في فجر يوم الاحد 12 حزيران 2016، وبينما كان مثليو الجنس يقضون سهرة جميلة على طريقتهم الخاصة في نادي "بلس" الليلي في مدينة اورلاندو بولاية فلوريدا الاميركية، دخل الى النادي عمر صديق متين، وهو يحمل رشاشا، واحتجز كل من في النادي، واتصل بالشرطة، واعلن انتماءه لتنظيم "داعش"، ومن ثم قام بتصفية من وجد داخل النادي بينما كانت الشرطة الاميركية تحاول انقاذ ما يمكن انقاذه، وكانت النتيجة لهذه الحادثة المأساوية مقتل اكثر من 50 شخصاً، واصابة عدد مماثل لهم، من بينهم في حالة الخطر.
هذا الحادث هز اميركا كلها، اذ سمي ذلك اليوم بـ "الاحد الاسود"، واثر هذا الحادث على الحملات الانتخابية الرئاسية. واثار موضوع الحصول على السلاح بصورة سهلة في اميركا.. ولكن التساؤل الذي يجب ان يطرح: ماذا تعني هذه الحادثة وما هي الرسالة الممكن فهمها منها؟
اوباما يهدىء الوضع
الرئيس الاميركي باراك اوباما حاول تهدئة النقاش حول هذه الحادثة اذ قال انها لم تأت من الخارج، وهي حادثة فردية داخلية، أي أنه اراد طمأنة الشعب الاميركي بأن تنظيم "داعش" لم يخطط له، وان من نفذه هو عمر متين بدوافع ذاتية ولعوامل نفسية عديدة. وهذه الحادثة لم تكن الاولى، ولن تكون الاخيرة، اذ انه منذ اكثر من ربع قرن وقعت حوادث مماثلة في عهد رؤساء سابقين، ولذلك لا يستطيع احد ان يزاود على الرئيس اوباما اذ ان السلاح متوفر، واستخدامه يعتمد على "العقل" وليس على قوانين تمنعه، وتشدد من اجراءات الحصول عليه.
ومن اجل تهدئة الامور والنقاش الساخن الذي دار داخل الولايات المتحدة، قام الرئيس اوباما بزيارة النادي، وموقع الحادث واعلن تعاطفه مع اهالي ضحايا الحادث.
هل هناك صلة بداعش
حسب التقارير الواردة، فان متين، هو صاحب ميول اسلامية، وقد تم الشك فيه على انه متطرف ايضا. وان علاقته مع "داعش" اقتصرت فقط على التخابر والتواصل عبر "النت"، وبالتالي كان على صلة مع تنظيم "داعش" بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
والتحقيقات الاولية افادت ان متين ادى مناسك العمرة مرتين، في آذار عام 2011، وآذار عام 2012، ومكث هناك وفي كل مرة عشرة ايام، وهذا يكفي ان يجري اتصالاً مع شيوخ او مع المتعاطفين مع تنظيم داعش، وقد متأثراً بالفكر الوهابي.
لقد توفرت معلومات للاف.بي.آي عن ان متين متطرف، ولكن هذه الوكالة الامنية لم تجد أي مبرر لاعتقاله بعد التحقيق معه، ومما أحرجها انه يملك سجلاً نظيفا، وانه عمل كحارس، وليست لديه سوابق.
لقد كان متين ذكياً في خداعه للسلطات الاميركية، وكان يعمل ويخطط بهدوء.
مريض نفسياً
هناك من يقول انه كان مريضا نفسيا، اذ كان تعامله مع زوجته سيئة جدا، واستخدم العنف ضدها مما يعكس ذلك مرضه.
ولكن لو كان مريضا، فهل ستوظفه شركة امن دولية كبيرة لعدة سنوات، وهل سينجح في مخططه باطلاق نار مكثف وبتركيز كبير على رواد النادي الذين تواجدوا فيه لحظة اقتحامه ومداهمته واطلاق النار عليهم. ولو كان مريضا نفسيا، فهل يتصل بالشرطة الاميركية ويعلن لها انه ينتمي الى تنظيم "داعش" لارباك الشرطة واثارة جدل حول "هل هو حقا عضو في تنظيم "داعش"، ام انه اراد المبالغة في فعلته لاثارة الخلايا النائمة المتواجدة على الساحة الاميركية.
من هنا يمكن القول انه لم يكن مريضا نفسيا، ولكنه كان معقدا من شيء اسمه "مثلي الجنس" لانه كان متديناً، ويعتبر ذلك مخالفا للدين.. وهذا الهجوم على مثلي الجنس قد يكون لصالح هذه الظاهرة، ولن تقضي عليها.
خلايا نائمة
لا شك ان هناك خلايا نائمة موالية لتنظيم داعش "فكريا"، وداعش هو فكر متطرف ارهابي لا يقبل بالاخرين، يبرر كل ما يقوم به من قتل ورعب، واغتصاب ودمار بشعارات دينية هي بعيدة كل البعد عن جوهر الدين وتعاليمه.
السؤال الذي قد يطرح الآن: هل صدرت تعليمات له بالقيام بأية عملية، وهو اختار طبيعتها لانه أدرى بالموقع والميدان! أم انه قام بها من تلقاء نفسه؟
وهناك سؤال هو اكثر خطورة الا وهو: هل هذه الحادثة الارهابية بمثابة انتقام من سياسة اميركا المناهضة لداعش في منطقة الشرق الاوسط.. وهل ان هذه الحادثة هي بداية عمليات ارهابية اخرى قد تشهدها الساحة الاميركية بعد ان يتم "ايقاظ" الخلايا الفكرية المتطرفة النائمة حاليا!
