عند متابعة ما يجري في العالم هذه الايام، يجد المرء أن ما هو مقبول في هذه الجهة هو مرفوض من قبل نفس الدول في جهات ومناطق أخرى، لأن هذا المجتمع المسمى بالدولي يستخدم معايير عديدة في تعامله مع القضايا المختلفة، وهو يعمل على خدمة نفسه ومصالحه قبل كل شيء، ولو أدى ذلك الى الدوس على القوانين والاعراف الدولية، وحتى على حقوق الانسان!
من أجل الدفاع عن التواجد السعودي في اليمن، وفرض الرئيس الذي تريده السعودية على اليمن، شنت هجوماً عسكرياً دفاعاً عن رئيس غير شرعي.. وشاركها في ذلك العديد من الدول نظراً لحاجتها للمساعدة المالية السعودية، في حين ان الدولة السورية تحارب الارهاب الذي جاء الى سورية، واعتدى على اراضيها وشعبها، فان ذلك يعد انتهاكاً لكل المصالح "الدولية" التي تريد ان ترى سورية مدمرة. المعارضة في اليمن هي ارهابية، رغم أنها مكونة من ابناء اليمن، وليسوا من الخارج.. في حين ان المعارضة "السورية" في الخارج المرتمية بأحضان اعداء سورية واعداء العروبة فهي معارضة مشروعة، وممنوع على النظام التصدي لها.. وهذه المعارضة هي "الارهاب" بحد ذاته الذي يُدّمر سورية، وسينتقل قريباً الى قلب الدول التي أوجدته ووفرت كل الدعم له!
وزير خارجية السعودية يريد الاطاحة بالرئيس الاسد، وكأنه هو الذي يقرر ما يريده نيابة عن الشعب السوري. وهذا الوزير الجبير يطالب بضرورة منح "المعارضة" الدعم الكامل للسيطرة على الحكم، ويطالب بالديمقراطية والحرية للشعب السوري، بينما دولته تعدم شنقاً 47 شخصاً منهم الشيخ نمر نمر، لانهم عبّروا عن آرائهم ووجهات نظرهم ومواقفهم الانتقادية للسعودية.. والاكثر غرابة، وألماً ان وزراء الخارجية العرب ينتقدون ايران لتصريحاتها المعادية "للقضاء السعودي" النزيه جداً جدا، الذي اصدر احكام اعدام بحق العديد من المعارضين، وهذا القضاء هو سيف العائلة المسلط على رقاب كل سعودي حتى ولو فكر بانتقاد هذه العائلة الحاكمة.
السعودية تعلن تشكيل تحالف اسلامي سني لضرب الارهاب، وهي في الوقت نفسه تتهم ايران ببث الفتنة الدينية!
هناك أمر اعوج، وغير مقبول في مثل هذه الاجواء.. هل هذا المجتمع العربي او الدولي فقد الرزانة، والعقل والتعقل والحنكة في معالجة الامور، ام ان هناك اكثر من جهة تفرض آراءها، وبالتالي يكون تصرف هذه الدولة أو تلك مرتبكاً وفوضوياً، ولا يخدم مصلحة البلد ذاته بل يخدم اعداءه!
لننظر الى ما يجري بكل واقعية: هل كل ما يجري يخدم السعودية؟ بالطبع لا، فهو يعمل على افلاسها يوما بعد يوم، ويعمل على ان تتحول الى دولة مديونة ومفلسة لانها تصرف اموالها على ما هو لا يخدم مصالحها!
ماذا حققت من دعمها للارهاب في سورية او في العراق؟ وماذا جنت من شن حرب شاملة على اليمن؟ وهل هذا سيخدم السعودية! لا ولربما مليون لا، والسؤال: اليس هناك داخل السعودية من هو عاقل داخل السلطة الحاكمة ليوقف هذه المهزلة؟ نأمل أن يخرج واحد لتفادي خطر الانزلاق في وحل يدمر السعودية قبل ان يدمر الدول المجاورة لها!
والاكثر عجباً وهو ان جامعة الدول العربية تعقد اجتماعاً طارئاً لوزراء الخارجية العرب لبحث الاعتداء على بعثات دبلوماسية في ايران، في حين أن هذه الجامعة لم تعقد اجتماعاً طارئاً واحداً للدفاع عن الحرم القدسي الشريف، أو للدفاع عن اي بلد عربي من مؤامرات واعتداءات عليه! وكأن هذه الجامعة لا تخدم العرب بل تخدم من هم أعداء الامة العربية؟
ولننظر الى الوضع في فلسطين، ماذا فعل المجتمع الدولي لوقف سياسة القمع الاسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني؟ ماذا فعل من أجل وضع حد لسياسة الاستيطان الاسرائيلية؟ وماذا فعل لانهاء احتلال مستمر منذ حوالي 49 عاماً؟ لماذا لا يجبر اسرائيل على احترام قرارات الشرعية الدولية؟ ولماذا والف لماذا؟
اميركا تتحدث عن انتهاكات لحقوق الانسان هنا وهناك في العالم، ولكنها تتفادى الحديث عن ذلك في دول عربية خليجية، او في دول ديكتاتورية لانها تابعة لها.
انه عالم لا يستحي ولا يخجل.. "واذا لم تستحِ فافعل ما شئنت"، هذا ما ينطبق على قادة دول العالم الذين فقدوا الاتزان والرزانة، وانحرفوا للدفاع عن الظلم والقهر في العالم.
هذه الاجواء قد تستمر لبعض الوقت.. ولكن لا بدّ لهذا الليل الطويل الظالم ان ينجلي.. ولا بدّ ان تتغير الاجواء الحالكة القائمة حالياً!