بعد توليه منصبه الرئاسي أوائل العام الحالي، واستقباله لعدد من القادة العرب، ومن بينهم الرئيس محمود عباس، وزيارته "التاريخية" لمنطقة الشرق الأوسط، فان كثيرين أبدوا تفاؤلاً بالرئيس دونالد ترامب، وعلقوا آمالاً كبيرة عليه بأنه سيحقق اتفاقاً شاملاً بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وانه يجب منحه الفرصة لتحقيق هدفه هذا في انهاء الصراع مع اسرائيل.
هذا التفاؤل مبني على العديد من الأقوال لترامب، ولعدد من المقربين اليه، ولكن هذا التفاؤل سيتلاشى مع مرور الأيام، إذ أن الرئيس ترامب ليس صلباً في مواقفه، بل تتغير وتتبدل، كما أنه رجل أعمال يؤمن بالصفقات، ويسعى إلى الحصول على أموال لاميركا أولاً وأخيراً، وتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
لا يمكن التعويل على إدارة ترامب الجديدة لاسباب عديدة ومن أهمها:-
· لقد رُوّج مؤخراً أن الرئيس ترامب يعد مشروعاً لحل القضية الفلسطينية، وسيحمل هذا المشروع أو الاقتراح لدى زيارته المنطقة، ولكنه لم يقدم أي طرح، ولا أية فكرة بناءة، وكانت زيارته دعماً لاسرائيل، وليس لأي حل سلمي!
· لقد قيل أن الرئيس ترامب طلب من اسرائيل طرح أفكارها ومواقفها حول حل الخلاف مع الفلسطينيين، وكان الطرح الاسرائيلي هو تقديم "حكم ذاتي"، بالطبع سيكون ممسوخاً لأن اسرائيل رفضت حكماً ذاتياً كاملاً كما جاء في اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، وافشلت محاولات مصر لحصول الفلسطينيين على ذلك من خلال مفاوضات مصرية مضنية مع اسرائيل. فاذا رفضت منح هذا الحكم الذاتي عبر مصر الذي كان وما زال لها الثقل السياسي، فهل ستمنح القيادة الفلسطينية مثل هذا الحكم الذاتي ونحن في حالة ضعف وانقسام!
· لقد أشيع أن اسرائيل قلقة من مؤتمر الرياض، ولكن في الواقع فان هذا المؤتمر ليس لصالحنا، بل هو لصالح اسرائيل لانه حول اهتمام العرب بايران، وضرورة التصدي لها إذ أصبحت وللأسف "العدو" الأول بدلاً من اسرائيل! علماً أن نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل، كان الاكثر سروراً بعقد هذا المؤتمر الذي يراد من خلاله منح الشرعية للتطبيع مع اسرائيل، وهذا التطبيع سيكون على حساب قضيتنا.
· لقد نشر ان الرئيس ترامب طلب من اسرائيل رسم حدودها لمعرفة ماذا تريد، ولكن هذا غير صحيح، لأن اسرائيل ترفض رسم الحدود ضمن سياستها التوسعية.
· ادعى مسؤولون اميركيون ان الرئيس ترامب طلب من اسرائيل وقف البناء الاستيطاني وحصره داخل التجمعات الاستيطانية الكبيرة فقط! وهذا لم يكن صحيحاً!
· لقد أثار الرئيس عباس أمام الرئيس ترامب "حل الدولتين"، والرئيس ترامب لم يقبل بذلك، ولم يشر اليه من قريب أو بعيد خلال زيارته للمنطقة!
· لم يُلغ وعده بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، لكنه أجل ذلك لفترة معينة حتى لا يستفز الدول العربية والاسلامية، وسينفذ وعده بعد تطبيع العرب علاقاتهم مع اسرائيل.
· وجه السفير الاميركي ديفيد فريدمان دعوة لعدد من المستوطنين لحضور كلمة الرئيس ترامب في المتحف الاسرائيلي، كما أن رئيس وزراء اسرائيل نفسه وجه دعوات مماثلة، مما يعني أن ترامب يغمض عينيه عن الاستيطان، ولن يشغل "باله" فيه!
إنطلاقاً من كل ما ذكر، فان الرئيس ترامب جاء الى اسرائيل من أجل هدف مهم ألا وهو دعمها مقابل الحصول على دعم اللوبي الاميركي الصهيوني له في مواجهة ما يتعرض له من انتقادات ومحاولات عزله أو اتهامه بشتى الأمور، واجراء تحقيقات حول بعض تصرفاته وقراراته.
لقد تفاءلنا كثيراً عندما تولى الرئيس السابق باراك اوباما مقاليد الحكم، وافرطنا في التفاؤل لمواقفه المعادية للاستيطان، ولكن لم يستطع اوباما اتخاذ قرار واحد ضد الاستيطان، أو أي قرار حاسم للتوصل الى اتفاق نهائي وشامل.
فهل نتوقع من الرئيس ترامب أن يحقق لنا ما لم ترض عنه القيادة الاسرائيلية، وماذا سنقدم له اذا قرر "دعمنا"! فهو رجل أعمال وصاحب رأسمال؟ لا نستطيع تقديم أي صفقة مالية، ولا أي دعم سياسي! ولذلك لا يجب المراهنة على ترامب، فلا تفرطوا في التفاؤل، بل المطلوب أن نكون واقعيين، وان نقرأ الأحداث والتغيرات بموضوعية بعيداً عن عواطف جياشة مضللة!