المعارض السياسي في أي حكم يعمل على تصحيح مسار أو أخطاء ترتكبها الحكومة، ويحاسبها عبر الطرق الديمقراطية الممارسة، ويعمل لاجبارها على تغيير أي قرار أو قانون خاطىء أو ممارسة خاطئة حسب رأيه أو ايمانه أو معتقده الوطني.
المعارضة لم تقم من أجل معارضة كل شيء في الدولة، فالمعارضة الوطنية تقف مع الموالاة، أي الجهة الحاكمة، في المواضيع الحساسة التي تتعلق بالوطن، فاذا تعرض الوطن لاعتداء فان المعارضة تسير كتفاً الى كتف الموالاة، الحكومة المسؤولة، في مواجهة هذا العدوان. واذا تعرض الوطن لاجراءات دولية ظالمة، فان المعارضة الوطنية الحقيقية ترفض ذلك وتعارضه، وتدعم الحكومة لان كل هدف المعارضة البناءة والوطنية هو حماية الوطن أولاً، كي يكون في أحسن حال سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وادارياً.
من هنا يمكن القول أن المعارضة البناءة والوطنية ضرورية في أي بلد كان من أوطان أو أقطار العالم، وجل اهتمامها مصلحة الوطن أولاً وأخيراً، ومصلحة المجتمع، أي مصلحة أبناء الوطن أنفسهم الذين هم الذين يشكلون الوطن، وهم حماته والمرابطون عليه.
أما المعارضة التي تهدف الى تدمير الوطن، والى فرض آرائها ومواقفها بقوة السلاح، فهي ليست معارضة، هي تمرد عسكري خارج عن القانون، ومن حق النظام الحاكم التصدي لهكذا تمرد تدميري، ووضع حد له.
وهناك معارضة وطنية تعمل خارج الوطن، ونقول وطنية لانها لا تتآمر مع الخارج ضد وطنها، ولا تسمح باحتلاله، ولا تقبل بالمس بسيادته، هي معارضة حريصة على الشعب، ولذلك فهي معارضة وطنية حقاً وحقيقة لانها اتخذت اسلوب المعارضة السلمي، وابتعدت عن الارتماء في احضان الآخرين، وخاصة اعداء الوطن.
لننظر الى المعارضة التونسية قبل ثورة الشعب، وثورة المظلومين التي اطاحت بنظام زين العابدين، فكانت معارضة وطنية تقيم خارج الوطن، وتدعو الى الاصلاح وتعديل الوضع العام وتحسينه، ولم نسمع في يوم من الايام ان هذه المعارضة تحالفت مع قوى معادية لتونس لاسقاط الدولة او النظام او الرئيس، أو لتحسين الوضع.. هي معارضة حقيقية بناءة كانت تقول كلمتها حرصاً على تونس، وكانت تقيم في الخارج لانها اجبرت على ذلك.
لننظر الى ما كان يسمى بـ "المعارضة العراقية"، هذه المعارضة جاءت الى الوطن على ظهر الدبابات الاميركية، أي أنها سمحت باحتلال وطنها، ومصادرة كل ما تتوفر فيه من موارد طبيعية، وتدمير كل شيء تحت شعار الحرية والديمقراطية، فأين هو العراق الآن.. فهل المعارضة التي تتعاون مع العدو هي "معارضة"، انها ليست "معارضة" ويجب الا تُسمى او تدعى معارضة بل يجب ان تدعى "زمرة مأجورة أو خائنة"، لانها لا تنتمي الى الوطن ما دام ولاؤها للخارج، وتعمل في خدمته.
إننا مع كل تحرك وطني وشعبي معارض بصورة سلمية يطالب بالاصلاح، فنحن مع الاصلاح، حتى ان أية مؤسسة عادية اذا لم تجر اصلاحاً في ادائها وخدماتها فانها تترهل مع مرور الايام.. الاصلاح هي عملية متواصلة ومستمرة، وتتم بهدوء وروية وتخطيط سليم.
