رسالة دعم ورفع معنويات للارهابيين المدحورين والمهزومين
لم تتردد اسرائيل في الاعلان عن أو تسريب معلومة مفادها أن الطيران الاسرائيلي قام بقصف مواقع للجيش العربي السوري على الحدود مع الجولان، واعترف الناطق العسكري السوري باستشهاد جندي وجرح حوالي سبعة في هذا الاعتداء الغاشم الذي ادعت اسرائيل أنه جاء رداً على حادثة تفجير تعرضت لها دورية عسكرية اسرائيلية أدت الى اصابة اربعة جنود بجراح أحدهما في خطر. وادعت المصادر الاسرائيلية أن من وقف وراء هذا التفجير هو حزب الله رداً على قيام الطائرات الحربية الاسرائيلية لأول مرة منذ وقف اطلاق النار في آب 2006، بقصف مواقع لحزب الله، أو شاحنات تنقل أسلحة متطورة للحزب داخل الاراضي اللبنانية.
التصعيد الاسرائيلي على الحدود الشمالية مع لبنان وسورية له أهدافه العديدة، وهو، سواء شئنا أو أبينا، استغلال واستثمار للوضع الحالي في سورية، وتدخل سافر لابقاء الوضع غير مستقر، وتواصل سفك الدمار على الاراضي السورية.
خطوة خطيرة لصفقة مع المعارضة الخائنة
من أهم أهداف هذا التصعيد هو توجيه رسالة الى "المعارضة" السورية المرتمية بأحضان الخارج بأن اسرائيل جاهزة لدعمكم ومساندتكم اذا كان ذلك ثمنه ابقاء الجولان تحت السيادة الاسرائيلية وللابد. وهذا التصعيد جاء بعد أن ادلى أحد اعضاء الائتلاف المعارض المدعوم سعودياً بأن على اسرائيل دعم المعارضة لاسقاط النظام، والرئيس الدكتور بشار الأسد، مقابل التنازل عن الجولان. ورغم قيام أعضاء الائتلاف بالتنديد بهذا التصريح الا ان هناك تحركاً من قبل بعض أعضاء الائتلاف بهذا الخصوص يتضمن اتصالات جدية سرية مع اسرائيل. وهذا التصعيد وهذا القصف لمواقع الجيش العربي السوري هو رسالة حسن نوايا لهؤلاء "المعارضين" الموالين لاعداء سورية.
وجاءت هذه الغارة على مواقع الجيش السوري بعد أن الحق الجيش العربي السوري الهزيمة بالقوات الارهابية المرتزقة المتواجدة في جبال القلمون، وخاصة بعد أن تم تحرير بلدة يبرود مؤخراً وسيطر الجيش العربي السوري بالكامل عليها، واخذ يلاحق فلول الارهابيين التي تهرب الى الاراضي اللبنانية او الى مناطق اخرى.
أي أن هذه الغارة، أو هذا التصعيد، جاء كرسالة دعم ومساندة ورفع معنويات لما يسمى بالمعارضة السورية، وقد تكون خطوة اولى نحو صفقة قد توقع سراً بين هذه "المعارضة" الخائنة مع اسرائيل.
دعم للموقف السعودي
هذا التصعيد قد يكون دعماً سرياً للموقف السعودي ضد الدولة السورية إذ أن السعودية "مصرة" على اسقاط الدولة السورية وتنحي الرئيس الاسد عن الحكم، ولذلك فهي توفر المال والسلاح للمعارضة وقوى الارهاب في سورية ممثلة بـ "الجبهة الاسلامية"، لكن مساعي السعودية ذهبت ادراج الرياح. كما ان هذا التصعيد يأتي لدعم تيار الامير بندر بن سلطان الذي فشل وابعد عن مناصبه، وتم ايقاف خططه لوضع أخرى جديدة. واسرائيل على اتصال مع بندر، اذ تم عقد العديد من اللقاءات معه سواء في ايلات، او في الخارج.. وكان هو على علاقة مع اللوبي الصهيوني في اميركا عندما كان سفيرا للسعودية في واشنطن لسنوات طوال.
