عندما يُقال أن تنظيم "داعش" قد أنشىء لضرب القضية الفلسطينية، فان بعض الأشخاص والمفكرين يردون على ذلك بأن هذا تفكير "ساذج" جدا، لأن هذا التنظيم لم يهاجم بتاتا القضية الفلسطينية، ولم يضع في أدبياته وأفكاره أي شيء فيما يتعلق بهذه القضية، فلماذا نتهمه بأنه أنشىء لضرب القضية الفلسطينية.
قد يكون انشاؤه لخدمة مصالح اميركا في المنطقة، وقد تكون له اهداف أخرى منها الاساءة للاسلام من خلال تشويه صورته، وخلق فتن دينية طائفية ومذهبية، ضرب الوحدة الوطنية، تقسيم أقطارنا العربية لاضعافها. ولا أحد ينكر انه صنيعة "اميركا" وانه قد وظف لصالح مصالحها... ولكن في رأينا أنه جاء أيضاً من أجل ضرب القضية الفلسطينية، وخير اثبات على ذلك نذكر ما يأتي:
1. هذا التنظيم هو ضد المقاومة الوطنية في عالمنا العربي، فهو ضد حزب الله، وضد حركة "حماس"، وضد أي انسان يقول انه مقاوم! وقد عكس هذا الموقف في العام المنصرم عندما شنت اسرائيل عدوانا بشعاً وشرساً على القطاع استمر اكثر من خمسين يوماً، عندها "تنظيم" هاجم داعش حركتي المقاومة "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، وبالتالي وبصورة غير مباشرة وقف الى جانب اسرائيل!
2. تقسيم وتفتيت وتجزئة عالمنا العربي لصالح من؟ هل هو لصالح العرب أم لصالح اسرائيل، واليس التقسيم يعني الضعف والعجز، أكثر مما هو عليه عالمنا العربي الآن؟
3. هل هذا التنظيم يضع في أدبياته "فلسطين" أو "القضية الفلسطينية"؟ وهل اشار يوما الى ضرورة تحرير فلسطين، أو الى ضرورة دعم القضية الفلسطينية.
4. هل هاجم هذا التنظيم في اي بيان له اسرائيل، وطالبها بحل القضية الفلسطينية، واعادة الأرض لأصحابها الشرعيين!
5. حتى ان هذا التنظيم وفي بياناته واستعراضاته لم يهدد يوما الادارة الاميركية! رغم ان اميركا قادت تحالفاً "لضربه"!
6. الا يهدف هذا التنظيم الى ادخال العرب في صراع مع ايران، وتحويل البوصلة نحو ايران بدلاً من تحويلها نحو فلسطين. وهذا ما تريده اسرائيل وأعوانها.. يعني تناسي القضية الفلسطينية، واعتبار ايران العدو الاول للعرب.
7. اليس هذا التنظيم يعمل على تشويه صورة الاسلام أمام العالم من خلال ممارساته الاجرامية، وتصرفاته واجراءاته الوحشية بحق الاطفال والكهول.
8. ألم يأت لضرب تاريخ هذه المنطقة والمس بحضارتها التي نتغنى بها، فيحرق الاخضر واليابس، ويدمر المساجد والكنائس، ويحاول ازالة كل معلم من معالم الحضارات والتراث، وهذا في خدمة أعداء الأمة العربية، وفي مقدمتهم اسرائيل التي تحاول أن تقول أنها أم الحضارات، وان أصل التراث العربي هو يهودي!
9. الم يؤذِ هذا التنظيم الشعوب العربية من خلال طردها من أراضيها وبيوتها ليتحول جزء كبير منها الى نازحين ولاجئين يتوسلون لقمة العيش اليومية، ويترجون الحصول على قوتهم وزادهم اليومي بعد ان كانوا في ديارهم متمتعين بنعمة الوطن وخيراته.
10. ألم يُحضر الى منطقتنا مرتزقة من كل أنحاء العالم لتدمر ديارنا وأوطاننا، وهذه المرتزقة وللأسف قد يكون العديد من عناصرها من حثالة المجتمعات التي أتوا منها!
وبالاضافة الى كل ما ذكر سابقاً، فان هناك أمراً مهماً لا بدّ من ذكره، لا بل التأكيد عليه، وهو ان هذا التنظيم، ومن خلال ما يقوم به في العراق وسورية ومناطق أخرى، حوّل الاهتمام العربي والعالمي والدولي نحوه، واصبحت القضية الفلسطينية شبه منسية، وعلى الرف، ولا احد يذكرها. واصبح الاهتمام فقط في كيفية مواجهة هذا التنظيم، حتى ان الدول التي كانت تعتبر القضية الفلسطينية القضية الاولى، انشغلت الآن في مواجهة هذا التنظيم الذي سبّب مشاكل وازمات ودمار في هذه الدول، وحولها من دول قوية ومستقرة الى دول تعاني الارهاب وتواجهه وتتصدى له.
ولو كانت هذه التنظيمات تخدم القضية الفلسطينية، فهل ستقوم اسرائيل بتوفير المساعدة لها، وخاصة في منطقة الجولان!
لقد أنشىء هذا التنظيم واخواته واخوانه من المجموعات والتنظيمات الارهابية لضرب القضية الفلسطينية إذ أصبح المجال مفتوحا أمام اسرائيل لمواصلة البطش بنا، وفي سن قوانين ضد وجودنا، وأصبحت قضيتنا الفلسطينية تحتل المرتبة العاشرة في قائمة الاهتمامات لشعوبنا وحكوماتنا العربية.
إن تنظيم "داعش" هو داء هذه المرحلة، هذا الداء الذي ينهش في جسم قضيتنا الفلسطينية، ويضعفنا.. لذلك لا بد من ايجاد الدواء اللازم له. وهذا الدواء يكمن في أمر واحد هو التصدي له والقضاء عليه عبر وحدة الكلمة والعقل والاجراء.
فهل نعي أخطار هذا التنظيم على حاضرنا ومستقبلنا، أم أننا ما زلنا نعيش في عصر اللامبالاة وبالتالي تتراجع قضيتنا يوما بعد يوم حتى تغيب عن الذكر!
يجب أن نعي وندرك أخطار هذه المرحلة... ونعمل معا لتجاوزها بسلام، رغم كل ما دفعناه من ثمن باهظ ومؤلم ومحزن!