في شهر أيلول المنصرم لم نستطع حشد 130 دولة لتصوت لصالح قرار حصولنا على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، لذلك لم نتوجه للجمعية العامة بهذا الشأن. طرقنا باب مجلس الأمن، وكان الجواب الأميركي لا وألف لا لعضوية فلسطين في هذه المنظمة الدولية. وللأسف فإن الدول العربية الموالية أو المسايرة للسياسة الأميركية لم تفعل شيئاً لنا، بل كانت عاجزة عن التفكير بتقديم أي حل للخروج من أزمة الحصول على اعتراف بنا، مع أننا قبلنا بدولة صغيرة لنا وعلى حدود 4 حزيران 1967.
الحراك العربي في شهر أيلول في منظمة الأمم المتحدة كان مشلولاً إلى حد كبير، ولكننا رأيناه مستأسداً فيما يتعلق بالوضع في سورية.. كلهم مجندون لمناقشة هذا الملف ومتابعته، تحت شعار مناصرة الشعب السوري، وتحت شعار وقف العنف وسفك الدماء.
الجامعة العربية تحركت بصورة غريبة عجيبة، وتصوروا أنها حوّلت الملف للأمم المتحدة، وتطالب بإجراءات ضد بلد عربي.. الجامعة "العربية" تعلّق عضوية سورية في الجامعة العربية، وتقرر فرض عقوبات على الشعب السوري بحجة الدفاع عنه وعن حقوقه وحياته! ودول عربية تسحب سفراءها من دمشق، لفرض العزلة على سورية لأنها تواجه مؤامرة خبيثة وبكل صلابة ولا تستسلم وهم يريدونها أن تستسلم، وأن تقبل بتفتيتها وتقسيمها إلى دويلات. تصوروا أن مصر، الدولة العربية الأم، تقرر طرد السفير السوري من القاهرة في حين أن السفير الاسرائيلي متواجد في هذه العاصمة العربية التي نعتز بها ونعتبرها عاصمة العواصم العربية. هل النظام الجديد في مصر هو ضد العروبة أم أن ما قام به كان مجبراً عليه.
تصوروا أن تونس تستضيف مؤتمراً "لأصدقاء سورية" ينادي بالتدخل في الشأن الداخلي السوري علماً أن الشعب التونسي ضد هذا التدخل، وأن لرئيس الحكومة مواقفاً وطنية.. فهل يعني أن تونس مجبرة على ذلك بفضل العصا الاميركية!
الجامعة العربية، وبعد فشلها في مجلس الأمن الدولي، نقلت الملف السوري إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت لصالح مشروع قرار دولي ضد سورية 137 دولة وعارضته 12 دولة فقط.
أين كانت الجامعة العربية حين تعرض لبنان لعدوان وحشي شرس في تموز عام 2006، أين كانت عندما تعرض القطاع لعدوان عسكري اسرائيلي في أواخر عام 2008، لماذا لم تتحرك الجامعة العربية.. هل تتحرك فقط عندما يكون الأمر ضد العرب فقط وليس ضد اميركا أو اسرائيل.
تصوروا أن اميركا شنت غارات وقصفت الفلوجة وقتلت الآلاف بحجة ضرب "المقاومة العراقية"، أو ضرب ما كانت تسميه "الارهاب"، وهي تقتل بشتى الوسائل المدنيين في أفغانستان وحتى في باكستان بحجة ملاحقة وضرب الارهاب، وسمحت للجيش اليمني بمحاربة ومواجهة تنظيم القاعدة في اليمن، وسمحت لقوات درع الخليج بالدخول إلى البحرين لقمع مظاهرات سلمية تنادي بالإصلاح، وفي الوقت نفسه هذه الإدارة الأميركية التي يقودها باراك اوباما تمنع الجيش السوري من التواجد على أراضيه، ومن العمل على حفظ النظام، وفي مواجهة الارهاب الذي يعيث خراباً وقتلاً ودماراً في بعض المناطق السورية.. وهي، أي أميركا، تؤيد تزويد الارهابيين بالسلاح ليحاربوا النظام السوري، وتوفر للارهابيين كل أنواع الدعم.
هل ما يجري في العالم "منطقي"، وهل يقبل به العقل أو يستطيع أن يستوعبه وخاصة إذا كان صاحب هذا العقل شريفاً ووطنياً وعروبياً.
أي قرار ضد أية دولة عربية يتخذ بسرعة فائقة، أما أي قرار ضد اسرائيل فمن الصعب جداً إقراره أو المصادقة عليه، حتى إذا تم إقرار أي قرار، فإن اسرائيل لا تنفذه، ولا أحد يستطيع أن يسألها عن تجاهلها له!؟
من حق أميركا أن تقتل في كل مكان من العالم لمحاربة "الإرهاب"، ولكن لا يحق لسورية أن تواجه وتحسم الوضع مع إرهابيين تسللوا إلى داخل سورية.. أميركا ضد الإرهاب ومع الإرهاب في وقت واحد، مما يؤكد أن الإدارة الأميركية، وخاصة في الشأن السوري، هي صانعة الإرهاب، وممولته وعرابه.. ولكن، هل الأمم المتحدة قادرة على محاسبة اميركا على ذلك؟ بالطبع لا تستطيع لأنها تحت الهيمنة الأميركية، وتفعل ما تشاء، ومن حقها أن تقتل المدنيين الأبرياء، ومن حق سلاح جوها أن يسقط طائرة ركاب مدنية أميركية في أيلول 2001 لأنه شك بأن الطائرة مختطفة ومتوجهة نحو "البيت الأبيض"، ومن حقها أن تفعل أي شيء ما دام يخدم مصالحها ويسير مع سياستها العامة.
إن ما يجري في الجامعة العربية هو أمر محزن ومقرف و"مخزي" جداً لأن هذه الجامعة تحوّلت إلى إمّعة بيد خدام اميركا في المنطقة. فهذه الجامعة لا تتحرك إلا ضد العرب.. ضد ليبيا، وضد العراق، وضد سورية حالياً.. فبدلاً من مؤازرة العرب، فهي تطعن العرب تلبية لرغبات اميركا السيد الأميركي لبعض القادة العرب.
وما كان يجري في الأمم المتحدة هو أمر مقرف أيضاً، ولكنه والحمد لله، تم وضع حد لهذه المهزلة بفضل الموقفين الروسي والصيني، فهما لم يمارسا حق النقض الفيتو إلا لوقف مهزلة الهيمنة الاميركية على الأمم المتحدة.. ومن أجل بسط العدالة ووضع حد للتضليل الإعلامي الكبير الذي ترعاه اميركا وأذنابها في العالم.
حالة التلاعب بمصائر الشعوب، والتدخل في شؤون الدول. ومبدأ أن تحلل ما تريده وتحرم ما هو ليس لصالحك، هي حالة مأساوية لا بدّ أن ترحل، وكل الأمل في أن الصين وروسيا ستكونان الرائدتين في ترحيل هذه الحالة وستعملان على بسط العدالة في العالم، وعلى إزالة حالة "القرف الدولي" في أسرع وقت. وإذا تعدّلت الأمور في الأمم المتحدة فإن دور الجامعة يهمش أكثر وأكثر، ولن يكون لها أي وجود أو فاعلية لأنها فقدت احترامها وهيبتها كما هو حال آمرها ومشغلها السيد الأميركي الذي بات في وضع ضعيف لا بدّ أن ينعكس ذلك على أتباعه في العالم العربي.