أسباب عديدة تقف وراء انحياز الخليج إلى جانب المؤامرة
أصدر مجلس التعاون الخليجي بياناً أعرب فيه عن قلقه بما يجري في سورية، وأدان "العنف" المفرط الذي يمارسه النظام ضد الشعب السوري.. وتزامن هذا البيان مع تصريح للعاهل السعودي الذي غمز فيه أيضاً ضد القيادة السورية طالباً منها استخدام "الحكمة" في معالجة الوضع الداخلي.. هذا الموقف الخليجي لم يأتِ من فراغ، ولكن لأسباب عديدة.
تلبية للضغط الاميركي
لا شك أن الإدارة الاميركية مارست ضغوطاً على دول الخليج العربي كي تقف إلى جانبها في المؤامرة التي تنفذها ضد سورية، إذ أن هذه الدول نأت حالها عن هذه الأوضاع، وحاولت رسمياً التغاضي عما يجري في الداخل السوري، لأن بعض الدول العربية الخليجية أرادت الحفاظ على علاقة جيدة مع سورية، وتعلم أن ما يجري ضد سورية هي مؤامرة كبيرة.
الإدارة الأميركية وعبر اتصالاتها مع قادة الخليج العربي طالبت بشدة أن يكون الموقف ليس حيادياً، محذرة اياهم من أن استمرار مثل هذه الأوضاع في سورية قد يشكل خطراً على الخليج العربي وقد ينتقل إليه، لذلك لا بدّ من موقف واضح موالٍ للموقف الدولي التي تقوده الادارة الاميركية وفرنسا وبريطانيا ضد سورية، وضد قيادتها، ولا بدّ، حسب الرغبة الاميركية، أن يقف قادة دول الخليج الى جانب الشعب السوري ومطالبه كي يظهروا أنهم مع الاصلاح وانهم "ديمقراطيون"، ويتعاملون مع شعوبهم بأسلوب حضاري لا مثيل له في العالم.
اضعاف للهلال الشيعي
هناك من يقول أن سورية هي قلب الهلال الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، فإذا تغيّر النظام، فإن هذا الهلال سيتلقى ضربة قاسية جداً... وسيكون الشيعة في موقف ضعيف، وبالتالي يمكن الانقضاض عليهم عبر فتنة دينية قذرة جداً.
وكثيرون يؤمنون بأن سورية تمثل التعايش النموذجي لكل المذاهب الدينية، وهي لذلك تمنع بصورة أو أخرى أي فتنة دينية سواء في سورية أو خارجها، ولذلك فإن ضرب النظام، هو ضربة أيضاً للتعايش النموذجي بين مختلف أطياف المجتمع السوري وخاصة الدينية منها.. ولذلك لا بدّ من النيل من سورية عبر امتطاء مطالب الشعب السوري، ليس بهدف الاصلاح بل من أجل القضاء على الوحدة الوطنية داخل سورية.
ويجب التذكير بأن سورية هي حلقة الوصل بين طرفي الهلال الشيعي المزعوم، إذ أن سقوطها لا سمح الله سيؤدي الى سقوط المقاومة في لبنان، والى كثير من الويلات السياسية والاجتماعية والدينية في عالمنا العربي.
الاصلاحات عدو لدود
بالإضافة إلى ما ذكر من أسباب لهذا الموقف الخليجي ضد سورية، فإن هناك عاملاً رئيسياً يجب ألا يغيب عن ذهوننا وأفكارنا، وهي خطوات القيادة السورية في الاصلاح.. وقد تم اصدار مراسيم رئاسية عديدة اعتبرت خطوات كبيرة في الاصلاح، اضافة الى اقرار العديد من الانظمة والقوانين الجديدة مثل قوانين الاحزاب والانتخاب والاعلام والقضايا الادارية، اضافة الى قوانين ومراسيم تنقل سورية الى دولة ديمقراطية نموذجية في منطقة الشرق الأوسط.. وهذا لا يريده القادة الخليجيون، لانه، وبعد ان تخرج سورية قوية من هذه المؤامرة، وتكون دولة مثالية في منطقة الشرق الأوسط، فإن ذلك سيشكل خطراً كبيراً على أنظمة الحكم في الخليج العربي القائمة على "الديكتاتورية"، وقد يؤدي إلى انطلاق انتفاضات.
من هنا يمكن القول أن الموقف الخليجي المناوىء لسورية جاء مناوئاً لحزمة الاصلاحات، لأن هذه الاصلاحات هي عدو لدود، فرغبة بعض قادة الخليج تكمن في ألا تتحقق هذه الاصلاحات وان تضعف سورية، وان يكون "انهيارها" رسالة للشعوب الخليجية بان الانتفاضة ضد النظام أدت الى القضاء على الوطن، والى ضياع الاستقرار..
هناك من يقول أن من أمنيات بعض زعماء الخليج العربي أن يقضي النظام السوري على مطالب الشعب عبر حملة قمع كبيرة على غرار ما تم في البحرين.. ولكن مثل هذه الأمنية لن تتحقق لأن القيادة السورية تتعامل مع مطالب الشعب بكل حكمة، وان مسيرة الاصلاح بدأت منذ عشر سنوات، ويقودها الرئيس بشار الأسد نفسه، ولذلك فان مطالب الشعب السوري السلمية محقة، ولكن هناك من يستغلها ودخل على خطها لهدف واحد وهو منع هذه الاصلاحات، وبالتالي اضعاف سورية واضعاف قوى الممانعة في العالم العربي.
موقف سيندمون عليه
عندما اندلعت حرب تموز 2006 وقفت قيادات خليجية ضد لبنان وضد المقاومة، وانتقدوها واعتبروا تصرفاتها بأنها "مغامرة"، ولكن بعد مرور الزمن تبينت الحقيقة.
واليوم يرتكب قادة الخليج خطأ فادحاً سيندمون عليه في المستقبل، لأن سورية ستخرج من هذه المؤامرة قوية، وبالتالي تعرف كيف ستتعامل مع من وقف ضدها بدلاً من أن يساعدها في أزمتها. وستتعامل مع كل هؤلاء المتآمرين بحزم ولكن بحكمة، إذ أن الموقف الرسمي السوري يتعاطى مع كل المواقف السياسية العربية والدولية بكل هدوء واتزان، وان القيادة مهتمة بالداخل السوري فقط، لأن قوة سورية بوحدتها، وهذا هو هدف القيادة السورية، وهو صون وحدة سورية، لأن هذا هو سلاحها القوي والفعال لاسقاط وافشال هذه المؤامرة الكبيرة.