التحرك السياسي الدبلوماسي الفلسطيني مطلوب من أجل ابقاء القضية الفلسطينية حيّة في الساحة الدولية، وكذلك لتذكير العالم بأن اتفاق اوسلو لم ينه الاحتلال الاسرائيلي لاراضينا الفلسطينية، ولم يمارس شعبنا الفلسطيني حتى يومنا هذا حقه في تقرير المصير في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
هذا التحرك الدبلوماسي متواصل منذ عشرات السنوات، من اوائل السبعينات من القرن الماضي، ولكنه وللاسف لم يعط النتيجة المرجوة، مع أنه كانت هناك انجازات سياسية محدودة بين فينة واخرى، ولكن هذه الانجازات سرعان ما كانت تصادر عبر تحالف اميركا مع اسرائيل، وعبر تقاعس وتخاذل المجتمع الدولي وكذلك دول عربية تجاه هذه القضية المفروض أن تكون الاولى في قضايا العالم العربي قبل المجتمع الدولي.
عندما وُقـّع اتفاق اوسلو، وخاصة اتفاق المبادىء، في ساحة البيت الابيض يوم 13 أيلول 1993، تفاءل كثيرون، ولكن هذا التفاؤل لم يكن في محله، اذ أن اسرائيل وحتى يومنا هذا لم تلتزم ولم تحترم ولم تطبق بنود هذا الاتفاق، والعذر الأول والأخير والمختلق المضلل هو "الأمن الاسرائيلي"، وكأن هذا الاتفاق لم يؤمن هذا "الأمن" لها. وجرت العديد من اللقاءات الفلسطينية الاسرائيلية، وتدخل العاهل الاردني الراحل الملك حسين وفي عز صراعه مع المرض من اجل التوصل الى اتفاق في "واي ريفر" حول مدينة الخليل.. ولكن هذا الاتفاق لم يطبق كاملاً ايضاً.
مؤتمرات عديدة عقدت ومن أهمها مؤتمر انا بوليس الدولي بمشاركة العديد من الدول العربية والغربية، ولكنه لم يحقق انجازاً على اراض الواقع.
وها هي باريس تقدم مبادرة بعقد لقاء لوزراء خارجية حوالي عشرين دولة لوضع المسيرة السلمية على الطريق الصحيح، أو للمساعدة في احراز اختراق للجمود السياسي لانهاء الاحتلال الاسرائيلي. وهذا اللقاء من المفروض أن يعقد في 3 حزيران الجاري. وعلى ضوئه سيحدد موعد لعقد مؤتمر دولي في الخريف القادم، أي ان الموضوع الفلسطيني يُرّحل من فترة الى اخرى حتى تتهيأ الظروف المناسبة، ولكننا حتى يومنا هذا لم يتحقق ذلك.
هناك من أعلن تفاؤله في هذه المبادرة، في حين أن القيادة الاسرائيلية رفضتها جملة وتفصيلا، وأعلنت ذلك صراحة وعلنا رغم أن رئيس الوزراء الفرنسي ووزير خارجيته حاولا ارضاءها وزارا المنطقة حول ذلك، ولكنهما فشلا في ذلك.
هؤلاء المتفائلون يراهنون على موقف دولي لصالح القضية، ولكن هذا الرهان ليس في محله لان هذا الموقف ما زال بعيدا.. وسيكتشف هؤلاء بأنهم اخطأوا في الحساب. وافرطوا في التفاؤل "الوهمي" لان هذه المبادرة لن تحقق أي شيء لعدة أسباب وعوامل وأهمها:-
· لن تقبل الادارة الاميركية الحالية ولا القادمة أن ترعى اي دولة أخرى، ولو كانت حليفة لها، المسيرة السلمية، أي أنها لن تتنازل عن نفوذها ورعايتها لمسيرة "السّلام" في منطقة الشرق الاوسط.
· القيادة الاسرائيلية رفضت هذه المبادرة لانها لا تريد السلام الحقيقي العادل والشامل، وهي تريد تحقيق هدنة فقط لعشرات السنوات تبقى فيها مسيطرة على اراضينا المحتلة، مع منحنا ادارة ذاتية أو مدنية تخفف عنها اعباء مالية ومسؤوليات أمنية واجتماعية.
· هناك انقسام فلسطيني داخلي، وهذا يؤثر على موقفنا سواء شئنا أم أبينا ذلك.
· القيادة الاسرائيلية الحالية بزعامة نتنياهو هي يمينية وتقول وبكل صراحة ان اراضي الضفة هي ملك لليهود، ولا يمكن التنازل عنها كاملا!
· الادارة الاميركية تدعم اسرائيل دعما أعمى، ولو أن هناك تباينا في وجهات النظر احيانا، ولا ننسى رسالة الرئيس جورج بوش الابن في نيسان 2004 التي تضمنت تعهدات واضحة، واهمها عدم العودة الى حدود 4 حزيران 1967، وعدم الاعتراف بحق العودة، وعدم ازالة الاستيطان وعدم تقسيم القدس.. ولهذا فان امكانية تحقيق سلام شامل وعادل هو امر مستحيل تبعاً لهذه التعهدات الاميركية!
· المجتمع الدولي الرسمي، اي حكومات هذا المجتمع الدولي، لن "يعادي" اسرائيل، فبالتالي لن يقف كاملاً الى جانب الحق والعدل.
· عالمنا العربي في وضع سيء جدا جدا، اذ انه يعيش عصر انحطاط الانحطاط، وها هي أقطارنا العربية تواجه مؤامرات خبيثة وجبانة ولعينة لتدميرها وفرض حلول التقسيم والتجزئة عليها.. وها هي قيادات عربية تدعم "الارهاب" وتدعم هذا التدمير الذي يشهده العالم العربي، وللاسف هناك تقارب لهذه الانظمة مع اسرائيل، وقد تتبنى هذه الانظمة الموقف الاسرائيلي، وتضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات للقبول بما تطرحه القيادة الاسرائيلية من "فتات" حل مهين جداً.
وانطلاقاً مما ذكر، ولتجارب سابقة عديدة، فان الافراط في التفاؤل ليس سليما أو صحيحا.. وبدلا من المراهنة على اقتراحات حلول ومبادرات وتحركات، علينا اولا وأخيراً ان نوحد صفوفنا الداخلية، ونضع خطة تعتمد على اذرعنا في تطبيقها، ولا تراهن على من يتلونون في مواقفهم حسب مصالحهم، ويشاركون في المؤامرة الحالية لتدمير اقطارنا العربية!