تغاضي الحكومة الاسرائيلية عن عربدة المستوطنين
أدى إلى تماديهم القذر واقتراف الجريمة البشعة
الفتى محمد حسين أبو خضير ابن الـ 16 عاماً تعرّض الى حادث اختطاف همجي فجر يوم الاربعاء الموافق 2 تموز 2014 أثناء توجهه الى المسجد في شعفاط لتأدية صلاة الفجر. وحسب روايات شهود عيان، والكاميرات المتواجدة في المنطقة فان سيارة ذات لوحة ارقام اسرائيلية توقفت وترجل منها اثنان، وتوجها نحو الفتى محمد، وبعد لحظات اقتربت السيارة، وتم وضع محمد بالقوة داخل السيارة، ومنزل الفتى مقابل الجامع. شهود عيان ابلغوا العائلة بأن ابنهم قد اختطف، تم ابلاغ الشرطة، وقد عثرت الشرطة عليه بالفعل ولكن جثة محترقة بعدما تعرض للتعذيب في غابة قريبة.
وحسب روايات شهود العيان، فان نفس الأشخاص وفي نفس السيارة حاولوا اختطاف طفل مساء يوم الاثنين الموافق 3/6/2014 في نفس المنطقة تقريباً، لكن حذر الأم ومساعدة السكان أفشلا اختطاف الطفل من عائلة زلوم.
بعد حادثة اختطاف الفتى أبو خضير، طلب أبناء شعفاط من الشرطة القاء القبض على المستوطنين المتهمين بالاختطاف والقتل، وطالبوا باستخدام الكاميرات المزروعة على خط القطار الخفيف الذي يمر عبر شعفاط، إلا أن الجواب كان بأن الكاميرات معطلة، كما ان القطار واصل سيره، رغم احتشاد الناس في المنطقة، وهذا أثار غضب أبناء شعفاط، فاضطروا الى الجنوح الى المواجهة وخاصة ان الشرطة أخذت تروج بأن الفتى أبو خضير قتل على اثر خلاف عائلي، وبسبب عداء شخصي من قبل أصدقاء له.. ولكن الكاميرا التي صورت حادث الاختطاف كشفت رقم لوحة السيارة، وكذلك وجوه المختطفين.
وعقب تقاعس الشرطة، والترويج بأن الفتى الشهيد قتل على خلفية نزاع عشائري، وعقب اكتشاف الجثة وقد احرقت، اندلعت المواجهات في شعفاط واستمرت على مدى ثلاثة أيام متتالية اصيب فيها اكثر من 240 شاباً.
وقد قامت الشرطة الاسرائيلية بتسليم الجثة الى والد الشهيد بعد صلاة يوم الجمعة 4/7/2014 اذ اقيمت للشهيد مراسم تشييع جماهيرية شارك فيها الآلاف من أبناء المدينة المقدسة.
انتقام بشع
جاء استشهاد هذا الفتى عقب الاعلان عن العثور عن المستوطنين الثلاثة المخطوفين منذ مساء الخميس 12/6/2014 مقتولين في أحد حقول حلحول. وهذا الحادث هو بمثابة انتقام بشع وقذر ومقرف ومقزز قام به مستوطنون.
وقد دعا بعض الجنود عبر شبكات التواصل الاجتماعي الى السماح لهم بقتل كل العرب.
وقد أدلى مسؤولون عديدون بتصريحات تعبّر عن عنصرية وتطرف، وتؤكد أن الاستيطان هو خطر على المنطقة بأسرها اضافة الى انه غير شرعي، ومخالف لكل القرارات والمواثيق الدولية.
عربدة متواصلة للمستوطنين
منذ زمن ليس بالقصير، تقوم مجموعات استيطانية متطرفة بأعمال عدوانية ضد شعبنا الفلسطيني باسم "تدفيع الثمن"، وهي مجموعات تهدف الى استفزاز العرب، والى تهجيرهم وطردهم من البلاد، والى اعاثة الفساد والفوضى في المنطقة.
وهذه المجموعات التي ترفع شعار "تدفيع الثمن" قامت بسلسلة من الاعتداءات ومن بينها:-
· الاعتداء على دير اللطرون في القدس من خلال كتابة شعارات مناوئة للسيد المسيح.
· الاعتداء على "علية صهيون" في باب النبي داود بكتابة شعارات عنصرية مناوئة للمسيح وللعرب.
· الاعتداء على أكثر من جامع وخاصة في بلدة بيتا، وحرق المصحف الشريف.
· الاعتداء على السيارات من خلال ثقب اطاراتها سواء في القدس أو غيرها.
· الاعتداء على كنيسة القديس بطرس المعروفة باسم كنيسة "صياح الديك" في منطقة سلوان/ القدس
· قطع أشجار الزيتون وحرق حقول.
· الاعتداء على ممتلكات عربية كثيرة خلال الفترة السابقة.
هذه العربدة استمرت لان السلطات المعنية لم تتخذ الاجراءات اللازمة لوضع حد لهذا التطاول والتمادي في الاعتداء على مواطنين ابرياء.. وهذا بالطبع شجعهم، وعقب مقتل المستوطنين المفقودين الثلاثة في حلحول، على اختطاف الفتى ابو خضير وبالتالي تعذيبه وقتله بدم بارد، من خلال اضرام النار به.