رسائل خطيرة الى الاميركان
اذا تعمق أي مراقب في هذه الحادثة، ودرسها بصورة منطقية، فيمكن له ان يستنتج عدة رسائل منها ومن أهمها:-
· هناك امكانية واردة وقوية لاختراق الاجهزة الامنية الاميركية لتمرير وتنفيذ عمليات ارهابية اذا قرر احدهم، وبالنيابة عن نفسه، أو عن تنظيم ارهابي ينتمي اليه.
· هناك فشل امني ايضا في الاجهزة الامنية متمثل في المعلومات المتوفرة عن المتطرفين من اميركان أو غير اميركان مقيمين على الساحة الاميركية.
· توفر السلاح قد يعطي ارضية خصبة لمتطرفين "مختفين" ان يحصلوا عليه لتنفيذ عمليات ارهابية خطيرة.
· من الممكن القول ان الارهاب، سواء عبر داعش او غيره من التنظيمات والمجموعات المسلحة الارهابية، قادر على تخطي الحدود، والوصول الى داخل الساحة الاميركية تماما كما انه استطاع الوصول الى عواصم اوروبية!
· ان من يدعم الارهاب يكتوي بناره، فاميركا تدعم منظمات ومجموعات ارهابية في سوريا لاسقاط النظام الشرعي وستكتوي بناره، وخير مثال على ذلك انها في فترة من القرن المنصرم دعمت القاعدة من اجل طرد السوفيات من افغانستان، وبعد ان تمت المهمة، تحولت القاعدة الى عدو لدود لاميركا، وهي التي قامت بتفجيرات 11 ايلول 2001.
· يجب محاربة الارهاب بصورة جدية لانه مدمر وقاتل ويمس الامن العالمي.. ولا بدّ من أن تتكاتف الجهود الدولية من اجل تحقيق هذا الهدف، ومن الخطأ استخدامه لتحقيق اهداف سياسية خطيرة في دول واقطار في العالم.
· قد تكون هذه العملية الارهابية في اورلاندو كجرس انذار للادارة الاميركية كي تغيّر من سياستها الداعمة للارهاب!
· يجب مكافحة مصادر دعم الارهاب ومحاصرتها، لان تقديم الدعم له سيقويه، وسيؤدي الى مزيد من العمليات الجبانة البشعة.. والتغطية على هذه المصادر يعني ان منابع الارهاب متواصلة، ولذلك فانه سيبقى ما دامت هذه المنابع قائمة ومتوفرة!
التعلم من الحادث
لا بدّ أن الجهات الاميركية اخذت عبرة كبيرة من هذا الحادث، وانها قد تتخذ اجراءات لمنع تكرار مثل هذه الاعمال الارهابية.. لان العبرة من الدرس، ولان من يريد ان يمنع الارهاب يجب ان يستفيد من نتائجه ورسائله.
واذا لم تتخذ الاجراءات اللازمة، فان اميركا قد تشهد المزيد من الاعمال الارهابية.. وخير امتحان لذلك ما قد يحدث مستقبلا سواء في القريب أو البعيد.
أهم حوادث اطلاق النار في اميركا
12 حزيران 2016: مقتل 53 شخصاً واصابة 53 آخرين في اطلاق النار على نادي مثلي الجنس في اورلاندو/ولاية فلوريدا على يد عمر متين.
12 كانون الأول 2015: مقتل 14 شخصاً في سان برناردينو/ ولاية كاليفورنيا.
18 حزيران 2015: مقتل 9 أشخاص في اطلاق نار على كنيسة للسود في شارلستون/ ولاية نورث كارولينا.
14 كانون أول 2012: مقتل 20 طفلا وستة معلمين اثر اطلاق نار على مدرسة ساندي هوك الابتدائية في نيو تاون/ ولاية كونيتيكت.
20 تموز 2012: مقتل 12 شخصا واصابة 70 آخرين اثر اطلاق نار على دار عرض فيلم في اورورا/ ولاية كولورادو.
16 نيسان 2007: مقتل 32 شخصا في حرم جامعة فيرجينيا للفنون التطبيقية في بلاكسبرغ/ ولاية فيرجينيا.
20 نيسان 1990: مقتل 12 تلميذا ومعلما واحدا واصيب 21 آخرين في مدرسة كولومباين الثانوية في ليتلتون/ ولاية كولورادو.
نبذة عن الارهابي
عمرصديقي متين
· من مواليد اميركا في تشرين الثاني عام 1986.
· تزوج زواجا دينيا من سيتورا يوسفاي علي شيرزودا (مواليد 1989) عام 2009. وبسبب تعنيفه لها، هجرته وطلقته.
· عمل مع شركة حراسة لعدة سنوات، ومهمة الشركة اعطاء النصائح في تعذيب الاسرى.
· تعرض للتحقيق مرتين عامين 2013، و2014 من قبل رجال (إف.بي.آي) للاشتباه به بميول دينية. وقد اطلق سراحه لسجله النظيف، ولكن وضع تحت المراقبة.
· أدى مناسك العمرة مرتين في آذار 2011، وفي آذار 2012 وقضى في السعودية في كل عمرة عشرة أيام.
· كان على تواصل مع "داعش" عبر الانترنت.