لاحظ مدرسو اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية في لوس أنجلوس ظاهرة مقلقة مؤخرًا. طلاب كانوا يعانون طوال الفصل الدراسي بدأوا فجأة في الحصول على أعلى الدرجات. اشتبه المدرسون في وجود غش، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد الطريقة، إلى أن كشف أحد الطلاب السر: النسخة الأحدث من أداة “جوجل لينس” (Google Lens).
قامت جوجل مؤخرًا بتسهيل استخدام أداة البحث البصري هذه على متصفح “كروم”. بمجرد النقر على أيقونة في شريط البحث، تظهر “فقاعة” متحركة. أينما يضع المستخدم هذه الفقاعة، يظهر شريط جانبي يقدم إجابة أو شرحًا أو تفسيرًا فوريًا بالذكاء الاصطناعي لأي شيء داخل الفقاعة. بالنسبة للطلاب، أصبحت هذه الأداة وسيلة سهلة للغاية للغش في الاختبارات الرقمية دون الحاجة لكتابة أي سؤال أو حتى مغادرة صفحة الاختبار.
مخاوف المعلمين والعودة إلى “الورقة والقلم”
يقول المدرس داستن ستيفنسون: “لم أصدق ذلك. التدريس صعب بما فيه الكفاية في عصر الذكاء الاصطناعي، والآن علينا التعامل مع هذا؟”. لطالما كانت مطاردة طرق الغش لدى الطلاب لعبة “قط وفأر” مستمرة، لكن بعض المعلمين يؤكدون الآن أن أدوات الذكاء الاصطناعي، وخاصة “لينس”، جعلت من المستحيل فرض النزاهة الأكاديمية، مما يهدد بآثار ضارة طويلة المدى على تعلم الطلاب.
تفاقمت المشكلة بسبب انتشار أجهزة “كروم بوك” (Chromebooks) في المدارس، والتي تبرعت جوجل بالآلاف منها خلال جائحة كوفيد-19. يستخدم ملايين الطلاب في كاليفورنيا هذه الأجهزة، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من التعليم اليومي. هذا الوضع دفع بعض المعلمين، مثل ويليام هيسلر، مدرس الدراسات العرقية في لوس أنجلوس، إلى التخلي عن التكنولوجيا تمامًا في فصله والعودة إلى الأساسيات: القلم الرصاص والورق. ويضيف هيسلر: “نريد من المراهقين أن يفكروا بشكل مستقل ويتعلموا التفكير النقدي. إذا أعطيناهم أداة تسمح لهم بعدم تطوير هذه المهارات، فأنا لست متأكدًا من أننا نساعدهم فعليًا”.
تأثير الذكاء الاصطناعي على المهارات المعرفية
مخاوف هيسلر ليست فردية. فوفقًا لبحث أجراه “مركز الديمقراطية والتكنولوجيا”، وجد استطلاع حديث أن أكثر من 70% من المعلمين لديهم مخاوف بشأن ما إذا كان عمل الطلاب هو عملهم الخاص بسبب الذكاء الاصطناعي. كما أعرب ما يقرب من 75% عن قلقهم من عدم تعلم الطلاب مهارات مهمة مثل الكتابة والبحث والفهم القرائي.
هذا التأثير يبدو حقيقيًا، وفقًا لدراسة حديثة أجراها “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT) بعنوان “عقلك تحت تأثير ChatGPT”. وجدت الدراسة أن الطلاب الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لكتابة المقالات أظهروا نشاطًا معرفيًا أقل بنسبة 55% من أولئك الذين لم يستخدموه. كما كانت المقالات نفسها ذات جودة رديئة، بأفكار وهياكل جمل ومفردات محدودة مقارنة بتلك التي كتبها الطلاب بأنفسهم.
على مستوى الجامعات: نقاش عالمي حول مستقبل التعليم
هذا التحدي لا يقتصر على المدارس، بل يمتد إلى التعليم العالي. ولمناقشة هذا الواقع الجديد، تجمع ما يقرب من 200 من قادة الجامعات من 40 دولة في “منتدى رؤساء الجامعات العالمي 2025” بجامعة تشجيانغ في الصين، لرسم مستقبل التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي.
أكد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في موازنة موارد التعليم العالمية، وتحسين جودة التدريس، ودفع التعاون البحثي الدولي. لكنهم دعوا أيضًا إلى وضع أطر أقوى لضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي كأداة للشمول، وليس للانقسام، في التعليم العالي.
الاستراتيجية: “استخدم ولكن بحذر”
أشار كولين بيلي، رئيس جامعة كوين ماري في لندن، إلى أن الأمر “ملح للغاية” لأن الذكاء الاصطناعي يُستخدم يوميًا في الصناعة وتستثمر فيه الشركات الملايين لزيادة الإنتاجية. وبدلاً من الحظر، تتبنى الجامعات نهجًا للتكيف. أوضحت جوان رايت، نائبة رئيس الجامعة للتعليم في جامعة سيدني: “في جامعة سيدني، نشجع الطلاب على استخدام الذكاء الاصطناعي. نسمح لهم باستخدامه، لكن يجب عليهم إخبارنا بأنهم استخدموه. وفي الوقت نفسه، نجري بعض التقييمات التي لا يُسمح لهم فيها باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
أكد الخبراء أيضًا على التحذير من تأثير الذكاء الاصطناعي على الإدراك البشري والتفكير النقدي. وشدد وو فاي، عميد الكلية الجامعية بجامعة تشجيانغ، على أن الهدف هو أن يفهم كل طالب الذكاء الاصطناعي ويستخدمه ويبتكر به، لا أن يحل محله.
المستقبل: التعاون بين الإنسان والآلة
شدد رئيس جامعة كوين ماري على أهمية تعليم الناس كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح. وأضاف: “الذكاء الاصطناعي متحيز، ويمكن أن يعطي إجابات خاطئة، ونحن بحاجة للتأكد من أن الطلاب جاهزون للتوظيف وقادرون على استخدامه بشكل سليم لتعزيز الإنتاجية، ولكن بشكل أخلاقي”.
الإجماع الواضح بين قادة الجامعات هو أن جامعة المستقبل يجب أن تكون مكانًا للتعاون بين الإنسان والآلة. ويكمن التحدي الآن في ضمان تزويد المعلمين بالمعرفة اللازمة بالذكاء الاصطناعي لقيادة هذا التحول، وتحويل الثورة التكنولوجية إلى تطور تعليمي حقيقي.