وتحاول اسرائيل دعم السعودية في تحديها للرئيس باراك اوباما، وتحرضها عليه بسبب الملفين السوري والايراني.. اذ أن اسرائيل تدعم السعودية في الملف السوري، في حين أن السعودية تدعم اسرائيل في موقفها تجاه الملف النووي الايراني. أي أن هذا التصعيد هو دعم ومساندة للموقف السعودي، وخاصة أنها جاءت قبل فترة قصيرة من زيارة الرئيس اوباما للسعودية يوم الخميس 27 آذار التقى خلالها مع كبار القادة السعوديين وخاصة الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ذريعة مشكوك فيها
ذريعة التصعيد، وخاصة قصف مواقع للجيش السوري، بأنها رد على حادثة التفجير والتعرض لدورية عسكرية اسرائيلية، وان حزب الله يقف وراء هذه الحادثة بموافقة الجيش السوري، هي ذريعة مشكوك فيها إذ أن حزب الله لم يصدر أي بيان حول هذا الأمر، وهو ساكت، وان جهات عديدة معارضة له سواء على الساحة اللبنانية أو في الخارج هي التي "تؤكد" على أن حزب الله يقف خلف حادثة التفجير. واضافة الى ذلك فإن اسرائيل، وحتى اليوم، تشك في من قام بالتفجير، وتضع احتمال أن يكون حزب الله وراءه، والسؤال هل من الممكن أن يرد حزب الله على قصف مواقع له بمثل هذا الحادث البسيط؟ أم أن حزب الله اراد توصيل رسالة الى اسرائيل مفادها أنه اذا استمرت اسرائيل في الاعتداء عليه، فإن سيفتح باب معركة ومواجهة مع الجيش الاسرائيلي على جبهة الجولان، أي أن هناك رسالة واضحة لاسرائيل بالكف عن مثل هذه الاعتداءات.
وهناك احتمال آخر يقول أن هناك جهة موالية للخارج، قامت بهذا العمل أو التفجير لجر اسرائيل للاعتداء على الجيش السوري من خلال منحها ذريعة لذلك. كل شيء ممكن خاصة في كواليس الأجهزة الأمنية المعادية لسورية.
جس نبض
وهذا التصعيد قد يكون لجس نبض سورية، ومعرفة رد الفعل المتوقع منها. وجس نبض رد فعل حزب الله على مثل هذه الغارة العدوانية.
ويمكن أن يكون جس نبض لآثار وتداعيات ونتائج هذا التصعيد على "المعارضة" المهترئة، هل سترحب به، هل ستواصل وتعزز اتصالاتها مع اسرائيل. واضافة الى كونه جس نبض، فإنه قد يكون رسالة تحذير لسورية بضرورة منع المقاومين من فتح جبهة نضالية في الجولان، وان اسرائيل ستضرب بقوة، ولن تهاب من وقوع حرب! وقد يكون التصعيد هو اجراء وقائي لمنع وقوع حرب، والحصول على مكاسب سياسية من دون مواجهة طاحنة، قد تكون اسرائيل مستعدة لها عسكريا، ولكنها غير مستعدة لها مالياً ونفسياً لأن نتائج هذه الحرب اذا اندلعت ستكون كارثية ومدمرة، وقد تؤدي الى مواجهة واسعة في المنطقة كلها، أي قد تتحول الى حرب اقليمية.
رفع معنويات الداخل الاسرائيلي
في اسرائيل، هناك قلق، وخشية وخوف من اندلاع حرب جديدة على الحدود الشمالية تكون نتائجها أكثر دماراً وسلباً من حرب تموز 2006، ولذلك فإن القيادة العسكرية تعمل على رفع معنويات المواطن الاسرائيلي من خلال مثل هذا التصعيد لتقول أنها على استعداد كامل للمواجهة المحتملة، كما تعلن عن اقامة واجراء مناورات عسكرية موسعة تشارك فيها مختلف الأسلحة، وتقول وسائل الاعلام الاسرائيلية انه تم اقامة قرى مشابهة لقرى الجنوب اللبناني وذلك في منطقة جبال الخليل جنوب بلدة دورا استعداداً لأية مواجهة محتملة مع حزب الله، وهذا يعني أن الجيش الاسرائيلي أخذ الدروس والعبر من حرب تموز 2006. ومثل هذه الاعلانات عن مناورات هي لرفع المعنويات، وللوقاية من حرب قادمة، إذ أنها رسالة للجانب الآخر بأن الجيش الاسرائيلي مستعد لأية معركة ضارية.
