الاعلام المقاوم لعب دوراً فعالاً في المواجهة الشرسة
أدهشت مفاجآت وبطولات رجال المقاومة الجيش الاسرائيلي والعالم كله، إذ أن قطاع غزة المحاصر منذ ثماني سنوات من قبل اسرائيل، وكذلك من قبل المجتمع الدولي، استطاع أن يصمد 25 يوماً في مواجهة الحرب العدوانية الاسرائيلية الشرسة على القطاع، والتي استخدمت فيها اسرائيل شتى أنواع الأسلحة الجوية والبحرية والبرية، ومختلف أنواع الذخائر من صواريخ وقذائف وقنابل.
لقد توقع الجيش الاسرائيلي مواجهة مقاومة، ولكن ليست مقاومة مفاجئة ونوعية وبطولية، وتوقع الجيش الاسرائيلي أيضاً أن يوجه ضربة كبيرة للمقاومة خلال أيام محدودة، إلا أنه انزلق الى معارك برية طاحنة دفع فيها ثمناً باهظاً من الخسائر البشرية في صفوف جنوده. فما هو المدهش والمفاجىء في هذه الحرب التي أربكت اسرائيل ووضعتها في أزمة كبيرة.
القوة الصاروخية للمقاومة
رغم القصف الجوي الضعيف والواسع والشامل على مختلف أنحاء القطاع، إلا أن اسرائيل لم تستطع القضاء على القوة الصاروخية للمقاومة إذ أن صليات من هذه الصواريخ المتنوعة انهالت على الجيش الاسرائيلي رغم مرور 25 يوماً على الحرب، مما يعني أن منصات الصواريخ لم تتعرض لخسائر، وان هذه القوة الصاروخية ما زالت في خير.
وليست القوة في اطلاق الصواريخ، بل بأنواعها التي تمتلكها المقاومة سواء التي أدخلت للقطاع من الخارج، أو تلك التي يتم تصنيعها في القطاع، وقد ظهرت العديد من الصواريخ الجديدة التي طالت المدرعات والدبابات، والتي أطلقت على المدن الاسرائيلية حتى تلك البعيدة عن القطاع مثل القدس وحيفا وتل أبيب.
الإرادة القوية في القتال
وقد اعترف جنود اسرائيليون أن رجال المقاومة يملكون ارادة قوية في القتال، ويقومون بعمليات بطولية، وبعد بدء الاجتياح البري، قام هؤلاء الرجال بالهجوم على القوة العسكرية من الخلف، إذ قام ابطال منهم باعتلاء الدبابات والقاء القنابل على من فيها مما أوقع العديد من القتلى في صفوف الجيش الاسرائيلي.
وقام رجال المقاومة بعمليات انزال عديدة خلف خطوط الجيش الاسرائيلي ومباغتة جنوده، وقتل وجرح عدد منهم.
واضافة الى ذلك، فإن رجال المقاومة كانوا يختفون، وفجأة يظهرون وبصورة مباغتة، ويصطدمون مع الجيش الاسرائيلي في معركة وجهاً لوجه، وخاصة عندما تدخل القوات الاسرائيلية منزلاً أو تتحصن في موقع ما.
ووصف الجنود الاسرائيليون ما يواجهونه ويخوضونه هي حرب مع "أشباح" تختفي وتظهر بصورة مفاجئة مما يؤكد أن هناك خطة مدروسة لرجال المقاومة لتكبيد الجيش الاسرائيلي أكبر قدر من الخسائر البشرية.
الأنفاق المقاومة
لقد كان يعلم الجيش الاسرائيلي أن هناك غزة فوق الأرض، وأخرى تحت الأرض. وما يعنيه تحت الأرض بأن هناك العديد من الأنفاق الكبيرة التي تم اعدادها لمواجهة أي حرب تشن على القطاع.. ولكن المدهش لاسرائيل أنها لا تعرف مداخلها ومخارجها، ولا أي خريطة عنها.
ولم تتوقع اسرائيل أن تكون هناك أنفاق تصل الى عمق الداخل الاسرائيلي. وقد جاءت عملية ناحال عوز ضربة قاضية إذ أن النفق امتد الى مسافة 300 متر داخل اسرائيل. وان رجال المقاومة هاجموا الجيش الاسرائيلي وقتلوا من في الموقع.. وقد وقعت أكثر من معركة مع الجيش الاسرائيلي من خلال خروج مقاومين من داخل أنفاق وارباك الجيش ومفاجئته سواء داخل القطاع أو حول حدوده.
طائرات من دون طيار
وأذهل الجيش الاسرائيل عندما تصدى لطائرة من دون طيار للمقاومة التي أعلنت أنها تمتلك ثلاثة أنواع من هذه الطائرات ومنها استطلاع، ومنها للقصف سواء عن قرب أو عن بعد. وهذا التطور وضع اسرائيل في أزمة في كيف يمكن القضاء على هذه الطائرات.. وهي تشكل خطراً كبيراً على اسرائيل ولم تستخدم المقاومة هذا السلاح بشكل قوي لأنه يبدو أنها قررت استخدامه في مراحل متطورة من القتال.
