الأسباب الحقيقية وراء عدم التوصل اليها
رغم اجراء محادثات مكثفة بين وفدي حركتي "فتح" و"حماس" استمرت لعدة شهور في العاصمة القطرية وبدعم تركي واضح، ورغم أن مسؤولين من الحركتين صرحوا بأن التوصل الى اتفاق أصبح قريباً جداً، الا ان هذه المحادثات لم تحرز أي تقدم ملموس. وقام الرئيس محمود عباس بزيارة الى قطر، والتقى اميرها، تميم بن حمد، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، لكنه بعد ان غادرها متوجهاً الى الرياض، للقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أعلن أن محادثات المصالحة قد فشلت.
قادة حماس اتهموا فتح بأنها افشلت الاتفاق لان الرئيس عباس رفض دمج الموظفين الذين عينتهم حماس بعد سيطرتها على القطاع قبل تسع سنوات الا ضمن آلية واضحة، واهمها تشكيل لجنة لدراسة هذا التوظيف، وقانونية التعيين للموظفين. في حين أن قادة فتح اتهموا "حماس"، بأنها تريد من التوصل الى اتفاق هو الحصول على رواتب للموظفين الذين عينتهم، ولا تريد أي شيء آخر، وخاصة التنازل عن سلطتها على قطاع غزة.
توقيت اعلان الفشل
جاء هذا التوقيت لاعلان الفشل قبيل عدة احداث ووقائع واهمها:-
· قبل توجه الرئيس عباس الى السعودية، اذ ان السعودية ضد تيار الاخوان وخاصة حركة حماس.
· قبيل توجه الرئيس محمود عباس الى بروكسل لالقاء كلمة فلسطين امام البرلمان الاوروبي.
· قبل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي لتبني المبادرة الفرنسية للدعوة الى عقد مؤتمر دولي يبحث الاحتلال الاسرائيلي وكيفية التوصل الى اتفاق لانهائه عبر تحديد سقف زمني، أو عبر تشجيع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على العودة الى طاولة المفاوضات، مع تقديم بعض "المحفزات" لذلك.
· جاء قبيل الاعلان عن التوصل الى اتفاق تركي اسرائيلي لعودة العلاقات بين البلدين الى ما كانت عليه قبل نهاية أيار 2010، وهذا الاتفاق يعزز من الدور التركي في القطاع، وخاصة دعمه لسلطة حماس، واقامة مشاريع هناك من دون استشارة أو علم القيادة الفلسطينية في رام الله.
· يأتي اعلان الفشل في وقت يزداد فيه النفوذ الروسي في المنطقة، وتوجيه ضربات موجعة لجبهة النصرة التي هي مدعومة من تيار الاخوان المسلمين العالمي والاقليمي.
· يأتي اعلان الفشل في وقت تتصاعد فيه المواجهة بين الاخوان المسلمين والدولة المصرية، وصدور احكام قضائية رئيسية على عدد من قادة الاخوان، وفي مقدمتهم الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي.
الأسباب الحقيقية للفشل
كل جانب يتمترس وراء مطلب معين ويتمسك به كي يفشل الاتفاق، ولكن في الواقع هناك أسباب حقيقية تؤكد وتؤدي الى عدم التوصل الى أي اتفاق مهما جرت من مفاوضات ومحادثات الا اذا ازيلت هذه الاسباب، وهذا امر شبه مستحيل في الوقت الحالي. ويمكن تلخيص هذه الاسباب بالآتي:-
1. لا تريد "حماس" التنازل عن سيطرتها على قطاع غزة، كما ان السلطة الوطنية تخشى من سيطرة حماس على الضفة الغربية، فبالتالي فان النوايا الجادة غير متوفرة لتحقيق مصالحة حقيقية.
2. الجانبان يدعوان الى اجراء انتخابات، ولكن في الواقع كل منها يخشى من النتائج اذ ان الوضع غير واضح، والنتائج قد تكون مفاجئة.
3. حركة حماس تريد اعادة تشكيل وترتيب منظمة التحرير قبل التوصل الى أي اتفاق، لانها ترغب في السيطرة عليها، في حين ان حركة "فتح" تريد ابقاء المنظمة على حالها خوفاً من فقدانها لها.
4. نهجا الحركتين مختلفان ومتناقضان، فحركة "فتح" مع النضال السياسي بعيدا عن العسكرة، في حين ان حركة حماس تصر على الخيار العسكري، أو على المقاومة العسكرية، وتعتبر المقاومة الشعبية السلمية غير مجدية لانهاء الاحتلال الاسرائيلي.
5. رفض حماس الاعتراف بكل الاتفاقات المبرمة بين اسرائيل ومنظمة التحرير، أي رفضها الاعتراف بدولة اسرائيل.
6. هناك ضغوطات ممارسة على القيادة الفلسطينية لعدم مصافحة حماس لان هذه الحركة مصنفة في العديد من الدول المانحة بأنها "منظمة ارهابية".
7. الرئيس عباس يخشى من ان حماس قد تجهض كل الانجازات التي تم تحقيقها دبلوماسيا عبر المصالحة او أي اتفاق مصالحة لا يتم تطبيقه، اذ تم التوصل الى عدة اتفاقات ولم تنفذ، وهناك اتهامات متبادلة حول مسؤولية هذا الطرف او ذاك في عدم تطبيقها.
8. الاتفاق مع حماس في الوقت الحاضر قد يغضب كلا من السعودية ومصر، وهما دولتان داعمتان رئيسيتان للسلطة الوطنية الفلسطينية.
9. هناك خشية من ان أي اتفاق مع حماس، والذي لن يطبق، قد يؤدي الى مزيد من الاجراءات الاسرائيلية التعسفية ضد السلطة وضد الشعب الفلسطيني.
10. هناك تحذيرات من بعض الدول المانحة من ان أي اتفاق مع حماس قد يؤدي الى وقف تقديم هذه المساعدات.
من هنا يمكن الاستنتاج ان عوائق التوصل الى أي اتفاق هي كثيرة، وخاصة ان الثقة المتبادلة بين الحركتين غائبة كليا بعد ان فشل تطبيق أي من الاتفاقات التي تم التوصل اليها سابقا.
الجهود مستمرة
الجهود للتوصل الى اتفاق مصالحة ستتواصل من اجل تهدئة الشعب الفلسطيني الذي يقف ضد الانقسام، ومن أجل عدم فقدان أي من الحركتين شعبيتها في الشارع الفلسطيني.
المصالحة مطلوبة، ولكن العوائق كثيرة، والمعطيات المتوفرة لا تشجع على ذلك، كما ان الثقة معدومة والنية غير جادة.. ورغم ذلك فان الحركتين تعلنان "شكليا واعلاميا" انهما معنيتان بالمصالحة، ولكن على ارض الواقع لم تعملا جديا نحو ذلك.. لان لكل منهما اهدافها واهتمامها.. وهذا امر واقعي يدركه الجميع، ولذلك فقدوا الثقة بهذه الجهود التي تعتبر دعائية فقط وليست جادة!