لاثارة لبنان ضد حزب الله
لاسرائيل أهداف مهمة في زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وذلك من خلال تحريض القوى المعارضة لحزب الله، والتي تراهن على الموقف الاميركي، وتحميله مسؤولية عدم الاستقرار، وما يتعرض له لبنان من تفجيرات ارهابية.
أرادت اسرائيل القول لهؤلاء خصوم حزب الله السياسيين بأن عليكم مواصلة تحريضكم ضد حزب الله، وان اسرائيل عازمة على ضربه والقضاء عليه في أية فرصة سانحة، وها هي اسرائيل تعاقبه على تدخله في المعارك ضد الارهاب في سورية، اي أن اسرائيل تحاول اثارة خصوم حزب الله اكثر وأكثر، وابلاغهم رسالة بأن اسرائيل تعد العدة لضرب هذا الحزب بشتى الطرق والوسائل.
احراج حزب الله وسورية
قد يكون هناك هدف من وراء هذا التصعيد وهو احراج سورية من خلال العلم مسبقاً أنه ليس هناك من رد فوري على مثل هذه الاعتداءات، لان الجيش السوري مشغول في مواجهة الارهاب، وقدم تضحيات كبيرة في تصديه للارهابيين والحاق الهزائم اليومية بهم.
وأرادت اسرائيل احراج حزب الله من خلال معرفتها أن الحزب لن ينجرالى معركة وهو مشغول في التصدي للارهاب الى جانب الجيش العربي السوري. ولذلك لن يقوم بالرد لأن الوقت غير مناسب لدخول معركة، فبالتالي يبقى محرجاً أمام مناصريه إذ أنه يظهر بأنه عاجز عن الرد على أي اعتداء اسرائيلي عليه.
وهذا الاحراج يحرض خصومه أكثر وأكثر للمطالبة بانسحابه من القتال في سورية، وعدم توريط لبنان بحرب جديدة، ولذلك نرى أن الاصوات ارتفعت أكثر وأكثر ضد "سلاح" حزب الله في الآونة الأخيرة.
رسالة الى اوباما
قد يكون هناك هدف اسرائيلي من وراء التصعيد وهو توجيه رسالة الى اوباما مفادها أن معالجته للملف السوري فاشلة، وان عليه ان يشاور اسرائيل في هذا الامر لأنها معنية به، ونتائجه ستؤثر على اسرائيل نفسها. وان على اوباما عدم اتخاذ قرارات لوحده، وان اسرائيل قد تقوم بخربطة الاوراق والمخططات وهي قادرة على ذلك.
ومع أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال ولن يؤثر على اوباما، فقد يكون هدفا جانبياً قد اتى لوحده أو ضمن الاهداف الاساسية ومن أهمها تلك التي ذكرت سابقا.
هل تحققت الأهداف الاسرائيلية
سؤال يُطرح ألا وهو: هل تحققت الاهداف الاسرائيلية من وراء هذا التصعيد؟
والجواب واضح، وهو أن هذه الاهداف لم تتحقق لأن سورية وحزب الله يعرفان جيدا الاهداف الاسرائيلية، ولذلك سيفشلانها، ولكنهما يدرسان معا طبيعة الرد على مثل هذا التصعيد وفي الوقت المناسب.
الاستقرار في المنطقة لن يتحقق لأن اسرائيل هي سبب عدم الاستقرار بسبب ممارساتها وأطماعها ومخططاتها الخطيرة. هناك أمر واحد وهو خطير، انه اذا تواصلت مثل هذه الاستفزازات والاجراءات التصعيدية، فلا يعلم أحد هل ستواصل سورية سياسة ضبط النفس، أم أنها ستضرب وبقوة ولو ادى ذلك الى اندلاع حرب اقليمية.
حسابات اسرائيل لن تكون دقيقة، لذلك عليها "الكف" عن اللعب بالنار، لأنها قد تحرقها أيضاً. والتصعيد الاسرائيلي على المدى البعيد لن تكون نتائجه ايجابية، لذلك فإن المنطقة على كف عفريت، وخاصة اذا تمادت اسرائيل أكثر واكثر في هذا التصعيد!