واستناداً لصحيفة معاريف، فانه تم الحصول على اعتراف من أحد أسرى المقاومة بأن هناك مجموعات كبيرة تدربت في ماليزيا كرجال مظليين، وان لدى المقاومة مظليين يمكن أن يتم انزالهم خلف خطوط الجيش الاسرائيلي.
تدمير المنازل على رؤوس الجنود الاسرائيليين
وقد استطاع رجال المقاومة من ايقاع الجنود الاسرائيليين في العديد من الكمائن، إذ أنهم كانوا يجرونهم لاحتلال منزل ما ويتحصنون به، ويظنون أنهم في مأمن، إلا أن المقاومة تقوم بتفجيره على رؤوسهم، وتقتل وتصيب عدداً كبيراً منهم.. والمشكلة أن الجيش الاسرائيلي يضطر لبذل جهود لانقاذ جنوده من تحت أنقاض المنزل. وهذا مكلف إذ أن رجال المقاومة يقومون بالتصدي للجيش أيضاً وادخاله في معركة ثانية بعد نصب كمين آخر للجنود الآتين لانقاذ من هم تحت الانقاض وقد تكررت هذه الكمائن في العديد من الأماكن، في الشجاعية، وفي خانيونس واعترف الجيش الاسرائيلي بذلك.
كما أن رجال المقاومة يملكون رجال قناصة متدربين تدريباً جيداً، وقد تم قتل العديد من جنود الاحتلال عبر القنص.
ظهور صوت "الضيف"
بعد أكثر من عشرين عاماً من الاختفاء ظهر محمد ضيف عبر تسجيل صوتي وجه فيها رسالة للمقاومين أربكت اسرائيل، إذ أنه رفض وقف اطلاق النار الا بانهاء الحصار، وكانت رسالته واضحة لرفع معنويات رجال المقاومة ولتأكيد وجوده داخل المعركة.
حاولت اسرائيل اغتياله أو اعتقاله إذ أنه نجا من عدة محاولات اغتيال. وهو القائد العسكري لكتائب القسام، إذ كان مساعداً لأحمد الجعبري الذي اغتيل عام 2012، ورفيقاً ليحيى عياش، وهو المتهم اسرئيلياً بالوقوف وراء التخطيط والتنفيذ للعديد من العمليات التفجيرية في اسرائيل، وهو من مواليد عام 1965، واسمه الحقيقي محمد دياب المصري، وسمي بالضيف لانه كان يتنقل من مكان إلى آخر غير مستقر في مكان واحد. وهو بعيد عن وسائل التكنولوجيا المتطورة، وذكي جداً، ويحيط بنفسه سرية كبيرة، إذ لا يعرف أحد عن حالته الصحية، وكذلك ليست له أية صورة حديثة، سوى الصورة القديمة التي تعود الى أكثر من عشرين عاماً.
وظهور "ضيف" عبر الصوت أذهل اسرائيل، إذ أنه قال لها أنه حي، ويخوض القتال، وانه يتحداها، وظهوره هو عبارة عن انتصار للمقاومة لفشل اسرائيل في اغتياله مع أنها حاولت ذلك مراراً.
الاعلام المقاوم
وظهر في هذه الحرب، الاعلام المقاوم، أي اعلام كتائب عز الدين القسام، وسرايا القدس، إذ أن العمليات البطولية يتم تصويرها في فيلم، يتم عرضه عبر الفضائيات المختلفة مما أربك الجانب الاسرائيلي الذي فرض حالة التعتيم على المعارك الجارية، وفرض رقابة مشددة على نشر الأخبار عن المعركة، لكن المقاومين كانوا يصورون عملياتهم ويبثونها وينشرون ما حققوه في الميدان من قصف لمدرعة، من انزال خلف خطوط المحتل، وتفجير منازل يتحصن فيها جنود اسرائيليون وكان نشر شريط فيديو حول عملية ناحال عوز بمثابة ضربة ضد الجيش الاسرائيلي الذي حاول التعتيم عليها، إلا أنها فضحت وتكشفت فاضطرت اسرائيل الاعتراف بوقوعها، وبسقوط خمسة جنود فقط.
هذا الاعلام المقاوم المرافق لرجال المقاومة هو ظاهرة جديدة، أو سلاح اعلامي فعّال، يؤكد من خلاله صدقية البيانات الصادرة عن هذه الكتائب، وهذا السلاح وجه صفعة للاعلام الاسرائيلي المقيّد والمكبّل، مما أثار غضب بعض الصحفيين الاسرائيليين الذين انتقدوا هذه الرقابة المشددة على الاعلام، والتي جعلت الجمهور الاسرائيلي لا يعرف شيئاً عن حقيقة المعارك سوى من الفضائيات الاسرائيلية، والتي بدأت تفقد مصداقيتها أيضاً لأنها ليست حرة في نقل جميع الأخبار التي ترد اليها.
الفضائيات العديدة
السماح بوجود عدد من المراسلين الصحفيين داخل القطاع للعديد من الفضائيات العربية، وبعض الأجنبية أعطى صورة عن الكم الهائل من الدمار الذي يتعرض له القطاع والمدنيون نتيجة القصف العنيف للمدنيين. واستطاعت العديد من الفضائيات تغطية الحدث كما هو، أي نقل الواقع للمشاهدين ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في شتى أنحاء العالم.
والتعتيم الاعلامي الاسرائيلي هو اشارة واضحة الى أن اسرائيل في أزمة كبيرة، وهي تحاول التغطية على ذلك حتى لا يقوم الجمهور الاسرائيلي على قيادته، وخاصة حكومته.
نسخة عن حرب تموز 2006
اعترف كثير من المراقبين والمعلقين بأن ما تواجهه اسرائيل في القطاع هو نسخة طبق الاصل لما واجهته قواتها في حرب تموز 2006 إذ أن رجال المقاومة مختفون، وفجأة يظهرون ويباغتون الجيش الاسرائيلي، كما ان الانفاق غير معروف مواقعها وهي منتشرة في شتى الأماكن.
من خلال التعتيم الاعلامي، حاولت اسرائيل أن تضع تجمعات جيشها في مواقع أمنية بعيدة عن القصف الصاروخي لها، الا أن المقاومة عرفت الأماكن، وبدأت باطلاق صواريخ وقذائف على تلك المواقع مما أكد أن لدى المقاومة جهاز رصد واستطلاع قوي جداً وفعّال!
وهذا الرصد أعطى الانطباع لدى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بأن المقاومة تلقى معاونة ومساعدة من ايران عبر أقمارها الصناعية، أو أن هناك قوة استطلاعية قتالية تجمع المعلومات وتوفرها للقيادة التي تصدر الاوامر بعد توفر الخطط للقصف الصاروخي، أو القذائفي، أو احداث كمين، أو هجوم بري مضاد.
الهجوم خير دفاع
وقد أدهش القادة العسكريون الاسرائيليون من قوة صمود المقاومة رغم هذا الهجوم الواسع الشامل العنيف جواً وبراً وبحراً، وان رجال المقاومة لا يدافعون فقط ويتصدون للجيش الاسرائيلي، بل انهم يقومون بعمليات هجومية مباغتة، أي أنهم يخوضون المعركة من ناحيتين: دفاعاً وهجوماً والهجوم هو خير وسيلة للدفاع، وارباك العدو في المعارك، وهنا لم يكن الجيش الاسرائيلي المبادر الى كل المعارك البرية، بل كانت هناك معارك فرضت عليه، لان رجال المقاومة هم من بادروا إلى ذلك.
ليست كل القوة والقدرات
ومما أربك اسرائيل أيضاً أن المقاومة أعلنت استعدادها للاستمرار في القتال لمدة طويلة، وهذا ما لم تتحمله اسرائيل، وخاصة جبهتها الداخلية. وكذلك أعلن أكثر من مسؤول في المقاومة أن المفاجآت التي أذهلت المحتل الاسرائيلي لم تكن سوى مقدمة لمفاجآت قادمة وعديدة، اذ لم تستخدم صواريخ لاسقاط الطيران، ولا للتصدي للسفن الحربية.
وقالت المقاومة أنها لم تستخدم سوى 20 بالمائة من قدراتها وامكانياتها في التصدي للجيش الاسرائيلي. وهذه الاقوال أثارت غضب القيادتين العسكرية والاسرائيلية التي اخذت تدرس ما هي نوعية المفاجآت القادمة، وما هي الامكانيات والقدرات التي تمتلكها المقاومة ولا تعرف عنها كثيراًَ.
مأزق عسكري كبير
هذه البطولات والمفاجآت أربكت اسرائيل، ووضعتها في مأزق، اذ أنها لم تستطع ضرب المقاومة كما خططت له، ولم تحقق جميع أهدافها المعلنة، والشيء الوحيد التي حققته هو الحاق خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. وهذه المعارك أعطت المقاومة شعبية أكبر لأنها ما قالته وأعلنت عنه طبقته، فكانت صادقة أمام جماهيرها، لذلك أخذت اسرائيل تبحث عن الوسائل والذرائع والروايات لوقف الحرب، ولتسجيل انجاز ما، ومن أهمه القول أنها دمرت 80 بالمائة من الانفاق التي اكتشفتها، ويمكن أنها اكتشفت 5 بالمائة فقط من هذه الأنفاق، ولا أحد يعلم الحقيقة.. سوى رجال المقاومة الذين يقولون أن اسرائيل لم تدمر أي شيء سوى الانفاق التي كانت بمثابة كمائن لجنودها فقط!
مهما يكن من أمر فان هذه الحرب أظهرت أن المقاومة هي غير تلك التي كانت في العام 2012 أو في نهاية العام 2008، أي في الحربين السابقتين، مما يعني أن القطاع يحتاج الى حل سياسي وليس عسكرياً، والحل السياسي يكمن في انهاء الحصار، وهذا ما تسعى اليه المقاومة. وهذا يعني أنها انتصرفت عبر تحقيق هذا الهدف المهم.