بالأمس كانت حادثة باص جبع المؤلمة التي حصدت أرواح ستة أطفال ومعلمتهم .. كانت فاجعة بل كارثة ألمت بعائلاتهم وبعائلات الجرحى الذين ما زالوا حتى الآن لا يستوعبون ما الذي حدث ولماذا.. وانتشرت الشائعات حول السبب الذي أدى الى وقوع هذا الحادث المفجع، ولكنه لم يكن بحسب ما سمعناه وقرأناه في وسائل الاعلام الحافلة نفسها أو سائقها ، بل الشاحنة التي انحرفت عن الطريق، وفرضت نفسها بالقوة على حافلة الأطفال لتحرق من حرقت منهم، ولتصيب بجروح جسدية ونفسية من أصابت منهم والتي لن ينساها الأطفال، وستظل ذكرياتها المؤلمة تلاحقهم الى آخر يوم في حياتهم.. ففرحتهم برحلة وألعاب وفرح ومرح تحولت في لحظة الى مأساة وذكرى مؤلمة قاسية لن تستطيع أي كلمات أن تعبر عن مدى صعوبتها وتأثيرها على هؤلاء الأطفال..
هذا الحادث المأساوي فجّر العديد من التساؤلات، أولاًً حول من المسؤول عنه، وثانياً حول عدد الشهداء والمصابين الكبير .. هل هي المدرسة التي أرسلت أطفالها في مثل هذا الطقس السيء؟! أم هو سائق الشاحنة الذي صدم باص المدرسة؟ أم الطريق التي تفتقد الى مقومات السلامة، أم مدى جاهزية طواقم الاسعاف والدفاع المدني في التعامل مع مثل هذه الحادثة المروعة.. أم طريقة تصرف المارة والتي بحسب ما سمعناه وشاهدناه على"اليوتيوب" تدل على عدم وعي كامل لأساليب التصرف الصحيحة في الأزمات، أم كل هذه الأسباب معاً ..
طريق التفافي خطر فرضه الاحتلال .. يجعل من كل رحلة او من كل سفرة خطر يتهدد شعبنا بأطفاله ونسائه وشيوخه وشبانه .. فكم من حادثة نسمع عنها والسبب "اللفات والدورات" التي يضطر السائقون للمرور بها، وقد أصبحت كل طرقاتنا على هذا الحال بعد ان تم الاستيلاء على أراضينا وأقيمت الطرق الالتفافية ووضعت الحواجز. وسائقون متهورون لا يدركون خطورة ما قد يحصل بين لحظة وأخرى بسبب تهورهم، أو ما قد يصيب الآخرين بعد الاصطدام بهم.. استهتار لدى البعض في القيادة ، ومزاحمة كبيرة على الشوارع والطرقات بعد أن سدت السبل أمام المواطنين ليجدوا أنفسهم وقد وقعوا في مصيدة الزحمة، يحاولون بكل الطرق الخروج منها ليذهب كل منهم الى عمله او مراده، ليصطدم هذا بذاك أو ليلعن هذا الآخر.. مسبات وشتائم وطوش ولا أحد يريد اعطاء الطريق للآخر، ولا أحد يريد أن يفسح المجال لمرور غيره إلا بعد أن يمر هو.. كنا نقطع المسافة بين مدينة وأخرى من مدن وطننا بعشرات الدقائق، والآن تحتاجنا الى ساعات وربما أكثر وبخاصة في الأيام أو الساعات التي تزداد بها حركة السير بشكل كبير، في فترة الصباح عند التوجه الى الأعمال والمدارس والجامعة الخ... وفي بعد الظهر عند العودة ..
وشوارع ممتلئة بالحفر وتفتقد الى كل مقومات السلامة.. فيجد المرء نفسه وقد قفزت السيارة به عند مروره عن مطب أو تهبط في حفرة من الحفر التي لا تجد من يصلحها، وبخاصة في فصل الشتاء عندما يضطر الفرد منا الى أخذ احتياط من الملابس إذا كان سيسير على أقدامه لأنه سيتعرض لا محالة الى الرشق بالمياه القذرة عند مرور سيارة أو حافلة بجواره، فتبتل ملابسه بالمياه القذرة التي تملأه من رأسه الى أخمص قدميه..
