ثلاثة وستون عاماً مرت منذ نكبة الشعب الفلسطيني.. منذ شُرّد الأطفال والنساء والشيوخ عن أرضهم ووطنهم ليعيشوا في الشتات عاماً بعد عام، يتأملون أن يكون اليوم القادم هو يوم عودتهم الى أرض الوطن .. حلم لا يريدون التخلي عنه ويمنّون النفس بأن يتحقق ..
أطفال شبّوا وأصبحوا رجالاً وشيوخاً .. مر عليهم كل يوم من أيام التشرّد كدهر لا يريد أن ينتهي.. تهجير وتشتيت في أرجاء الأرض .. عاشوا كل أنواع المعاناة.. فقر وجوع وألم واشتياق لكل شبر من أرض فلسطين ولكل حجر من حجارتها .. ولكل زاوية من زواياها .. ولحواريها وطرقاتها.. فما أعظم عذاب الغربة وما أفظع مرارة أن يموت والدان في الغربة وهما يوصيان أولادهما بأن يحتفظوا بمفتاح بيتهم وحجة أرضهم والتمسك بحقهم في العودة كحق مقدس يجب أن لا يتنازلوا عنه مهما كان الثمن غالياً.. وطفلات كبرن وتزوجن وأنجبن أبناء رضعوا مع حليب أمهاتهم أن لا بد من العودة الى ارض آبائهم وأجدادهم وتحقيق وصيتهم وحلمهم الذي لم يستطيعوا هم تحقيقه..
حلم العودة .. بل حق العودة .. يريدون أن يمحوه من أذهان أبنائنا في الغربة .. حلم يريدون له أن يصبح سراباً عندما يفقد هؤلاء الأطفال والنساء والشيوخ الأمل في العودة.. ولكن لا وألف لا .. فالفلسطيني الذي رضع مع حليب أمه حب الوطن وحتمية العودة إليه لن ينسى في يوم من الأيام بأنه أبن فلسطين .. يحمل في قلبه حباً لوطنه لا يمكن لأي قوة كانت أن تقتلعه منها.. أو ان تحرمه من العيش فيه مهما كانت المغريات، ومهما بلغت التضحيات..
ثلاثة وستون عاماً مرت على شعبنا الفلسطيني في المهجر .. في مخيمات الشتات .. ورغم ان العديد منهم تأقلموا مع شعوب البلاد العربية التي فتحت أبوابها لهم واستقبلتهم وحضنتهم .. الا أن ذلك لم يجعلهم يغفلون ولو للحظة أن هناك وطناً ينتظر عودة أبنائه اليه، وظلوا يرسمون في مخيلتهم كيف هي لحظة الفرح عندما يتحقق لهم حلم العودة و تطأ أقدامهم أرض الوطن .. ليستنشقوا رائحة برتقاله، وعبير أزهاره ورياحينه، وعبق ياسمينه، وينتشوا بنسيم بحره ، وليغرفوا حبات ترابه المقدس يشمون فيها رائحة كل قطرة دم سالت لتروي أرض هذا الوطن .. وليسجدوا راكعين شاكرين الله تعالى على هذه اللحظات السعيدة التي لا تقدر بثمن..
كم نحب وطننا، وكم نشتاق للعودة إليه.. وسؤال من أطفال يوجهونه كل يوم لذويهم .. "متى نعود الى بيتنا .. متى نشد الرحال الى وطننا وأرضنا لنعيش حياة الاستقرار والطمأنينة أسوة بشعوب العالم وأطفال العالم" ..
"لا تفقدوا الأمل .. سنعود يوماً .. لا بد أن نعود مهما طال الزمن وسنتمسك بحقنا في العودة .. ولن يحرمنا أحد من هذا الحق" .. جواب يسمعونه كل يوم ويتمسكون بكل كلمة من كلماته ويحفظونها في عقولهم وقلوبهم وفي ذاكرتهم كما حفظها آباؤهم وأجدادهم من قبلهم ككلمات كتاب مقدس لا يمكن أن تمحى من ذاكرتهم، ولا يمكن لأي قوة كانت أو أية مغريات أن تنسيهم ولو حرفاً من حروفه..
انه الوطن .. العزيز على قلب كل فلسطيني .. صغيره قبل كبيره .. انه الوطن الذي ضحى أبناؤه من أجله وما زالوا .. من أجل أن يتحرر من نير الطغيان والظلم .. من أجل أن ينعم بالحرية والاستقلال.. من أجل أن ترفرف أعلام فلسطين فوق كل بقعة منه .. من أجل أن يعود أبناؤه اليه .. من أجل أن يصلوا في كنائسه ومساجده .. في الأقصى والقيامة والحرم الابراهيمي الشريف .. الذين مات آباؤهم وأجدادهم وهم يمنون النفس بأن يزوروه ولو مرة واحدة ولم يتحقق لهم حتى الأمل بأن يدفنوا فيه..
انه الوطن .. انها فلسطين التي يعشقها كل فلسطيني .. والتي ستظل محبوبته الغالية التي لم ولن يتنازل عنها، ولن يفقد الأمل أبداً في أن يعود اليها .. لذلك يا مغتصبي أرضنا ووطننا ويا من شردوا أهلنا لا تتعبوا أنفسكم ولا تمنوا النفس بأن ينسى وطنه أي لاجئ أو نازح من أبنائنا، أو أي شخص أجبر على الهجرة منه .. فحلم العودة .. بل حق العودة سيظل يراوده ليل نهار .. ساعة بساعة.. بل لحظة بلحظة.. ولا يمكن أن يتخلوا عنه، وسيعمل شعبنا من أجل تحقيقه بكل ما أوتي من قوة.. ولا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي يعود فيه كل فلسطيني الى أرضه ووطنه، مهما فعل أعداؤنا، ومهما حاولوا من مكائد ومخططات للتحايل عليه للتنازل عن حقه في العودة، أو مهما طرح عليه من بدائل مغرية، فلا شيء مهما كان يمكن أن يعوض الفلسطيني عن حفنة من تراب وطنه الغالي..