أمهات الأسرى يطالبن الجهات الدولية بالتحرك العاجل والضغط على سلطات الاحتلال للسماح لهن بزيارة أبنائهن
فروانة لـ"البيادر":ـ
* منع الأسرى من الزيارة سياسة وليس إجراءً استثنائياً أو مرتبطاً بظرف ما
* المواثيق والأعراف الدولية كفلت للأسير وذويه حقهم في الالتقاء المتواصل
* منظمة الصليب الأحمر أضحت كساعي بريد دون ممارسة دورها الضاغط على حكومة الاحتلال
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ تقرير/ محمد المدهون
لا تزال سلطات الاحتلال تحرم ذوي أسرى قطاع غزة من زيارة أبنائهم داخل سجون الاحتلال للعام الرابع على التوالي، ضاربة عرض الحائط كل القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية التي تمنح الأسرى الحق في زيارة ذويهم والالتقاء بهم، في وقت تواصل فيه حرمان الآلاف أيضاً من ذوي أسرى الضفة الغربية والقدس من زيارة أبنائهم داخل السجون تحت حجج وذرائع واهية، محاولة شرعنة هذه الإجراءات العقابية الظالمة من خلال إصدار ما يسمى قانون عام 1996 وقانون شاليط وغيرها من القوانين العقابية.. فما هي الأسباب التي تتذرع بها سلطات الاحتلال لحرمان ذوي الأسرى من زيارة أبنائهم داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية ؟ وما هي انعكاسات ذلك على نفسياتهم؟ وكيف يمكن تفعيل هذه القضية الهامة محلياً وعربياً ودولياً ؟.. "البيادر السياسي" تفتح ملف حرمان ذوي الأسرى من زيارة أبنائهم في سجون الاحتلال، وتناقش هذه القضية الهامة ضمن التقرير التالي.
فراق الأحباب
في ليلة عيد الفطر أبت أمهات الأسرى إلا أن يبتن هذه الليلة أمام مقر الصليب الأحمر بغزة، في رسالة واضحة وبهدف لفت أنظار العالم إلى ما يعانيه أسرانا في سجون الاحتلال، والعذابات التي يلقاها أطفالهم وأمهاتهم في مثل هذا اليوم الذي يفرح فيه الأطفال بقدوم العيد، فكم كانت تلك الليلة مؤلمة عندما رفعت أمهات الأسرى صور فلذات أكبادهن، وعيونهن تملأهن دموع الألم والحزن على فراق الأحباب، فهذه الأم لم تر ابنها منذ أربع سنوات جراء حرمانها من زيارته، وأخرى لم تر فلذة كبدها منذ خمس سنوات، وهكذا قضت أمهات الأسرى هذه الليلة يتألمن على فراق الأحباب، ويتطلعن إلى فجر مشرق يجمعهن بأبنائهن.. تقول أم محمد الحاج أنها جاءت لتعتصم مع أمهات الأسرى وتشاركهن مأساتهن وعذاباتهن في هذا اليوم، حيث ترى أنه من الواجب المشاركة في هذا الاعتصام التضامني مع الأسرى، ومن أجل لفت أنظار العالم إلى ما يعانيه هؤلاء الناس من ظلم وقهر جراء ما يمارسه المحتلون من إجراءات عقابية بحق الأسرى وعائلاتهم، وقالت أم محمد لـ "البيادر السياسي": أن قضية الأسرى يجب أن تحتل أبرز مكانة في سلم أولوياتنا، فهؤلاء الأبطال الذين لا يزالون يقبعون خلف الأسلاك الشائكة في حاجة ماسة لمن يقف إلى جانبهم ويتبنى قضيتهم، مشيرة إلى أن هؤلاء الأسرى يحرمون من أبسط حقوقهم، خاصة في زيارة أهلهم لهم، حيث حرموا من الالتقاء بأمهاتهم وأولادهم وأشقائهم خلال الأعوام الماضية بسبب منع سلطات الاحتلال الزيارة، داعية المؤسسات الحقوقية والدولية إلى التحرك المستمر لوضع حد لهذه المعاناة والضغط على الاحتلال من أجل السماح لذوي الأسرى بزيارة أبنائهم داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية كما نصت عليه القوانين والشرائع الدولية.
