كم سررنا عندما علمنا بأنكم يا قداسة البابا فرنسيس ستقوم بزيارة الى الأراضي المقدسة، ورغم اننا كنا نتمنى أن تكون زيارتكم أطول ليتسنى لأكبر عدد ممكن من المؤمنين أن يتباركوا منها- فنحن لا نعلم ما هي الظروف التي حتمت أن تكون الزيارة قصيرة- الا ان الزيارة رغم قصرها ستحمل كل معاني الانسانية والمحبة والسلام الذي نتمنى أن يحل على هذه الأرض المقدسة.
قداسة البابا فرنسيس، أنتم تعلمون بالتأكيد الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، وبخاصة مواطني القدس الذين ما زالوا يعيشون تحت قمع الاحتلال، مهددين بالترحيل عنها في كل لحظة، حيث لا يترك الاحتلال وسيلة الا ويستخدمها لترحيلنا عنها، وهذا مع العلم بأن العديد من المسيحيين فيها هجروا منها، كنتيجة حتمية للضغوطات المختلفة التي يعانون منها، أو بالغاء اقامتهم في القدس لأسباب يختلقها الاحتلال بكل السبل من أجل تفريغ القدس من مواطنيها العرب وتهويدها، لتكون لهم كما يسعون ويريدون العاصمة الأبدية الموحدة لدولتهم. فعدد المسيحيين في القدس والمدن الفلسطينية الأخرى يتناقص يوماً بعد يوم، واذا ما استمر الحال على ما هو عليه فان المسيحيين، رغم كل محاولتهم للصمود في قدسهم وأرضهم، سيصبحون قلة فقط في هذه الأرض المقدسة.
قداسة البابا، اننا نحرم من حضور الاحتفالات بأسبوع الآلام وبخاصة يوم سبت النور، تصور قداستكم بأننا، ورغم أننا من سكان القدس، نحتاج الى تصاريح لنستطيع الدخول الى كنيسة القيامة في هذه الفترة، وحتى لو استطعنا الحصول على تصريح، فرغم ذلك، وفي الكثير من الأحيان نمنع من الدخول اليها، والأنكى من ذلك ان كنيسة القيامة تتحول الى ثكنة من الشرطة الاسرائيلية، أنظروا قداستكم الى صور وأفلام الفيديو لاحتفالات سبت النور سترى ذلك بأم عينيك، وهذا عن المعاملة الوحشية التي يتعرض لها المصلون بحيث لم يراعوا حتى رجال الدين، والذي تعرض عدد منهم الى تلك المعاملة الوحشية.. تتحدث اسرائيل عن منحها حرية العبادة للفلسطينيين، ولكن كل ذلك مجرد حبر على ورق، فحرية العبادة هي فقط لليهود وليس للمسيحيين أو المسلمين. فحتى التصاريح التي تعطى لأهل الضفة لزيارة القدس في الأعياد فانها لا تعطى لمن يريد، وحتى في حال الحصول على التصريح، فانهم لا يستطيعون القيام بالصلاة في كنيسة القيامة أو في الحرم القدسي الشريف.
قداسة البابا، عائلات كثيرة مقدسية مشتتة، الأب في جهة والأم والأبناء في جهة أخرى، فكارثة هي بالنسبة للعائلة عند زواج فتاة من شاب من الضفة، أو العكس، فلم الشمل الذي كان يطبق سابقاً على من يتزوجون من القدس أو من عرب 48، أوقف بقرارات جائرة من الاحتلال ومحاكمه بحجج واهية، استخدموها من أجل اجبار العائلات على ترك القدس والعيش في الضفة الغربية ليستطيعوا البقاء مع الزوج أو الزوجة والعائلة.. ومن رفضوا التهجير من القدس يعانون الأمرين، وبخاصة مع وجود أطفال، والذين لا يعيشون الاستقرار النفسي والمعنوي في بيت كما هو حال الأسر في كل مكان في العالم الا هنا في القدس، فالطفل يتشتت ما بين العيش مع والدته أو والده في القدس وزيارة والده أو والدته في الضفة، نعم زيارة يا قداسة البابا، زيارة فقط، لأن الاحتلال اذا اكتشف أن الأم تعيش مع زوجها في الضفة، أو العكس فانها تحرم من الهوية المقدسية هي وأطفالها، وبالتالي تطرد من القدس، واذا ما ارادت زيارة والديها وعائلتها في القدس فانها تحتاج الى تصريح، هذا عدا عن صعوبة الأم بالقيام بواجباتها تجاه أطفالها لوحدها، وعدا عن المصاريف الكبيرة لفتح بيتين بدلاً من بيت واحد، وبخاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها شعبنا.
يا قداسة البابا، ان الأطفال يعانون، يصرخون.. نريد العيش أسوة بباقي أطفال العالم في بيت آمن فلماذا نحرم من العيش مع كلاهما؟!!
قداسة البابا، ان الشبان المسيحيين في القدس يعانون، يريدون أن يتعلموا ويعملوا وينشئوا أسرة، ولكن ذلك صعب جداً، وأيضاً بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومضايقات الاحتلال، بحيث يجبر العديد منهم على ترك مقاعد الدراسة أو الجامعة ليستطيعوا توفير لقمة العيش، فما بالك بتكوين أسرة وما يلزمها من شقة ومصاريف أخرى كثيرة، وبالتالي فان العديد منهم يعزفون عن الزواج، فإيجارات الشقق في القدس باهظة جداً، فما بالك بامتلاك شقة وهي من شبه المستحيلات، بل هي المستحيل بعينه، وكل ذلك بسبب ما يفرضه الاحتلال من صعوبات جمة على رخص البناء والتي تحتاج الى جهد كبير ومصاريف باهظة ووقت طويل، بسبب سياسة اسرائيل الساعية الى تهويد القدس وتهجير سكانها.
قداسة البابا.. معاناة شعبنا كبيرة ولن تتسع لها رسالة أو حتى رسائل للحديث عنها، ونحن نعلم انكم تتابعون ما يجري في الأراضي المقدسة، لذلك فاننا ننظر الى زيارتكم بعين الرجاء والأمل بأن قداستكم لن تألوا جهداً الا وستبذلونه في سبيل رفع المعاناة عن شعبنا، في سبيل تعزيز صمود المقدسيين في القدس وبخاصة المسيحيين منهم.. وفي رفع المعاناة عن أطفالنا وأسرنا..
فأهلا وسهلاً بكم يا قداسة البابا في الأرض المقدسة، ولنصلي جميعاً من أجل السلام والاستقرار فيها وفي بلادنا العربية، ولكل شعب يعاني من الظلم والقهر والاضطهاد.