في تونس انطلقت الثورة لان زين العابدين لم يُصغ في اي يوم من الايام الى مطالب الشعب المتواصلة لسنوات، وفي اليمن هناك حركة ثورة شبابية ومعارضة عادية.. وكل يعمل بطريقته ضد الرئيس اليمني بعد أن اغلق وسد اذنيه لمطالب الشعب لسنوات طوال، اما في مصر فان الثورة الشعبية انطلقت بعد أن ارتكب النظام أخطاء كبيرة، وسار بركب الاعداء، أي أنه كان موالياً لاعداء مصر أكثر بكثير من ولائه للوطن، وخاصة لرغبات الشعب، وبالاضافة الى المواقف السياسية المرفوضة من قبل الشعب، كانت هناك ممارسات اجتماعية.. لم يأبه النظام او المسؤولون لسماع دعوات الشعب بوضع حد لذلك. ومن هنا نجحت هذه الثورة السلمية جداً جداً كما نجحت ثورة تونس السلمية.
إذا أردنا التحدث عن المعارضة في ليبيا فإنها غريبة عجيبة ولا نستطيع ان نصفها بالمعارضة لأنها ليست معارضة وليست ثورة، لان المعارضة تكون لخدمة الوطن، والثوار ضد الاحتلال وليس ضد الوطن، ولا تعمل على تدميره وتقسيمه.. وما يجري في ليبيا لا يهدف الى اسقاط القذافي بقدر ما يهدف الى تدمير ليبيا كلها.
أما الوضع في سورية فإنه يختلف، غالبية الشعب مع الرئيس بشار الاسد، والذي هو بنفسه يدعو الى الاصلاح ويتعامل مع أبناء شعبه بتواضع وشفافية، ويعتبر نفسه واحداً من أبناء هذا الشعب، يسمع طلبات المواطنين ويصغي الى رغباتهم، ويعترف بوجود أخطاء لا بد من ازالتها والعمل بصورة سليمة لتحقيق ذلك، انه يريد أن يبني سورية المدنية التي كما قال في خطابه الاخير "لتعلم الآخرين على الديمقراطية والحرية". وهناك في سورية معارضة وطنية أيدت مسيرة الاصلاح، وهناك "متمردون" أو "عبيد مأجورون" لرغبات الآخرين لانهم ضعاف النفوس ينفذون مخططات اعداء سورية، الذين يريدون تدمير سورية، والمس بمواقفها الوطنية، وضرب مسيرة الاصلاح.. اننا ضد كل من يستخدم السلاح ضد ابناء وطنه، وضد أي "حركة" تستجير بالاعداء، وهدفها الاول والأخير خدمة مصالح الاعداء مقابل حفنة من الدراهم أو الدولارات..
المعارضة السورية الوطنية والبناءة نحن معها، لأنها تؤيد مسيرة الاصلاح، وتدفع للاسراع في المضي قدماً فيها، ولا تعمل على عرقلتها.
إننا حريصون على وطننا العربي كله، نحن فقط والف فقط مع المعارضة الوطنية والبناء، ونحن مع الاصلاح، ولكننا ضد أية محاولة للنيل من أي قطر عربي. وضد التدخل الاجنبي في شؤونه، وضد اصدار املاءات ونصائح وارشادات للقيادة والأبناء على حد سواء.
تحية لكل انسان شريف يخدم وطنه ويضحي من أجله ويذود عنه ويمنع التدخل في شؤونه.. وبئس العبد الاجير الذي يقف ضد وطنه وشعبه عن دراية أو غير دراية، ولعنه الله على أي زمرة خائنة تستجير بالعدو وتقف الى جانبه وتدعمه في تنفيذ مخططاته لتدمير الوطن والنيل من مواقف قيادته الوطنية.
تحيات لكل الثوار في تونس ومصر.. وتحية لكل من يدعم مسيرة الاصلاح في وطنه، وخاصة في سورية، لان المطلوب هو تحقيق الاصلاح السياسي الشامل وذلك بالعمل الجاد المشترك، ومن خلال التصدي للعدو وادواته الذين يعيثون بالارض فساداً وفوضى وخراباً.