السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون لا يفعل شيئاً من أجل ازالة الظلم والقهر عن الشعوب المعذبة المعانية المظلومة والمقهورة، يدلي بتصريحات شبه جيدة أحياناً عند زيارته هذا البلد أو ذاك عازفاً على الوتر الذي يعجب قادة هذه البلدان، ولكنه في الواقع لا يفعل شيئاً عملياً على ارض الواقع.
بان كي مون يعرف كل المعرفة أن من حق الشعب الفلسطيني الحصول على عضوية كاملة في الامم المتحدة، ولكنه لم يعلن ذلك لأنه يخشى رد الفعل الاميركي الاسرائيلي المشترك.
وهو يعرف أيضاً أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة – تقريباً – التي لا تحترم قرارات الشرعية الدولية، ولا تنفذ ولا تطبق أياً منها، وفي الوقت نفسه توفر لها هذه المنظمة دعماً كبيراً. وهنا يمكن التساؤل، ماذا فعل بان كي مون عندما شنت اسرائيل عدواناً على قطاع غزة في أواخر العام 2008 واستمر لمدة 23 يوماً؟ وماذا يفعل لحماية مؤسساته ومنظماته في قطاع غزة إذ أن اسرائيل تمنع وصول العديد من مواد البناء لاعادة اعمار القطاع بعد أن تعرض للدمار؟ وماذا يفعل من أجل بسط العدالة في العالم، وتوفير الطمأنينة للشعوب؟ واحقاق الحق في كل مكان؟ هل المنصب أهم من قول الكلمة الجريئة؟ أم أننا نعيش الآن في عصر الانحطاط الخلقي، في عصر "الجبن" و"الخوف"، عصر الاهتمام بالمصلحة الشخصية على حساب ما تبقى من كرامة لهذا أو ذاك!
في العام 2006، وفي شهر تموز بالتحديد، شنت اسرائيل حرباً شرسة على لبنان، ولم تفعل الأمم المتحدة شيئاً لوقف الحرب العدوانية. ولولا صمود أبطال لبنان المجاهدين، وحوّلوا المواجهة العسكرية لصالحهم، وأحرجوا القوات الاسرائيلية لواصلت اسرائيل عدوانها ومن دون رحمة، حتى أنها ألقت بقنابل عنقودية فتاكة ولم يدن أحد هذه الممارسة في الأمم المتحدة بالتحديد.
ماذا تفعل الأمم المتحدة لمنع خرق الطيران الاسرائيلي بصورة استفزازية يومية للاجواء اللبنانية، هل أصدر بان كي مون ولو بياناً واحداً شديد اللهجة يدين من خلاله مثل هذه الانتهاكات الاسرائيلية لقرار مجلس الأمن رقم 1701، أم أن القرار يطبق فقط على الجانب اللبناني وليس على الجانب الاسرائيلي.
بان كي مون زار عدة دول في منطقة الشرق الأوسط، ولم نشعر بتاتاً بأهمية زياراته العديدة لانه ممالق كبير ولانه يخشى قول الحقيقة، وبدلاً من أن يشجع على التوافق والعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد، يساهم أحياناً كثيرة في الايقاع بين الأخوة والاحباء، وينفذ مخططات الادارة الاميركية في بث روح الفتنة والشر هنا وهناك غير آبه لنتائج هذه السياسة الهدامة المدمرة المخالفة لكل المواثيق الدولية.
عندما تم الاعتداء على البرجين في نيويورك وهدمهما في 11 أيلول عام 2001 قامت الدنيا ولم تقعد ضد هذا العمل الارهابي، وسمح العالم والامم المتحدة بأن تشن اميركا حرباً ضروساً ضد "الارهاب" في افغانستان أي أن قواتها احتلت أفغانستان. وهذا يعني أنه "يحق" لاميركا ان تحارب الارهاب كما تريد وترغب.
وبحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وهذا الاتهام كان افتراء وكذباً وتلفيقاً، وادعاءً لبسط الديمقراطية، قامت القوات الاميركية في آذار 2003 بشن حرب على العراق، واحتلته في 9 نيسان. وكانت نتيجة ذلك الدمار والفوضى وعدم الاستقرار للشعب العراقي. وخلال تواجد قواتها في العراق شنت هجمات بشعة ضد عدة مدن تحت حجة محاربة "ارهاب" تنظيم القاعدة الذي هو من صناعتها، وهذا ما يؤكده الاميركيون قبل غيرهم من المحللين والسياسيين في العالم.. واحتلال بلد كامل هو أمر مشروع حسب مقاييس اميركا، مع انه مخالف للقوانين الدولية.
الأمم المتحدة "شرّعت" العدوان على الشعب الليبي، وقتلت عشرات الآلاف من أبنائه تحت ذريعة الدفاع عنه وتوفير الحرية والديمقراطية له، رغم أن هذا العدوان من قبل الناتو ومن وقفوا الى جانبه هو مخالف لكل القوانين ولميثاق الأمم المتحدة.
أنظروا الى مهزلة موقف الأمم المتحدة تجاه الأحداث التي تجري في سورية.. فالعالم المتآمر يقف إلى جانب الارهابيين المسلحين الذين يعتدون وبصورة بشعة على أبناء الشعب السوري، وهذا العالم يزود هؤلاء الارهابيين بالسلاح والمال. حتى أن وزيرة خارجية اميركا هيلاري كلينتون دعت هؤلاء الارهابيين الى عدم تسليم السلاح، والاستمرار في اجرامهم. وتوجه كلينتون والمستعربون الانتقاد للجيش السوري لانه يحمي المواطن السوري من جرائم هؤلاء المسلحين الذين يرتدون قبعة "المعارضة" المزيفة، وهم من جنسيات عديدة، وليسوا كلهم سوريين! أمر غريب وعجيب وهو أنه ممنوع على الجيش السوري أن يتواجد في المدن لحماية المواطنين في حين أنه مسموح للجيش الاميركي وقوات الناتو أن تقصف ليبيا وتحتل أفغانستان وتدمر العراق.. أي أنه يحق لاميركا ومن يحابيها ويمالقها ويحالفها فعل ما يريدون ولو ضربوا بعرض الحائظ كل القوانين والشرائع الانسانية والدولية!
الأمم المتحدة تحاول التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وهذا مناقض لميثاق الأمم المتحدة، والغريب العجيب أن دولاً لا تمارس الديمقراطية، ولم تمارسها في يوم من الأيام ولم تذق طعمها، هي التي تتدخل بالشأن السوري، وتعمل على تجييش وتهييج الوضع.
بان كي مون يعرف الحقيقة، ويعرف أن كل ما يجري هو مخالف للقوانين الدولية، ومخالف لميثاق الأمم المتحدة، ويعرف أن "منظمته" خرجت عن اطارها واهدافها، وان النفوذ القوي العسكري أو المالي هو الذي يسيطر على هذه المنظمة، أي أنها أصبحت منظمة "فاسدة" و"مفسدة" بعد أن سيطر المال والقوة عليها وعلى خطها وأعمالها.
هناك مثل عربي معروف يقول: "من يسكت على الظلم هو شيطان أخرس". ولهذا نقول أن بان كي مون هو شيطان أخرس وبامتياز.. وكل ما نريده ونأمله أن تحظى الأمم المتحدة بسكرتير عام أمين ومخلص وشجاع وجريء وولاؤه للمنظمة الدولية وقوانينها، وان يقول الحقيقة ويرفض الظلم ويدينه بالفم "الملآن".
نعرف أن صلاحيات السكرتير العام للأمم المتحدة محدودة.. ولكن، ورغم ذلك، يستطيع السكرتير العام أن يؤثر من خلال هذه الصلاحيات، وأظن أن صلاحياته القليلة لا تمنعه من قول الحقيقة، ولن تمنعه من أن يتمتع بأخلاق رفيعة ونزيهة تجبره على قول كلمة حق مهما كان الثمن!