تفتيش وإذلال
أم أحمد البكري، والدة الأسير المحرر أحمد البكري، الذي أمضى خمسة عشر عاماً في سجون الاحتلال جاءت لتشارك أمهات الأسرى اعتصامهن، بالرغم من أن ابنها قد تحرر من الأسر، إلا أنها تعتبر مشاركة أمهات الأسرى اللواتي حرمن من لقاء أبنائهن هو واجب وطني، وتقول أم أحمد لـ"البيادر السياسي" أنها ذاقت الأمرين خلال فترة اعتقال ابنها، وأن أم الأسير أول من تكوى بنار الفرقة على فراق ابنها، خاصة وأنها حرمت من زيارته لسنوات طويلة نتيجة الإجراءات التعسفية التي كانت تستخدمها سلطات الاحتلال بحق أهالي الأسرى، فتارة تمنعهم من الزيارة، وتارة أخرى تخضعهم للتفتيش والإذلال، وبعد مشقة طويلة يصل أهالي الأسير إلى السجن الذي يقبع فيه، ويتفاجأون أنه تم نقله إلى سجن آخر وبذلك يحرمون من زيارته، وهكذا تتواصل المأساة، خاصة بعد منع أهالي أسرى القطاع من الزيارة قبل عدة سنوات تحت ذريعة أسر شاليط، مؤكدة أن حرمان الأم من زيارة ابنها الأسير جريمة لا تغتفر، وكذلك حرمان الأسير من لقاء أمه وذويه شيء في غاية القسوة واللا إنسانية.
أم عبد الله والدة أسير يقبع في سجون الاحتلال منذ عشر سنوات لم تلتق به منذ أكثر من خمس سنوات نتيجة منع الزيارة، تقول هذه السيدة التي تشارف على الستين من عمرها أنه تخشى أن يأتي أجلها قبل أن تلتقي بولدها الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد، مشيرةً إلى أنها تعيش حالة من الحزن والألم وخاصة في المناسبات السعيدة، فكل أم تحتضن أبناءها وتفرح بالتفافهم حولها، إلا أم الأسير فهي تبقى تتألم وتتحسر على فراق ابنها وغيابه الطويل، وتضيف أم عبد الله لـ"البيادر السياسي" أنها تشعر بمرارة كبيرة جراء حرمانها من زيارة ابنها، وتصف هذا الإجراء بالوحشي الذي يفتقد لكل معاني الإنسانية، مطالبة مؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل وإثارة هذه القضية والضغط على سلطات الاحتلال من أجل السماح لذوي الأسرى بزيارة ذويهم، وكذلك السماح لباقي أفراد الأسرة بالزيارة وألا تقتصر الزيارة على الأقارب من الدرجة الأولي، لأن من حق الأسير أن يلتقي بعائلته وأصدقائه، متمنية تحرير كافة الأسرى من سجون الاحتلال.
شرعنة منع الزيارات..!!
الباحث المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرة والمحررين أوضح لـ"البيادر السياسي" أن عدد أسرى قطاع غزة يبلغ قرابة 700 أسير، من بينهم أسيرة واحدة فقط ، مشيراً إلى أنه لا يمكن فصل منع ذوي أسرى قطاع غزة من الزيارة عن باقي الإجراءات التي سبقتها، حيث رأى أن قانون الزيارات الذي أقر عام 1996 هو من وضع الأساس لشرعنة منع الزيارات وحرمان الآلاف من الأهالي من زيارة أبنائهم، مشيراً إلى أن القانون المذكور قد سمح فقط لمن هم من الفئة الأولى كالأب والأم والزوجة بالإضافة للإخوة والأبناء لمن هم أقل من 16 عاماً بالزيارة، مما يعني منع الآخرين، وحتى هؤلاء، أقصد ممن يسمح لهم القانون بالزيارة كانوا يمنعون تحت ما يسمى " المنع الأمني"، وهذا يقودنا إلى أن الحرمان من الزيارة لم يقتصر على أسرى غزة وذويهم، وإنما هي سياسة ممنهجة انتهجتها سلطات الاحتلال منذ 14 عاماً، وسارت بها بشكل تصاعدي تحت حجج وذرائع مختلفة .