كل هذه أسباب تجعل من سفرنا ولو لمسافة قصيرة رحلة عذاب خطرة نتعرض فيها الى كل أنواع الحوادث ، فما أكثر ما نسمعه عن حوادث الطرق المفجعة المؤلمة التي يذهب ضحايا فيها الى غير رجعة، أو تجعل من أحدهم جسماً مشوهاً . فمن نلوم.. هل نضع اللوم على الاحتلال الذي أفسد علينا حياتنا وعرضنا الى تلك المهالك عبر ممانعته في اصلاح بعض الطرقات الخطرة كونها لا تخضع كلياً لمناطق السلطة.. أم نلوم أنفسنا لأننا نتناسى أخطاءنا ونضعها على الاحتلال.. فنحن أيضاً لنا دور في ما يحدث لنا من مآسي وكوارث .. فالانسان لدينا للأسف ليس له قيمة الا لذويه وأهله.. ولا أحد يكترث لغيره ولما سيحصل له، مع أن هذه الكوارث يجب أن تفتح ملف أخطائنا، وأن تكون الناقوس الذي يقرع جرس كل مواطن بأن كل منا لديه مهمة تجاه وطنه وتجاه الآخرين يجب أن يؤديها .. أن يتطلع الى المصالح العامة قبل المصلحة الخاصة ، أن لا نعتبر أنفسنا الوحيدين في هذا الكون ولا يهم ما يحدث للآخرين من كوارث وويلات بسبب أخطائنا.. أن نسير على الطرقات ونحن ندرك بأن هناك آخرين أيضاً يسيرون عليها.. فلسنا وحدنا في الشارع، وهناك من سيتعرضون للأذى بسبب اهمالنا وربما نكون نحن أيضاً ضحية تهورنا ..
حادثة جبع والحوادث الأخرى التي تقع كل يوم ، لا يكفي أن نحزن على المصابين أو نذهب لزيارة الجرحى أو نقدم واجب العزاء للعائلات الثكلى.. بل يجب أن نسارع الى معرفة الأسباب التي أدت الى هذه الكوارث .. فاذا كنا لا نستطيع أن نغير مسار طرقنا وشوارعنا بسبب الاحتلال وما يفرضه علينا من أنظمة وقوانين وطرقات التفافية ، فيجب علينا المحاولة جاهدين لتجنب مثل هذه الحوادث بالسير المتأني، ففي التأني السلامة، وأن نصلح من أوضاع طرقاتنا وشوارعنا البالية التي لا تجرى لها الصيانة الدورية ، فحتى الطرق التي تشق وتزفت حديثاً فلا تمر فترة قصيرة الا وهي قد امتلأت بالحفر والمطبات بسبب عدم الالتزام بالمعايير الصحيحة في تعبيدها.. يجب وضع اشارات مرورية أو على الأقل تنظيم السير في الطرقات التي عليها أزمة كبيرة كما هو الحال بعد حاجز قلنديا من جهة رام الله. فلا أظن ان الاحتلال سيمنع من تنظيم السير في هذا الطريق ليستوعب ويسهل للمرور من خلاله..
كلنا ندرك ان هناك مشكلة كبيرة حول من له الصلاحية في اصلاح شارع جبع الذي حدثت فيه الكارثة كونه يقع في منطقة (ج)، ولكن هل نظل صامتين حول مثل هذا الوضع .. ان هذا الطريق هو طريق الموت وقد حصد العديد من الأرواح .. وكذلك يجب العمل وبسرعة على تطوير طواقم الدفاع المدني والإسعاف،من خلال توفير عدد كاف من سيارات الاسعاف والطواقم الطبية والإطفاء لتكون على أهبة الاستعداد لتلبية الطلب عند الحاجة وبالسرعة الممكنة . وبالاضافة الى ذلك يجب أن تكون هناك دورات للمواطنين حول آلية التعامل وكيفية التصرف الصحيح عند الأزمات والحوادث . وأخيراً أرواح أبنائنا وبناتنا هم أمانة في أعناقنا فلنعمل جاهدين من أجل حماية هذه الأرواح بكل الوسائل والسبل.