أمي الحبيبة.. جلست لأكتب وأخط لك كلمات رثاء تليق بك وبكل ما تحمله كلمة الأم من معان صادقة كبيرة لا يدركها الا من فقد الام.. جلست لأكتب وكأني لا أجيد الكتابة .. فقد جف الحبر وتلاشت الحروف والكلمات والمعاني..
كم هي صعبة أن ترثي قريباً لك، فكيف بالأحرى إذا كان هذا القريب هو أمك.. فأي كلمات يا أمي تستطيع أن تفيك حقك، وأن تعبر عما نشعر به من ألم وحسرة لفقدانك. كل عبارات الدنيا لا يمكن أن تصف شيئاً مما شعرت به لحظة رحيلك، وما زلت أشعر به، فما زلت حتى هذه اللحظة لا أصدق ما حدث.. انك رحلت ولن تعودي.. وبخاصة عندما أدخل البيت ولا أجدك فيه رغم أن رائحتك ما زالت عالقة بكل زاوية من زواياه.. ولكن أين أنت يا أمي.. أصبحت كطفلة صغيرة نزعت من أحضان أمها تشعر بالضياع.
أمي الحبيبة، كل منا يتأمل أن يحمل معه العام الجديد الفرح والسعادة والأمل.. ولكنه بالنسبة الينا ابتدأت الدقائق الأولى منه بفاجعة كبرى، واي فاجعة أكبر من أن تفقد أعز الناس الى قلبك، أمك.. تلك التي حملتك وتعبت وعانت وضحت من أجل سعادتك..
أمي الحبيبة.. لا تتصوري كيف كان مقدار ألمي عند سماعي بتدهور وضعك الصحي المفاجئ، والذي تسارع بشكل رهيب، أياماً معدودة فقط .. كنا نراقبك وأنت تذوين بسرعة ولا شيء نستطيع فعله، ولا أي بارقة أمل في شفائك.. كم كانت أياما قاسية صعبة ونحن نرى تلك الام التي كانت في السابق شعلة نشاط وحركة وترفض أن يخدمها أحد حتى في مرضها، تقبع في فراشها من دون أن تستطيع أن تفعل أي شيء.. كم كانت هذه الأيام صعبة عليك..
أمي الحبيبة، كلما كانت أنفاسك تخبو وتضعف لحظة الوداع الأخير، أحسست بأنفاسي تنقبض داخل صدري وأنا أتساءل هل ما يحدث هو واقع أم حلم؟! هل سيتحول عالم أمي الى ذكرى.. لم نصدق وتشبتنا بأمل أن تتجاوزي مرضك فتعودي الينا.. ولكن هذه هي ارادة الله تعالى، وما علينا سوى أن نقبل ونحتمل مرارة الألم.. ولكن أي ألم هذا.. انه ألم لا يطاق.. لا أستطيع أن أصف لك مقداره ونوعيته.. فقلبي بكى عليك قبل أن تبكي عيني.. قلبي الذي امتلأ حسرة وألماً على فراقك.. ورغم ذلك ما زلت لا أصدق انك رحلت من دون رجعة، فراغاً كبيراً تركته خلفك.. وفقدت الحياة قيمتها، فأي قيمة للحياة من دون أم.. وقد صدق جبران خليل جبران عندما وصف الأم بأنها "الْأُمُّ هِيَ كُلُّ شَيءٍ في هذِهِ الْحَياةِ، هِيَ التَّعزيَةُ في الْحُزنِ، والرَّجاءُ في الْيَأْسِ، وَالْقُوَّةُ في الضَّعْفِ، هِيَ يُنْبوعُ الْحُنُوِّ وَالرَّأْفَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالْغُفْرانِ، فَالّذي يَفْقِدُ أُمَّهُ يَفْقِدُ صَدْرًا يَسْنِدُ إِلَيْهِ رَأسَهُ، وَيَدًا تُبارِكُهُ، وَعَيْنًا تَحْرِسُهُ" ونحن فقدنا كل ذلك يا أماه.
آه يا أماه كم اشتقت اليك.. اشتقت لسماع صوتك وكلماتك الجميلة.. اشتقت لسماع عبارة "الله يرضى عليك"، التي كنت ترددينها لنا دائماً، والتي كانت آخر كلمات سمعناها بوضوح منك.. أسبوع مر على وفاتك وكأنه دهر، ربما سيمضي كل منا في حياته وفي مشاكله وفي أفراحه، ولكن مهما حاولنا ان نتقبل رحيلك وبُعدك عنا، فاننا دوما سنصحو على ألم فقدانك، في كل لحظة فرح سنعيشها سنتمنى لو كنت معنا، تماما كما زلنا رغم السنوات الطوال على فقدان والدي، ما زلنا نتمنى لو انه معنا يشاركنا فرحنا.. وفي كل لحظة حزن سنظل نتمنى لو أنكما معنا لنرتمي في احضانكما نبكي ألمنا، ونشكو همومنا، ونتلمس الحضن الدافئ الذي يخفف عنا ويملأنا بالحب والحنان..
رحمك الله يا امي، ورحمك الله يا ابي فلا شيء في الدنيا سيعوضنا عنكما.. في كل يوم يمر سيتجدد حبنا لكما وشوقنا الى رؤيتكما، الى وجودكما معنا .. وحزننا عليكما يزداد كل يوم على رحيلكما وفراقكما..
رحمك الله يا أمي وأسكنك ملكوته السماوي مع الأبرار والصديقين ..