ولكن منذ أسر " شاليط " في حزيران 2006، يضيف فروانة، توقفت الزيارات لأهالي قطاع غزة، ومن ثم استؤنفت دون انتظام، ولكن منذ الخامس عشر من حزيران 2007 منعت سلطات الاحتلال كافة ذوي أسرى غزة من زيارة أبنائهم، بقرار سياسي غير مسبوق، وكعقاب جماعي، ولحتى اللحظة الجميع ممنوع من الزيارة، وقالت حينها " إسرائيل " أنها ليست ملزمة بالسماح لسكان قطاع غزة بمن فيهم ذوي الأسرى بدخول مناطق نفوذها وزيارة أبنائهم المعتقلين في سجونها، وأن القطاع ( كيان معادٍ يسيطر عليه تنظيم إرهابي، تسود بينه وبين إسرائيل حالة حرب)، وبالمقابل فهي تمنع آلاف من ذوي أسرى الضفة الغربية بحجة ما يسمى " المنع الأمني " وفي أحياناً كثيرة تمنع الأسرى أنفسهم من الزيارة كعقاب، وهذا ما يؤكد على ما سقناه آنفاً بأن منع الزيارة سياسة وليس إجراءً استثنائياً أو مرتبطاً بظرف ما.
حجج وذرائع
وحول الحجج والذرائع التي تسوقها سلطات الاحتلال لتبرير حرمانها لذوي الأسرى من الزيارة قال فروانة: أن هناك حججاً كثيرة تسوقها سلطات الاحتلال لتبرير منعها لذوي أسرى القطاع من الزيارة أبرزها " الأمن "، " قطاع غزة كيان معادي " ، " شاليط " وهي حجج وذرائع مرفوضة وغير مبررة، وإنما هي ذرائع لتبرير عقابها الجماعي لأهالي الأسرى والانتقام منهم جراء استمرار احتجاز شاليط، واستخدامهم كورقة ضغط على الفصائل الآسرة لشاليط بغزة، وهي محاولات أيضاً للتأثير على الأسرى وإضعاف معنوياتهم والمساس بمشاعرهم.
وفي معرض رده عل سؤال حول انعكاسات هذا المنع على الأسرى وذويهم أجاب الباحث فروانة: بالتأكيد لها انعكاسات وتأثيرات سلبية على كلا الطرفين ( الأسير وذويه)، لأن حرمان أي طرف من الزيارة يعني جدلياً حرمان الطرف الآخر، وهي معاناة قل نظيرها في الوقت الحاضر، وهي أيضاً معاناة مركبة تثقل كاهل الأسرى وأقاربهم في آن واحد، وتشكل ضربة نفسية قاسية بحقهم، وتؤدي إلى فقدان التواصل الاجتماعي فيما بينهم، ويبقى الطرفان في حالة قلق متواصل ومستمر، لا سيما في ظل انعدام وسائل الاتصال والتواصل الأخرى .
ومن جانب آخر فإنه يحرم الأسير من تلقي احتياجاته من الأهل من ملابس وأغطية ونقود لشراء ما ينقصه من " مقصف السجن " في ظل النقص الحاد في المواد الأساسية المقدمة من إدارة السجون، وبالتالي فإن استمرار منع أهالي أسرى القطاع من الزيارة يفاقم من معاناة الأسير، وبالمناسبة هو شكل من أشكال العقاب الجماعي والتعذيب النفسي والمعنوي..!.
تعارض فاضح
وعلى صعيد آخر وحول مدى تعارض حرمان الأسرى وذويهم من الزيارة مع القوانين والأعراف الدولية أكد فروانة أن ذلك يتعارض بشكل فاضح مع كافة المواثيق والأعراف الدولية التي كفلت لكلا الطرفين، للأسير ولذويه، حقهم في الالتقاء المتواصل، مشيراً إلى أن نص المادة ( 116 ) من الفصل الثامن من اتفاقية جنيف كان واضحاً: "يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه، وعلى الأخص أقاربه على فترات منتظمة، وبقدر ما يمكن من التواتر، ويسمح للمعتقلين بزيارة عائلاتهم في الحالات العاجلة بقدر الاستطاعة، وبخاصة في حالة وفاة أحد الأقارب أو مرضه بمرض خطير" .
ولكن حكومة الاحتلال لا تكترث بكل ذلك، ولديها قوانينها الخاصة، ومنذ أسر " شاليط " ازدادت المناشدات والدعوات إلى استمرار منع أهالي القطاع من زيارة أبنائهم، بل إلى منع كافة الأسرى من الزيارات كإجراء انتقامي وعقاب جماعي على منع شاليط من استقبال والديه أو مندوبي الصليب الأحمر، فيما أقرت العديد من الإجراءات والقوانين والتي أدت لحرمان المزيد من الأهالي من زيارة الأسرى تحت ذريعة "المنع الأمني"، ونستحضر هنا توصيات اللجنة الوزارية في مارس 2009، وقانون شاليط وغيرها.
وعبر فروانة عن أسفه لانحسار دور الصليب الأحمر في ساعي بريد، وقال" للأسف الشديد منظمة الصليب الأحمر الدولية والتي من المفترض أن تشرف على برنامج الزيارات وتضغط على "إسرائيل" لاستئناف الزيارات، أضحت كساعي بريد فقط تنقل مناشدات المؤسسات والأهالي، وتجلب لهم الردود، دون ممارسة دورها الضاغط على حكومة الاحتلال .
قصور فلسطيني
وحول سبل تفعيل قضية حرمان الأسرى وذويهم من الزيارة فلسطينياً بدا فروانة مستاءً جراء ما وصفه بالتقصير، الفلسطيني في هذا الجانب، وقال: دعني أقر بداية بالتقصير، الفلسطيني في إثارة هذه القضية ومتابعتها منذ إقرار قانون الزيارات عام 1996، وهذا ناتج عن آلية التعاطي اللا منهجية مع مجمل الملفات الخاصة بالأسرى، وغياب الإستراتيجية الواضحة والتكامل فيما بين المؤسسات .
وأضاف: أعتقد أنه آن الأوان لأن نقف أمام ذواتنا لنقيَّم دورنا وآليات عملنا، وأن لا ننظر للقضية وكأنها حديثة ومقتصرة فقط على " قطاع غزة "، ونحاول أن نقنع أنفسنا بتبريرات الاحتلال وذرائعه، فالقضية كما قلت آنفاً قديمة جديدة وتعود للعام 1996، ومتبعة مع الآلاف من ذوي أسرى الضفة والقدس ...
وأرى بأن من الواجب أولاً السعي الجاد للتخفيف من آثارها السلبية على ذوي الأسرى، وزيادة المساحات والبرامج الخاصة بذلك في الإذاعات والفضائيات المحلية والعربية، وهي مناسبة أيضاً لإثارتها إعلامياً وتسليط الضوء عليها وعلى من هم ممنوعون من الزيارة منذ سنوات طويلة والتركيز على الجانب الإنساني وتأثيراتها المؤلمة ..الخ .
وشدد فروانة على ضرورة التفكير جدياً بالبحث عن أساليب للضغط على منظمة الصليب الأحمر الدولية لإجبارها على التخلي عن صمتها ومهمتها كساعي بريد، والانتقال إلى دور ضاغط على حكومة الاحتلال لاستئناف برنامج الزيارات بالنسبة لأهالي أسرى القطاع، ورفع المنع الأمني عن الآلاف من الضفة والقدس .
ورأى فروانة أن المؤسسات الحقوقية والإنسانية في فلسطين لم تتحرك بشكل فاعل منذ إقرار قانون الزيارات عام 1996، ولهذا أعتقد بأن من السبل المهمة لتفعيل هذه القضية هو تبني هذه المؤسسات أو بعضها لهذه القضية وإثارتها في المحافل الدولية.
كما دعا إلى اشتراط الموافقة على مقابلة أي وفد أجنبي أو عربي يزور قطاع غزة بموافقته بالالتقاء بذوي الأسرى والاستماع لمعاناتهم .
ودعا أيضاً إلى تنظيم بعض الفعاليات لأهالي أسرى القطاع للمطالبة بحقهم في زيارة أبنائهم ومنها مسيرة حاشدة أمام معبر بيت حانون "ايريز"