نحن نرى الآن الوجه القبيح للصراع الإسرائيلي الفلسطيني “الطبيعي الجديد” في غزة

وفي غزة، جاء الشتاء مصحوبًا بعواصف شديدة الشهر الماضي. استيقظت في الليل على كارثة. غمرت المياه خيمتنا وحولت “أرضيتنا” إلى بركة ضحلة. كانت الفرش والوسائد مبللة بالكامل، وأدوات الطبخ مغمورة، والملابس مبللة، وحتى حقائبنا – التي كانت بمثابة “حاوياتنا” – امتلأت بالماء. لم يترك أي شيء جافًا في الداخل.

وبينما كنت أحاول معرفة ما يجري، سمعت فجأة أطفالًا يبكون عند مدخل خيمتنا. فتحتها سريعًا لأرى ثلاثة أطفال من الخيمة المجاورة، شفاههم زرقاء من البرد، وأمهم ترتعش خلفهم وهي تقول: “نحن مبللون تمامًا.. المطر يغلي في الداخل والمياه في كل مكان”.

ومن حولنا تكرر نفس المشهد المأساوي: نساء وأطفال وشيوخ يجلسون في الشوارع تحت المطر، وتبللت أسرّتهم وأمتعتهم متناثرة، والارتباك والدموع تملأ الأجواء.

لقد عانى جميع الفلسطينيين النازحين البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة والذين كانوا يفتقرون إلى المأوى المناسب في ذلك اليوم، وهم أشخاص ليس لديهم أي حماية ضد الطقس أو عواصفه المفاجئة.

أما نحن فقد استغرقنا يومين كاملين لتجفيف أغراضنا لأن الشمس نادراً ما تطلع؛ كل شيء بارد ورطب. لم ننتقل إلى مكان آخر، بل بقينا حيث كنا، محاولين إنقاذ ما نستطيع إنقاذه، لأنه لم يكن هناك مكان آخر نذهب إليه.

وبعد أسبوع واحد فقط، أعقبتها عاصفة شتوية أقوى وأمطار غزيرة. غمرت المياه الخيمة مرة أخرى. الأطفال الصغار يتجمدون تحت المطر مرة أخرى.

هذا الأسبوع، عندما ضربت العاصفة بايرون، غمرتنا المياه مرة أخرى. ورغم كل الجهود التي بذلناها لتقوية الخيم وتأمينها بإحكام وجلب أقمشة أقوى، لم ينجح شيء. وكانت الرياح شديدة، والأمطار غزيرة، وتدفقت المياه من كل الاتجاهات. ولم تمتص التربة أي شيء آخر. بدأت المياه ترتفع بسرعة تحت أقدامنا، محولة المنطقة بأكملها إلى مستنقع.

ودمرت الرياح القوية ما لا يقل عن 27 ألف خيمة، بحسب السلطات. هؤلاء هم 27,000 عائلة كافحت بالفعل وليس لديهم الآن أي شيء، ولا مأوى، ولا مكان للاختباء من المطر والبرد.

كما انهارت المنازل التي تضررت بسبب الأمطار حيث كان الناس يحتمون. كلما كانت هناك عاصفة أو رياح قوية، نسمع صوت الحطام والأعمدة الخرسانية المتساقطة من المباني المتضررة بشدة بالقرب منا. هذه المرة أصبح الوضع سيئا للغاية حيث توفي 11 شخصا في انهيار المبنى.

ومن الواضح أنه بعد كل ما تحملناه، فإننا – مثل غيرنا من الفلسطينيين النازحين – لا نستطيع البقاء على قيد الحياة لشتاء ثالث في هذه الظروف القاسية. عشنا شتاءين في النزوح، نعيش في خيام لا تحمي من البرد أو المطر، ننتظر بصبر مرهق هدنة تنهي معاناتنا. وأخيراً تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولكن لم يكن هناك أي راحة. نحن في نفس المكان، جثث ذبلت بسبب سوء التغذية والمرض، تحت خيم لبستها الشمس والرياح.

نحن عائلة مكونة من سبعة أفراد ونعيش في خيمة مساحتها أربعة في أربعة أمتار (13 قدمًا في 13 قدمًا). لدينا طفلان يبلغان من العمر 5 و10 أعوام وجدتنا البالغة من العمر 80 عامًا. نحن، الكبار، يمكن أن نعاني من البرد والألم. ولكن كيف سيتعامل كبار السن والأطفال مع ما نعيشه كل يوم؟

ننام على فرشات ملتصقة بالأرض مباشرة، يتساقط البرد من الأسفل والأعلى، ولا نملك سوى بطانيتين لا تستطيعان حمايتنا من برد الليل. كل شخص في الخيمة لديه بطانيتين تكفيان لتوفير الدفء المؤقت. لا يوجد مصدر للحرارة، ولا كهرباء، ولا سخان، فقط أجساد منهكة تحاول مشاركة أي دفء موجود.