مواجهات انتفاضة
المواجهات التي شهدتها شعفاط وباقي مناطق القدس هي مواجهات انتفاضة واسعة، وقد اربكت اسرائيل، واجهزتها الامنية، واكدت ان القدس العربية لم تضم الى اسرائيل سوى على الورق.. وان القدس العربية لها ميزاتها وطابعها الخاص.
المواطنون الغاضبون أحرقوا محطات القطار السريع في شعفاط، وكذلك رشقوا رجال الامن بالحجارة. وقد اغلقت مداخل بيت حنينا وشعفاط منذ صباح الاربعاء. كما ان القطار الخفيف تعطل عن العمل، وبالتالي دفع ثمن هذه السياسة المعادية للعرب مستوطنو بسجات زئيف إذ أن خدمات القطار الخفيف توقفت عنهم.
وقد قال البعض أن هذه المواجهات هي بداية لانتفاضة، أو شرارة لانتفاضة قد تسمى انتفاضة رمضان.
صحيح أن مواجهات عدة اندلعت، ولكن المعطيات والظروف لا تؤكد ان انتفاضة ثالثة قادمة. وهناك أسباب عديدة تقف حجر عثرة أمام اندلاعها.
احتقان غاضب
هذه المواجهات عبرت عن غضب شعبي كبير لسياسة اسرائيل التمييزية ضد أبناء القدس، وكشفت وجود احتقان سياسي كبير ضد الوضع المأساوي في القدس. فهذا المواطن المقدسي العربي يعاني من تجاهل العرب كلهم له، وتوفير الدعم له ما هو الا شكلي، ويعاني من الاحتلال الذي يشرع القوانين التي تهدف الى تهجيره وطرده من مدينته.
قد تهدأ الامور لفترة من الزمن الا ان الاحتقان يبقى ما دامت امور القدس غير معالجة.. وهذا الاحتقان يؤكد أن سياسة الضم فاشلة، وان القدس ستبقى عربية مهما طبق فيها من اجراءات تهويد.
ادانة دولية للجريمة
لأول مرة، وبعد مرور سنوات، يصدر مجلس الامن الدولي بياناً يستنكر فيه حادث اختطاف الفتى أبو خضير وقتله بدم بارد. ولم يتردد وزير خارجية اميركا كيري من التنديد بالحادث الاليم، وكذلك اصدرت العديد من دول العالم بيانات ادانة، وهذا يعتبر نجاحا للدبلوماسية الفلسطينية على الساحة الدولية، إذ أن هذه الدول كانت ترفض اصدار بيانات استنكار حتى تلك البيانات الخجولة.
وهذا التنديد الدولي بالجريمة النكراء أكد أن العالم لا يستطيع غض النظر عن كل جرائم الاحتلال، وهذه الجريمة بشعة نالت من قاصر ذنبه أنه هو عربي فقط.
ضربة لاسرائيل
المواجهات القوية مع قوات الامن الاسرائيلية كانت مفاجئة لاسرائيل، لانها لم تتوقع مثل هذا رد الفعل القوي.. ولكن الضربة المؤلمة والقوية لاسرائيل هو حادث الاختطاف للفتى أبو خضير ابن 16 ربيعا، وقتله بدم بارد، وهذا غطى كثيراً على الحملة الاعلامية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني استثمارا واستغلالاً لحادث مقتل المستوطنين الثلاثة المخطوفين. واكدت هذه العملية ان المستوطنين "ارهابيون"، "ومجرمون"، ويعيثون في البلاد دمارا وفوضى وفسادا. وانهم حمل ثقيل على دولة اسرائيل، وسيشكلون نقمة لها بدلا من ان يكونوا نعمة.. وان الحكومة الاسرائيلية التي تدعم الاستيطان، وتوفر الامتيازات للمستوطنين، تكتوي ايضاً بنار تصرفات وعربدات هؤلاء المستوطنين الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، ويمارسون ما يشاؤون ويعرضون دولتهم للعزلة الدولية.
حادث اختطاف وقتل الفتى الشهيد ابو خضير تؤكد أن مقاطعة الدول الاوروبية للمستوطنات المقامة على اراضي الضفة صحيحة وضرورية، وان مقاطعة اكاديميي الجامعات للاستيطان وللجامعات الاسرائيلية المؤيدة للاستيطان هي صحيحة. وتؤكد أن اسرائيل دولة عنصرية، وفيها تمييز واضح.
قد يكون الفتى الشهيد محمد ابو خضير قد دفع حياته ثمناً لعنجهية المستوطنين، ولكنه عبر دمائه أضاء كثيرا على المستوطنين وعراهم أمام العالم كله، موجها رسالة واضحة بان الاستيطان خطر على السلام والاستقرار، وان المستوطنين هم أعداء السلام والتعايش والاستقرار في المنطقة، ولا بدّ من وضع حد لهم سواء اسرائيلياً أم دولياً.
والشهيد أبو خضير ينضم الى قافلة شهداء الوطن الذين بدمائهم الزكية سينيرون طريق الحرية والاستقلال.
رحم الله الشهيد محمد ابو خضير، ورحم كل شهدائنا الفلسطينيين، والنصر لاصحاب الحق لا بد أنه قادم لا محالة.