ما فتئ الاحتلال الاسرائيلي يتحيّن الفرص ويستعمل كل الوسائل لطرد المقدسيين من مدينتهم، مستغلاً كل مقدراته لابتداع الأساليب وسن القوانين التي تحقق له هدفه هذا، كخطوة من خطواته العديدة التي ابتدأ في تنفيذها منذ وطأت قدمي أول جندي صهيوني أرض القدس، وهي تهويد المدينة المقدسة وتجريدها من كل ما ومن هو فلسطيني..
وقضية النواب المقدسيين والوزير الأسبق هي اللبنة التي يريد الاحتلال أن تكون النواة الرسمية لمسلسل الطرد والتهجير للفلسطينيين عن مدينتهم المقدسة، بالون اختبار إن نجح في تنفيذه، سينجح بكل يسر ومن دون معارضة – محلية ودولية - في إكمال مسلسله التهجيري، وفق مخطط سياسي يأمل في تنفيذه ليحقق أهدافه في السيطرة التامة على القدس بكل ما فيها لتكون عاصمته الموحدة الأبدية..
وكان اختيار الاحتلال للنواب الثلاثة والوزير الأسبق عن دراسة تامة مستغلاً التوجه السياسي لهؤلاء الأربعة كونهم ينتمون الى حركة المقاومة الاسلامية حماس ، ظناً منه أن هؤلاء لن يجدوا المؤازرة الكافية معهم – في منطقة ليست الأغلبية فيها لحماس- ولكن ظنه لم يكن في محله، فالمقدسيون لا يميّزون بين أبناء حماس أو أبناء فتح أو شعبية أو ديمقراطية أو ... ، فكل فلسطيني يتواجد على أرض القدس هو مقدسي بامتياز لا فرق بينهم سوى في مقدار انتمائهم الى مدينتهم المقدسة ونضالهم للبقاء فيها والحفاظ عليها وعلى مقدساتها.. فكان الرد الذي زلزل الكيان الصهيوني في التفاف الجماهير المقدسية بشيبها وشبانها وأطفالها وشخصياتها ورجال الدين المسيحيين والمسلمين حول النواب والوزير الأسبق، مؤكدين رفضهم لقرار ابعادهم عن مدينتهم، وبأن قضية النواب هي قضية كل المقدسيين على حد سواء.. ولتتحول خيمة اعتصامهم في مقر الصليب الأحمر في القدس، والتي مر على وجودهم فيها حوالي العام، الى مزار يؤمه الكثيرون وبصورة متواصلة أذهلت الاحتلال وبخاصة في الفترة الأولى من اعتصامهم، ومنهم وفود من مختلف دول العالم من أعضاء بلديات ونشطاء حقوق الانسان وأكاديميين..
"ان قضية النواب هي قضية ليست قانونية وانما سياسية بالدرجة الأولى كما هي المعركة في مدينة القدس على الوجود الفلسطيني".. بهذه الكلمات أوضح المحامي أسامة السعدي، الذي يدافع عن النواب ويتابع قضيتهم قانونياً منذ العام 2006، أي منذ اتخاذ الاحتلال لقرار الابعاد بحقهم، على أهمية هذه القضية التي أقلقت كل مواطن فلسطيني مقدسي وليس فقط النواب وعائلاتهم ..
والأهم من ذلك نقطة ربما غابت عن أذهان الكثيرين حتى من المقدسيين، وهي التي بنى عليها السعدي التماسه، وهي بان القدس العربية لا تخضع للقوانين الإسرائيلية كونها جزءاً من المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967، ويجب أن تخضع لأحكام القانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، ولاتفاقيات جنيف لعام 1949، مؤكداً بان الشعب الفلسطيني لا يستمد شرعيته من المحاكم الإسرائيلية، وبأن القانون الدولي هو الحكم، موضحاً بأنه وفقاً للقانون الاسرائيلي لا توجد هناك صلاحية للمحكمة الاسرائيلية ووزير الداخلية بسحب المواطنة والإبعاد عن القدس، وكانت النتيجة لأسئلته التي طرحها على المحكمة في جلستها الأخيرة حول هذه القضية والتي لم يحصل على أية إجابة عليها بأن تم تأجيل القضية الى موعد آخر، والذي حتى لم يتم تحديده.
ان سلطات الاحتلال من خلال تأجيلها البت في القضية تهدف الى إدخال الملل واليأس والقنوط الى قلوب المقدسيين وبخاصة النواب، معتمدين على أن الزمن سيطوي صفحة هذه القضية وبذلك يصدرون القرار الذي يتوقعه الجميع بإبعاد النواب والوزير الأسبق، معتمدين على أن تكون كل الطاقات قد استنزفت خلال فترات التأجيل، فلا يكون هناك رد قوي ومدوي حول إبعادهم في حال تنفيذه .. وبالتالي سيزيد بشراسة عمليات ابعاد المقدسيين بحجة أو بأخرى، والتي ستكون لها بداية ولن تكون لها نهاية إلا مع إخلاء القدس من مواطنيها بأكملهم ليتاح للمحتلين السيطرة الكاملة على المدينة بعد أن تفرغ من المقدسيين الأصليين ولتكون – بحسب حلمهم- مدينة يهودية بالكامل..
هذا هو مخطط الاحتلال وحلمه، وقضية النواب والوزير الأسبق هي بالون الاختبار، كما سبق وقلت، فان سهل على الاحتلال إبعاد قادة عن القدس فسيستطيع تنفيذ مخططه بإفراغ المدينة من مواطنيها بكل يسر وسلاسة ، فالاحتلال الذي رفض الالتزام بالقوانين الدولية، ولم يجد أية معارضة من قبل العالم الغربي وحتى من بعض العرب ضده، فانه سيستمر في عنجهيته، وفي انتهاكه لحقوق شعبنا الفلسطيني، كما يفعل مع المقدسيين الذين يريدون حرمانهم من أحقيتهم في البقاء في القدس...
هذا هو مخطط الاحتلال.. فكيف سنواجهه؟! هل سنهب جميعاً لنصرة النواب وبذلك ننتصر لقضية المقدسيين بأسرهم ، أم سنكلّ ونملّ ونتركهم لوحدهم يواجهون مخطط العدو، فالدور اليوم على النواب وغداً الدور على كل مقدسي ومقدسية ..