يا أيها الأسير .. متى يتحرك الضمير ليكون لك النصير ..
أسرانا .. الأسود الجبابرة ..الأبطال الصامدون، الذين يعذبون أكثر فيزيد شموخهم أكثر وأكثر، يجوعون ولا يركعون.. شعارهم الموت ولا الخضوع أو الركوع لعنجهية السجان وعذاباته.. هم المثل الأعلى الذي نتعلم منه الصبر والتحدي والعنفوان والشموخ.. هم الشعلة التي تنير درب شعب فلسطين.. هم من ضحوا في سبيل هذا الوطن وكرامة شعبه.. هم الجرح النازف في قلب فلسطين.. هم وهم وهم... وتعجز الكلمات أن تعبر عن معاناة هؤلاء الأسرى وعذاباتهم وحرمانهم من أعز الناس وأحبهم على قلوبهم..
ولم يقتصر الأمر على كل أنواع العذابات والحرمان، بل ووصل الأمر الى الاستشهاد، فمن حين لآخر نفجع بشهيد من أسرانا الأحباء .. تدمع العيون .. وتفطر القلوب ويبقى الجرح ينزف الى آجل غير مسمى..
بالآمس فجعنا بشهيد جديد، ونتمنى أن يكون الأخير فلا نفجع بغيره.. الأسير عرفات جرادات ابن الثلاثين عاماً من سعير في الخليل.. والذي استشهد أياماً فقط بعد اعتقاله ليترك وراءه زوجة محبة شابة، وطفلين يارا ومحمد، وجنين لم ير النور بعد، ولن يرى والده أبداً ولن ينعم بدفء حضنه وحنانه الى الأبد. فما ذنب هذا الجنين وما الذي ارتكبه ليعاني هو واخوته الحرمان من كلمة بابا ومن عطف بابا وحبه ورعايته .. ما ذنب زوجته لتحرم من رفيق دربها ولتتحمل مسؤولية تربية ابنائها لوحدها .. ما ذنب أمه التي فجعت بفلذة كبدها.. فهل أجرم عرفات عندما ناضل من أجل وطنه وكرامته، ومن أجل أن يعيش أبنائه في ظل الأمن والأمان والاستقرار..
" لم يكن الأسير الشهيد جرادات يعاني من أي مرض قبل اعتقاله" هذا ما أكد عليه جميع أفراد عائلة الشهيد، فقد كان يتمتع بصحة جيدة كما كان حال باقي أسرانا الذين استشهدوا في سجون الاحتلال كنتيجة للتعذيب النفسي والجسدي.. فكل الطرق يستعملها المحققون ليستخرجوا كلمات اعتراف من السجناء ليخضعوهم لقضاء محكوميات طويلة جداً.. عدة مؤبدات.. أي بمعنى آخر لن يفرج عن المحكوم بمثل هذه الأحكام أبداً الا اذا شاء القدر أن يخرج بصفقة تبادل..
تحدث كميل صباغ محامي الشهيد عن وضع جرادات يوم جلسة تمديد توقيفه.. "عند دخولي قاعة المحكمة، شاهدت الأسير جرادات يجلس على كرسي خشبي مقابل القاضي، وكان منحني الظهر وتبدو عليه علامات الارهاق والتعب الشديدين، وعندما جلست بجانبه، أخبرني بأنه يعاني ألماً حاداً في الظهر وأخرى في مناطق متفرقة من جسده، بسبب ضربه وشبحة لساعات طويلة على كرسي التحقيق".
قافلة من شهداء الحركة الأسيرة وصلت مع استشهاد الأسير الموقوف جرادات، الذي استشهد في معتقل مجدو يوم السبت الموافق 23/2/2013، الى203 شهداء حسب احصائية مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في الحكومة الفلسطينية، عبد الناصر فروانة. قافلة من الشهداء ابتدأت منذ أول أيام وطأ فيها الاحتلال أرضنا ووطننا، باستشهاد ثلاثة من شبان مخيم النصيرات في 8/6/1967 وهم: أحمد امحمد سلامة النويري وخليل كامل حسين صيام وزكي هاشم محمد صيام، وغيرهم وغيرهم، مروراً بأول شهيد في معارك الاضراب المفتوح عن الطعام، الأسير الشهيد أحمد أبو الفحم ، وأسماء كثيرة، نتذكرهم دائماً والألم يعتصر قلوبنا.. نتذكرهم والدموع تفيض من العيون، أخوة ناضلوا وعاشوا في أقبية مظلمة، وفي ظروف اعتقالية سيئة التي مهما وصفناها ومهما تكلمنا عنها فلن نستطيع أن نصف مدى بشاعتها.. قتل عمد طال أربعة وسبعين من أسرانا.. وسبعة أطلق النار عليهم مباشرة .. وواحد وخمسون نتيجة الاهمال الطبي، وواحد وسبعون نتيجة التعذيب.. والخوف كل الخوف أن تستمر المعاناة وترتفع أرقام الشهداء من الأسرى أكثر وأكثر ما دام التعذيب مستمراً، والاهمال الطبي للمرضى منهم موجوداً والأسباب التي دعت بعض الأسرى لخوض معركة الجوع موجودة ولا تجد لها حلاً!!
فأين الضمير العالمي؟! أين حقوق الانسان التي تقرها جميع المؤسسات الدولية والتي في معظمها مجرد مؤسسات ليست بيدها حيلة ولا تستطيع فعل شيء لأسرانا.. تقارير عديدة واستنكارات ليس إلا.. فالعنجهية الصهيونية مستمرة.. وقادة اسرائيل يقومون بانتهاك صارخ لكل الاتفاقيات الدولية والقوانين الانسانية، ويضربون عرض الحائط بكل الاحتجاجات والاستنكارات والتقارير التي تؤكد حقيقة المعاناة والظلم والعذابات التي يتعرض لها الأسرى..
أسرانا أمانة في أعناقنا.. وفي أعناق كل ذي ضمير حي.. اعملوا جميعاً بكل الوسائل من أجل، ليس فقط تحسين وضع الأسرى، وانما من أجل الافراج عنهم جميعاً ليعودوا الى أحضان عائلاتهم وأحبائهم..
فمتى يضمد الجرح النازف ؟؟ متى متى؟!!