في الشهر الماضي، كنت أنتظر سيارة أجرة مشتركة في دوار النصيرات عندما شاهدت مشهدًا مفجعًا. وبينما كنت واقفاً على جانب الطريق، شعرت بيد صغيرة تسحب ملابسي.
نظرت إلى الأسفل فرأيت طفلة صغيرة، لم يتجاوز عمرها ثماني سنوات. وكان حافي القدمين، وقميصه ممزق، وشعره أشعث وأشعث. كانت عيناها جميلتين، ووجهها يظهر البراءة، لكن التعب واليأس خيما عليها.
وتوسل إليه: “من فضلك، من فضلك، أعطني شيكلًا واحدًا فقط، بارك الله فيك”.
قبل أن أعطيه المال، قررت أن أتحدث معه. ركعت وسألت: “عزيزتي، ما اسمك؟”
أجاب بصوت خائف: “اسمي نور، وأنا من الشمال”. اسمه، الذي يعني “النور” باللغة العربية، يتناقض بشكل صارخ مع الظلام المحيط به.
فسألته: لماذا تريد المال يا نور؟
نظر إلي بتردد، ثم همس: “أريد أن أشتري تفاحة… أريد تفاحة”.
وفي غزة يبلغ ثمن التفاحة الآن 7 دولارات؛ قبل الحرب، كان سعر كيلوغرام التفاح أقل من دولار واحد.
حاولت أن أتجاهل الألم في صدري. فكرت في الوضع الذي نواجهه الآن، حيث يضطر الأطفال الصغار إلى التسول في الشارع لشراء تفاحة.
أعطيت نور شيكلًا (0.30 دولارًا)، لكن بمجرد أن فعلت ذلك، ساءت الأمور. تجمعت حولي مجموعة كبيرة من الأطفال بعمر نور أو أصغر، يرددون نفس الطلب. شعرت بألم عظيم.
لقد واجهنا الإبادة الجماعية لأكثر من عامين. لقد شهدنا عدداً لا يحصى من المآسي والأهوال. لكن بالنسبة لي، فإن منظر الأطفال وهم يتسولون في الشارع أمر لا يطاق بشكل خاص.
قبل الحرب، كانت غزة لا تزال مكاناً فقيراً. كنا نرى الأطفال المتسولين، لكنهم كانوا قليلين، معظمهم يتجولون في مناطق قليلة. والآن هم منتشرون في كل مكان من الشمال إلى الجنوب.
لقد دمرت حرب الإبادة الجماعية الأسر وسبل العيش في جميع أنحاء غزة. وقد أدت المذبحة إلى تيتم أكثر من 39 ألف طفل، وأدى الدمار الهائل إلى خروج أكثر من 80% من القوة العاملة من وظائفهم، مما دفع عدداً لا يحصى من الأطفال إلى الفقر المدقع وأجبرهم على التسول من أجل البقاء.
لكن تسول الأطفال ليس مجرد نتيجة للفقر؛ إنها علامة على الاغتراب العميق الذي يؤثر على الأسر وأنظمة التعليم والمجتمعات. لا أحد من الوالدين يرسل طفله للتسول لأنه يريد ذلك. لقد تركت الحرب العديد من الأسر في غزة دون خيارات، وفي كثير من الحالات، لم يعد هناك آباء على قيد الحياة لإبعاد أطفالهم عن الشوارع.
الأطفال المتسولون لا يفقدون طفولتهم فحسب؛ إنهم يواجهون الاستغلال والعمل الشاق والأمية والصدمات التي لها آثار دائمة.
ومع تزايد أعداد الأطفال المتسولين، يتضاءل أمل هذا الجيل. من الممكن إعادة بناء المنازل، ومن الممكن ترميم البنية التحتية، ولكن لا يمكن إعادة تأهيل الشباب غير المتعلمين.
إن القوة التي كانت تمتلكها غزة قبل الحرب لم تكن مجرد قوة عسكرية؛ كان الأمر يتعلق بالقوة البشرية، التي كان التعليم ركيزتها الأساسية. كان لدينا واحد من أعلى مستويات معرفة القراءة والكتابة في العالم. ويبلغ معدل الالتحاق بالتعليم الابتدائي 95 في المائة؛ وفي التعليم العالي وصلت إلى 44 بالمئة.
لقد كان التعليم بمثابة الترياق للحصار المنهك الذي حرم سكان غزة من ممتلكاتهم وأصاب الاقتصاد بالشلل. فهو يغذي المهارات والإبداع لدى جيل الشباب للتعامل مع الواقع الاقتصادي القاسي على نحو متزايد. والأهم من ذلك أن التعليم يمنح الأطفال شعوراً بالاتجاه والأمن والفخر.
إن الهجوم المنهجي على نظام التعليم في غزة – تدمير المدارس والجامعات والمكتبات وقتل المعلمين والأساتذة – قد دفع نظاماً تعليمياً يتسم بالمرونة والفعالية إلى حافة الهاوية. إن العمود الذي كان يحمي الأطفال ويضمن لهم مستقبلاً مشرقاً ينهار الآن.
ظلت عيون نور عليّ بعد أن غادرت دوار النصيرات. لم يكن من المؤلم رؤية طفل بريء يُجبر على التسول. وبسبب هذا الإدراك أيضًا حدث هذا اللقاء: أن قدرة الجيل القادم على إعادة بناء غزة ستُسلب يومًا ما.
لقد سمح العالم لإسرائيل بتنفيذ إبادة جماعية في غزة لمدة عامين. لقد كانت تعرف ما يجري، ومع ذلك فقد اختارت التواطؤ والصمت. وهي اليوم لا تستطيع أن تمحو ذنبها، لكنها تستطيع أن تختار تحرير نفسها. ويمكنها اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإنقاذ أطفال غزة وتزويدهم بالحقوق الكامنة في اتفاقية حقوق الطفل: الحق في الغذاء والماء والرعاية الصحية والبيئة الآمنة والتعليم والحماية من العنف وسوء المعاملة.
وأي شيء أقل من ذلك سيعني استمرار الدعم للإبادة الجماعية البطيئة في غزة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.