جدتي لا تتحمل البرد على الإطلاق. أشاهدها ترتجف طوال الليل، ويداها على صدرها تحاول أن تثبت نفسها. كل ما أمكننا فعله هو تكديس كل بطانية فوقها ومراقبتها بفارغ الصبر حتى تغفو.

يعيش الكثير من الناس في غزة ظروفًا أسوأ بكثير من ظروفنا.

معظم العائلات التي تريد خيمة بسيطة فوق رؤوسها لا تستطيع تحمل تكاليفها. يمكن أن تصل تكلفة الخيام إلى 1000 دولار؛ يمكن أن يصل إيجار نصب خيمة على قطعة أرض إلى 500 دولار. أما أولئك الذين لا يستطيعون الدفع فيعيشون في ملاجئ مؤقتة في الشوارع.

فمثلاً شارع صلاح الدين مزدحم بهم. معظمها عبارة عن بطانيات معلقة وملفوفة حول مساحات صغيرة لتوفير الحد الأدنى من الخصوصية، ولا توفر أي حماية من المطر أو البرد. لقد انفجروا مع أي هبوب رياح قوية.

كما يعيش الأطفال مباشرة في الشوارع، وينامون على الأرض الباردة. لقد فقد الكثيرون والديهم في الحرب. عندما تمر بهم، تراهم – أحيانًا صامتين، وأحيانًا يبكون، وأحيانًا يبحثون عن شيء يأكلونه.

وعلى الرغم من الوعود المتكررة بالمساعدات وإعادة الإعمار، فإن تدفق الإمدادات إلى غزة لم يحدث أي تغيير تقريباً على أرض الواقع. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت الأمم المتحدة أنها تمكنت من توزيع 300 خيمة فقط في نوفمبر/تشرين الثاني؛ حصلت كل أسرة على طرد غذائي واحد لـ 230 ألف أسرة.

لم نتلق أي طرود غذائية – فهناك عدد كبير جدًا من الأشخاص المحتاجين، وعدد قليل جدًا بحيث لا يستطيع الجميع الوصول إليه. وحتى لو وجدنا واحدة، فإن محتوياتها لم تكن لتصمد أمامنا أكثر من أسبوع أو أسبوعين.

أسعار المواد الغذائية ترتفع. أما المواد المغذية مثل اللحوم والبيض فهي إما غير متوفرة أو باهظة الثمن. لم تحصل معظم العائلات على وجبة البروتين المناسبة لعدة أشهر.

ولا توجد حملة جماعية لإزالة الأنقاض أو تسوية الأرض حتى يتمكن الناس من نصب خيامهم بسبب نقص المعدات. لم يتم اتخاذ أي ترتيبات إقامة دائمة للعائلة.

كل هذا يعني أننا نواجه الآن احتمالا مرعبا: فالحياة في خيمة ــ خيمة يمكن أن تغمرها المياه أو تعصف بها الرياح في أي لحظة ــ قد تصبح واقعنا على المدى الطويل. إنها فكرة لا تطاق.

أثناء القصف كنا نعيش في خوف دائم من الموت، وربما طغت شدة الحرب على كل شيء آخر: البرد، المطر، الخيمة تهتز فوق رؤوسنا. ولكن الآن، وبعد توقف القصف الضخم، فإننا نواجه بشاعة “الوضع الطبيعي الجديد” في غزة.

وأخشى أن يكون هذا الشتاء أسوأ بالنسبة لغزة. ومع انعدام الحرارة، وعدم وجود مأوى حقيقي، والطقس الذي يزداد سوءاً كل يوم، نشهد العديد من الوفيات بين الأطفال وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وفي الوقت نفسه، تم الإبلاغ عن أول حالة وفاة بسبب انخفاض حرارة الجسم – الرضيعان رهف أبو جار وتيم الخاجة، وهديل المصري البالغة من العمر تسع سنوات. إذا كان العالم ملتزماً حقاً بإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، فيجب عليه أن يتخذ إجراءات حقيقية وعاجلة وأن يضمن حصولنا على الأقل على الظروف الأساسية للبقاء على قيد الحياة: الغذاء والمأوى والرعاية الطبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

رابط المصدر

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا