يعيش لبنان حالة من الانتظار، حالة تشوبها القلق والخوف على الاستقرار، حالة فيها توقع بأن رياح "الارهاب" قد تصل الى أراضيه عاجلاً أم آجلاً، حالة تتطلب الاجماع السياسي لكل الافرقاء لمواجهة كل الاخطار المتوقعة الآتية من دول الجوار وما بعد دول الجوار..
ساحة لبنان مفتوحة لكثير من الجهات السياسية، فالسفراء يتجولون بكل حرية، ويصولون ويجولون على أمزجتهم وضمن أجندتهم، بعضهم يساعد في تحقيق الوفاق الوطني، وآخرون يسعون الى استمرار وتواصل الخلاف السياسي العميق، ولربما أيضاً يسعون الى دخوله في اتون نار المنطقة!
لقد شهد لبنان العديد من العمليات التفجيرية الانتحارية، وسقط عدد كبير من الشهداء والجرحى.. وكل هذه العمليات تستهدف أولاً وأخيراً ضرب السلم الاهلي، واشعال نار الفتنة ليدخل في اتون حرب أو مواجهة ساخنة بين مختلف أحزابه وطوائفه وفئاته، ولكن القادة السياسيين في لبنان حذرون، وواعون للمؤامرة، لذلك فإنهم يتعاونون جميعاً حول الملف الأمني، ملف الاستقرار الاهلي، ملف الهدوء والسلم بين جميع اللبنانيين.
لا شك أن لبنان حتى الآن "محصن" لمواجهة رياح الارهاب، وسبب هذا التحصين يعود الى عدة عوامل والى عدة امكانيات متوفرة فيه.
من عوامل التحصين: الجيش والأجهزة الأمنية
من أهم عوامل التحصين هو وجود المؤسسة العسكرية، الجيش اللبناني، المتماسك والذي يعمل باستقلالية بعيداً عن نفوذ أو تدخل السياسيين، فهو يعمل ليلاً ونهاراً، وفي كل ساعة، على بسط السيادة، وتوفير الأمن للبنانيين من خلال تواجده في كل المناطق، وخاصة مؤخراً على الحدود السورية.
واضافة الى جهود الجيش اللبناني، فإن مخابراته قوية، تحصل على معلومات وتقوم باجراءات استباقية لكشف السيارات المفخخة أو في تفكيك شبكات الارهاب.
ولدى الأجهزة الأمنية كفاءة في الحصول على معلومات مهمة ومفيدة تساهم في مواجهة الارهاب، ومنعه من القيام بنشاطات خطيرة، وخاصة الخلايا الارهابية النائمة من خلال المداهمة والملاحقة، وبالتالي تقضي على هذه الخلايا وهي نائمة قبل أن "تفيق" من نومها وتفعل ما هو المحظور والممنوع والخطير.
تدخل حزب الله في سورية
انتقد كثيرون تدخل "حزب الله" في القتال الى جانب سورية ضد المجموعات الارهابية، ولكن هذا الانتقاد تراجع عندما اثمر هذا التدخل لأنه ساهم الى حد كبير في منع هروب المجموعات التكفيرية الى لبنان من خلال فرض طوق على الحدود اللبنانية مع سورية حينما كان الجيش اللبناني ما زال ينتظر أوامر حكومة ميقاتي للانتشار على هذا الحدود، ووضع حداً للتسلل الى سورية، ومن سورية الى لبنان. وقد تم القضاء على هذه المجموعات في "القصير"، ثم أكمل الجيش السوري تحريره لباقي المناطق الحدودية مع لبنان، وخاصة سيطرته على بلدة "يبرود" التي كان منها ينطلق الانتحاريون بواسطة السيارات المفخخة التي كانت تعد في هذه المنطقة. ولا شك أن التعاون الأمني السوري مع حزب الله ساهم في افشال العديد من العمليات الانتحارية التي كانت وجهتها لبنان التي كانت تهدف الى ادخاله في اتون نار الفتنة. ولكن افشال هذه العمليات منح لبنان الحصانة الى حد كبير، مع ان الخلايا ما زالت مقلقة الى ان يتم كشفها كلها، ومنع أي منها من القيام بأي عمل تفجيري!
اجماع اللبنانيين على الحفاظ على الأمن
بعد تعثر في تشكيل حكومة لبنانية استمر حوالي عشرة شهور، استطاع القادة اللبنانيون من مختلف الاحزاب على تشكيل حكومة تمام سلام، وأهم مهامها هو الحفاظ على الامن الداخلي. وبالفعل فإن تعاضد جميع السياسيين في هذا الجانب الأمني، رغم خلافاتهم السياسية الكبيرة حول قضايا عديدة، وخاصة قضايا حياتية مهمة فيما يتعلق بسلم الرواتب، وكذلك أساتذة الجامعات وخاصة الجامعة اللبنانية.
هذا الاجماع ساهم إلى حد كبير في دعم المؤسسة العسكرية والاجهزة الأمنية المختلفة.. وهو الذي يوفر الحماية للبنان من كل الاخطار.. وهذا الاجماع أيضاً زاد من قوة لبنان في مواجهة المخاطر الآتية من الخارج.
إذا بقي هذا الاجماع الوطني حول قضية الامن الداخلي، وفي الاصرار على مواجهة الارهاب، فإن رياح الارهاب التي قد تهب على لبنان ستذهب من دون أي تأثير، ولربما قد تتوقف قبل أن تصل اليه.