج، وشارك في حرب حزيران 1967، واحتل اراضينا العربية، وقرر ضم القدس العربية الى اسرائيل.
· بيرس العدو اللدود للفلسطينيين، وكان يستخدم كقناع جميل لوجه سياسة اسرائيل البشع جدا.
· حسب رأي كثيرين، هذه الزيارة قد حققت شيئاً آنياً، وسرعان ما ينسا، الاسرائيليون، أو يشطبونه ولا يهتمون به.
من أهم الخسائر هو انقسام الشعب بين مؤيد ومعارض للمشاركة، ولكن المفروض ان تتعالج الاخطاء، أو دراسة الوضع بهدوء وبواقعية من دون أي اندفاع او اصدار احكام مسبقة.. فمشاركة الرئيس عباس في جنازة بيرس لها مكاسب، وفي الوقت نفسه هناك خسائر.. ولا بد من العمل للاستفادة من المشاركة، مع ان هناك تحفظات عليها. ويجب تجنب جلد الذات أو المبالغة في الحدث اكثر مما يستحقه.