القدس .. هذا الهاجس الذي يلازمني ولا أستطيع الهروب منه، بل ويزداد شراسة كلما تجولت في المدينة المقدسة.. أنظر اليها والى مواطنيها.. أرى المآسي والويلات والأخطار التي تحدق بالمدينة وبأهلها .. أرى التهويد الذي لا ينفك الاحتلال يزيد من تسارعه ليسيطر على المدينة بكاملها، لتصبح كما يراد لها أن تكون العاصمة الموحدة الأبدية للكيان الصهيوني وأرى... !!
القدس مشاكل وظواهر سلبية عديدة، معظمها دأب الاحتلال على انتشارها بهدف اضعاف مواطنيها ليركعوا لمخططاته أو يغادروها الى غير رجعة.. أهم هذه الظواهر نشر المخدرات بين صفوف شباننا وشاباتنا وحتى الأطفال.. يريدون لشباننا أن يكونوا "مسطولين" لا يعون ما يجري حولهم من مكائد ومخططات..
وسائل تهويد القدس كثيرة أهمها: الاستيطان، فرغم أن هناك عملية تفاوض بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، الا أن القيادة الاسرائيلية تسابق الزمن الآن لاقامة المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية في القدس، ضاربة عرض الحائط بالمفاوضات وبالضغوطات الدولية لايقاف المد الاستيطاني..
هدم بيوت المقدسيين.. كل يوم نسمع عن هدم جديد لبيوت تأوي عائلات وأطفال.. ليصبحوا من دون مأوى، وليخسروا كل شيء بعد أن وضعوا كل ما يملكون من مال من أجل بناء بيت يأويهم..
التعليم.. يريدون تهويده، بداية بتشويه الحقائق التي تضمنتها المناهج الأردنية ثم الفلسطينية، والتي كان يتم تعديلها بما يتماشى مع سياستهم التهويدية، ثم بمحاولة فرض المنهاج الاسرائيلي على مدارس القدس، والهدف طبعاً غسل دماغ طلابنا ، بمعنى آخر "أسرلتهم" .. وهذه أخطر وسائل التهويد التي تستهدف البشر قبل الحجر.
سحب الهويات.. سياسة اسرائيلية بدأت مع بداية الاحتلال.. يستخدمون حججاً واهية من أجل حرمان المواطن من العيش في مدينته التي ولد وترعرع وعاش فيها، والهدف طبعاً تفريغ المدينة من سكانها ليوطنوا الصهاينة بدلاً منهم.. فكم من عائلة يعيش الأب في جهة، والأم والأطفال في جهة أخرى، يحرمون من العيش حياة أسرية سوية كباقي الأسر في العالم ، فعدا عن الحرمان، وبخاصة لدى الأطفال، فانهم يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية نتيجة لهذا الوضع الشاذ.
الضرائب بمختلف أشكالها وألوانها، التي أثقلت كاهل المؤسسات والتجار والمواطنين، والتي أجبرت الكثير منهم على ترك القدس والتوجه الى مناطق السلطة.
المقدسات الاسلامية والمسيحية .. يريدون، إما ازالتها عن الوجود، أو السيطرة عليها كلياً ووضعها ضمن التراث الاسرائيلي!!
حرمان المقدسيين، المسيحيين والمسلمين، من العبادة في دور العبادة عبر الاجراءات الاسرائيلية القمعية التي تمنع الوصول اليها بخاصة في المناسبات والأعياد.
كتبنا في البيادر كثيراً عن هذه الأخطار التي تهدد القدس، وما يتعرض لها سكانها من محاولات، بل من اجراءات قمعية لتجبرهم على الرحيل منها.. وكتبت أنا كثيراً عنها وعن مشكلاتها وعن الظواهر السلبية فيها،وعن كل ما تتعرض له من حملات شرسة تستهدف البشر والحجر فيها، حتى ضج القلم من كثرة الكتابة، ورغم ذلك ما من مجيب وما من أحد يسعى بجدية وعلى أرض الواقع، لايقاف هذا المد المتواصل والمتسارع من التهويد والتهجير و... للمدينة وسكانها..
ناقشت في مواضيعي على مدى السنوات الماضية ما تتعرض له القدس ومواطنوها ومقدساتها.. وتحدثت بكل صراحة ووضوح عنها في زاويتي ولنا لقاء، وما من مجيب.. وكأننا ندق الماء في الهاون، و كل ما نسمعه وما نراه مجرد شعارات طنانة ورنانة لن تفيد القدس في شيء ، بل تفيد مطلقيها ليظهروا أنفسهم أمام الجميع، وأمام شاشات الفضائيات بأنهم المدافعون عن القدس، وهم لا يفعلون شيئاً جدياً للدفاع عنها..
قلت قبل سنوات وسنوات ان الكفن يعد لدفن قضية القدس، فهل دفنت قضية القدس فعلاً، بل هي كذلك، بالنسبة للعالم العربي والاسلامي، الذي نسي القدس، بل تناساها، وتجاهل ما يحدث لها، وأهمل وأهمل..
نسمعهم يقولون : على القدس رايحين، وهم لا رايحين ولا جايين.. فحتى الأقصى وهو يتعرض لأكبر خطر، وهم يرون الاحتلال يهدمه رويداً رويداً بالأنفاق التي حفرت أسفله، سيأتي اليوم وهو ليس ببعيد عندما سينهار الأقصى، ونخشى– لا سمح الله – بأن ينهار على من فيه من مصلين، فهل حينها سيتحركون؟! لا أظن، سيتباكون قليلاً ثم ينسون أمر الأقصى وكأنه ليس من أقدس مقدسات الاسلام والمسلمين..
نسمع عن مؤسسات أنشئت من أجل القدس، في العديد من الدول العربية والاسلامية، ماذا فعلت هذه المؤسسات حتى الآن لمنع تهويد القدس، ولحماية مقدساتها، ولتعزيز صمود المقدسيين فيها؟!..
نسمع عن ملايين الدولارات خصصت من أجل القدس.. أين هي هذه الملايين؟! ولجيوب من وصلت؟!! ومن الذي استفاد منها حيث لم يصل منها الا الفتات؟!
ما هو المطلوب لحماية القدس.. الكثير الكثير.. طرحت في السابق عدة حلول منها: انشاء صندوق القدس من أبناء القدس من أجل مساعدة من يتعرض للاجراءات الاسرائيلية الكثيرة.. طرحت اقامة المشاريع من أجل تشغيل عمالنا لئلا يضطروا للعمل في بناء المستوطنات التي ننادي باستمرار ايقاف اقامتها، ونحن للأسف الذين نبنيها.. طرحت اغلاق كنيسة القيامة في الأعياد احتجاجاً على منع المصلين من الوصول اليها وهذا سيثير العالم بأجمعه، وبخاصة العالم المسيحي. طرحت حلولاً لمعظم المشاكل والظواهر السلبية وبخاصة لعمليات التزييف والنصب والاحتيال التي تسرب الأراضي والممتلكات الى الصهاينة. والأهم من كل ذلك، ضرورة وجود مرجعية موحدة للقدس، لأن "كثرة الطباخين تحرق الطبخة" وللأسف حتى الآن يحتار المقدسي الى أين يتجه عند تعرضه لانتهاكات ومشاكل..
القدس.. بحّ صوت مواطنيها وهم يصرخون: القدس في خطر ، وما من مجيب. أليس ذلك بأكبر دليل على أن قضية القدس وضعت على الرف وتم اهمالها، وما من أحد يكترث لها؟!!