رَحَّب جميع أبناء شعبنا الفلسطيني من مختلف الطوائف والفصائل والقوى والانتماءات بتوقيع اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، واعتبروا هذا الحدث تاريخياً ومهماً في مسيرة شعبنا النضالية ضد الاحتلال البغيض، وخطوة مهمة نحو تحقيق أماني شعبنا في الاستقلال بعد انهاء الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية، والحصول على جميع الحقوق السياسية.
لم يبقَ انسان أو مسؤول شريف إلا ومدح هذه الخطوة.. ولكن هناك من لم يعجبه هذا الحدث وحاول الطعن به، وهو العدو الاسرائيلي إذ صرح رئيس وزراء اسرائيل اليميني المتطرف جداً بنيامين نتنياهو بأن هذا الاتفاق سيعرقل مسيرة السلام، وهنا يضحك نتنياهو أولاً على نفسه، ومن ثم يضحك على المجتمع الدولي وعلى من يدعمه إذ ليست هناك مسيرة سلام، وقد توقفت هذه المسيرة منذ اعتلائه سدة رئاسة الحكومة الاسرائيلية، ومنذ أن أكد أنه لن يوقف الاستيطان بل سيعززه ويواصل توسيعه، معتبراً هذا الاستيطان حقاً من حقوق اسرائيل في الضفة الغربية.
وكذلك قوى اليمين الاسرائيلي لم يعجبها هذا الاتفاق لأنها تريد أن تبقى الساحة الفلسطينية منقسمة على نفسها وبالتالي ضعيفة، وكذلك من أجل الادعاء بأنه لا يوجد شريك فلسطيني ليتم التفاوض معه، والادعاء بأن السلطة الوطنية الفلسطينية لا تمثل كل الشعب، ولا تمثل قطاع غزة.. ولكن اليوم فان هذه الاقوال والأعذار للتهرب من استحقاقات التفاوض الجاد قد ولّت، ولا وجود لها إذ أن الساحة الفلسطينية أضحت موحدة، وليس هناك من يراهن على الانقسام.
واسرائيل ضد توحيد جناحي أو شطري الوطن، القطاع مع الضفة الغربية، لانها تريد أن يبقى الجناحان متباعدين ومنفصلين سياسياً وجغرافياً.. لكن الوحدة السياسية تقرب بينهما، وهذا يعني ان على اسرائيل بعض المستحقات وأهمها الممر الآمن الذي يربط القطاع بالضفة، وقادة اسرائيل لا يريدون اقامة هذا الممر، ولا يريدون أن يكون الوطن موحداً ومناطقه متواصلة، بل يريدونه مقطع الأوصال وفي جزر متناثرة تحكم ما بينها اسرائيل، وبالتالي تسيطر على هذه المناطق سيطرة كاملة، وتضيّق عليها كما ومتى تشاء تحت ذرائع عديدة.
اسرائيل غير معنية بأي وفاق فلسطيني، وغير معنية بتحقيق سلام، والآن وجدت ان اتفاق المصالحة خير "شماعة" أو حجة للتهرب أو بالأحرى مواصلة التهرب من مسيرة السلام واستحقاقاتها. وان اتفاق المصالحة هو السبب (في ادّعائها) الذي يقف وراء عدم تحقيق أي انجاز على ارض الواقع تحت ذريعة أن "حماس" لا تعترف بدولة اسرائيل، لذلك فهي "ارهابية"، وممنوع التعامل معها، أو توفير أي تسهيل لها.
والدليل على غضب اسرائيل على هذا الاتفاق هو تجميد مستحقات السلطة من الاموال التي تجنى كضرائب من الفلسطينيين، والايعاز للبنوك الاسرائيلية بعدم تحويلها، وبالتالي البدء بسياسة الحصار والخناق على السلطة الوطنية الفلسطينية لالغاء هذا الاتفاق.
ما دام هذا الاتفاق يقلق اسرائيل، ويغضبها، فان ذلك يعني ان الاتفاق هو لمصلحة الشعب الفلسطيني، ويعني أيضاً أن صونه واجب ملقى على عاتق كل فصيل وكل فلسطيني. وصونه لا يتم عبر كلمات وتصريحات، بل عبر الممارسة على أرض الواقع، وعبر تطبيق الاتفاق كاملاً، وتجاوز أي خلاف بالحوار البناء وبنوايا صادقة، وبجهود جادة.
ولا بُدَّ من الاشارة الى أن الاتفاق جاء ليعزز الموقف الفلسطيني في هذه المرحلة الحساسة، وقبل أشهر معدودة من الموعد المحدد لاعلان اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وللحصول أيضاً على دعم المجتمع الدولي لهذا الاعلان عبر تصويت متوقع الى جانب الدولة الفلسطينية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم.
ولا بُدَّ من التركيز والتأكيد على أن المرحلة القادمة لا تسمح بعودة الانقسام، ولا تسمح بالخلاف، ولا تسمح بأي ضعف على الساحة الفلسطينية، ولذلك فإن جميع قادة الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية والمستقلة وكل الشرفاء يتحملون الآن مسؤولية جمة وحساسة، وبالتالي عليهم مسؤولية لا بل واجب الحفاظ على هذا الاتفاق، ومنع أي شائبة أو أية وجهة نظر معينة من المساس به، لان الوضع لا يحتمل بتاتاً، وقد تكون نتيجة ذلك مصيرية ومؤلمة حقاً وحقيقة.
لا يهم ما يقوله الاعداء والخصوم في هذا الاتفاق، وما يهمنا هو وحدتنا، ويهمنا أن نبقى وان نكون دائماً أقوياء، لنمنع أي شخص من اختراق ساحتنا، ويهمنا أن نكون موحدين نصون وحدتنا الوطنية ونحافظ عليها ونتمسك بها، لان العدو لا يفرق بين فلسطيني وآخر، وهو يستهدف وطن الجميع وارض الجميع. ويستهدف كل فلسطيني يطالب بحقه السياسي الكامل.. ويستهدف تصفية القضية، وتحويلها الى قضية "انسانية" أو خيرية أو اجتماعية فقط، ولن يقبل بأن تبقى قضية سياسية لانها بالحقيقة كذلك، وحتى لو حاول الاسرائيليون اللعب بالالفاظ والكلمات الجميلة والمعسولة، فإن أهدافهم في تصفية القضية واضحة المعالم لا لبس فيها ولا غبار عليها.
من هنا يمكن القول أن اتفاق المصالحة يعيد الينا البسمة، كما انه يعيد الينا القوة، فالوحدة الوطنية هي قوة، ودرع واقٍ وقوي.. لذلك علينا الحفاظ على هذا الدرع، ومن يفرط به يفرط بمصالح الوطن.
نَشٌّدُ على أيادي كل المخلصين الذين ساهموا في التوصل إلى هذا الاتفاق، ونشد على أيادي كل من يعمل لصون هذا الاتفاق عبر تطبيقه على أرض الواقع.. ولنكن مستعدين لمرحلة صعبة قادمة، ولنثبت أننا شعب يستحق نيل حقوقه كاملة، ويستحق دولة مستقلة كاملة السيادة.. وهي آتية لا محالة وفي المستقبل القريب جداً جداً.