
أي أزمة هذه تأتي بالباكستان بثقلها العسكري أي أزمة هذه تأتي بتركيا بثقلها العسكري، "هذا في حين أنها أزمة ليست ذات طابع عسكري".
أي أزمة هذه تجبر الرئيس الامريكي "ترامب" على التراجع عن خطته بعقد لقاء قمة في واشنطن لحل الأزمة رغم تحرك وزير خارجيته أخيراً.
وأي أزمة هذه التي يُجمع كبار العالم على التعبير عن رغبتهم في التوسط لحلها، دون أن يكون ذلك بمقدور أي منهم.
هل هي أزمة صغيرة.. هي هي أزمة محلية. أو أزمة تعكس أهمية الخليج.. وهل.. وهل..
نقرّر فوراً أن العرض السابق يعني أننا أمام أزمة ليست صغيرة وليست محلية أو إقليمية، حتى. بل نحن أمام أزمة يبلغ من كبرها.. أنها أكبر من كل الأطراف التي تُشارك بها. من كبيرها.. الى صغيرها.. بدءاً من أمريكا وانتهاءً بجيبوتي.. وما بينهما. فُرادى ومجتمعين. وفي كل الأحوال هي أكبر من كل الأطراف المباشرة فيها.. قطر والسعودية.. وأكبر من كافة الأطراف غير المباشرة فيها وعلى رأسها إيران.
أزمة ليست مرهونة للحل
وهذا يعني أول ما يعني أننا أمام أزمة ليست مرهونة للحل. لكن ليست مرهونة للتصعيد في نفس الوقت. إنها أزمة مرهونة للإدامة، ابن دوام هذه الأزمة ايضاً ليس مرهوناً بتحقيق أهدافها. فقد تحقق الهدف الرئيسي لهذه الأزمة. والذي سنوضحه في سياق هذه المحاولة لفهم الأزمة. ومع ذلك لن تجد الأزمة لها حلاً.
وهذا يفرض علينا العمل من أجل التعرف على السياق الحقيقي الذي تأتي هذه الأزمة ضمنه. بعيداً عن قطر والسعودية، وكافة الجوانب الأخرى التي يجري الحديث عنها وعلى رأسها الارهاب رغم أهميته.
غلطة الشاطر بألف: اللعب على العقل الايراني
إن أول طرف سارع لاستغلال الأزمة. هو الطرف الايراني.
هذا الطرف الذي هو أحد أهم أسباب الأزمة لم يكتف بذلك، بل سارع بالدخول على خط الأزمة. وكأنه "فقد عقله"، أي فقد حرصه المشهور به بأنه صانع "سجاد ماهر" يتميز بالدهاء والحيلة وطول النفس. فقد هنا كل ذلك بحركة مسرحية، أو تبدو وكأنها كذلك. وقدّم للأزمة أهم وقود كانت تحتاجه ممّا رفع الأزمة فوراً إلى حدها الأقصى. أي نقلها إلى بعدها "العسكري والاستراتيجي" فائق الأهمية والذي تم التخطيط له أصلاً.
وفرض هذا التهور على أزمة ليس لها طابع عسكري، طابعاً عسكرياً فائق الأهمية، ورغم كل التاريخ سيء العتب بين قطر والسعودية، إلاّ أن عدداً محدوداً ولا قيمة له من الحرس الثوري. في حركة مسرحية استقدم باكستان فوراً بثقلها العسكري وتركيا بثقلها العسكري، للحفاظ على أمن الخليج (كما يقال) وليس في مواجهة السعودية بكل تأكيد.
قد يقول المراقب العادي من الطبيعي أن تحاول ايران استغلال هذا الوضع. وما هو طبيعي هنا.. هو جوهر الموقف. وهو موقف قاتل لإيران.
أزمة حققت هدفها الاستراتيجي
هذا المعنى فإن هذه الازمة حققت هدفها الاستراتيجي. وهو "عسكرة الأزمة" وعسكرة الخليج.
ورغم أن الخليج يحتشد بالقوى العسكرية، والقواعد العالمية، إلاّ أنه كان يفتقد للثقل الاقليمي في مواجهة إيران. والذي يتمثل أساسا بالباكستان وتركيا. وهي القوى الاقليمية الأكثر قوة وخطورة. وقد تحقق ذلك الآن. ومن المستحيل أن لا يأتي هذا ضمن سياق محدد. وهذا السياق يستهدف ايران، وليس أي طرف آخر. وهذه نقلة "نوعية" في الصراع الدائر في الخليج والمنطقة وأهمية ذلك تتمثل في بُعدين:
البعد الأول: الحشد بحدّ ذاته. أن تحشد باكستان قوات عسكرية في الخليج. وأن تحشد تركيا قوات عسكرية في الخليج. وتقيم "القواعد".
إن ادخال الباكستان وتركيا في الصراع في الخليج، وعلى أمن الخليج، انقلاب استراتيجي بالغ الأهمية في الصراع في المنطقة لم يكن يتوقعه أحد. لكننا أكدناه مراراً من جهتنا،. وبالتأكيد هذا ما تفرضه المواجهة القادمة مع إيران.
البعد الثاني: أن هذا الحشد لهاتين القوتين الهامتين ما كان يمكن أن يحدث في ظل ظروف عادية، ودون إثارة مشكلة لا يمكن حلها مع إيران. لكن في هذه الظروف التي خلقها الاستعراض الايراني. تم هذا الانقلاب الاستراتيجي رغم أنف ايران. وكافة الأطراف. دون أن تسمع كلمة اعتراض واحدة، من هذا الطرف المشهور بشطارته.
جوهر الأزمة
فما هو جوهر الأزمة إذن. وأي سياق تأتي هذه الأزمة ضمنه.
نقول مباشرة، إن فاتورة هذه الأزمة عليها بند واحد فقد. هو البند الرئيسي والهام. وهذا البند كما يقول كيسينجر، حرب ايران، تدمير ايران، (بؤرة الارهاب والحاضن الرئيسي للارهاب).
ومن وجهة نظر الثعلب العجوز، فإن العائق الوحيد والباقي في وجه عملية ترتيب أوضاع الشرق الأوسط. هي أيران، ويجب تدميرها، وقد وصلنا الى النقطة التي يجب فيها شن الحرب على ايران وتدميرها.
لكن لا بد من القول بأنه يتم تحميل فاتورة هذه الأزمة أيضاً بنوداً مختلفة تبعاً لكل طرف. واياً كانت وجاهة هذه الاضافات وأهميتها وصحتها أو عدم صحتها، فإنها تظل اضافات على الفاتورة. لا قيمة لها، رغم أهميتها لكل طرف. أو لأكثر من طرف. ولا داعي لذكرها ما دام يتم التركيز عليها اعلامياً وتحجب المشهد الحقيقي بالفعل.
إذن.. فان السياق الذي تأتي ضمنه هذه الأزمة، هو سياق التحضير للحرب.. وجوهرها الحرب ضد ايران.
التموضع
وفي هذه المرحلة، فإن العنوان الرئيسي لهذا الجزء من السياق يمكن اختصاره بمصطلح انجليزي هو "Positioning"، أي التموضع، أي أن على كل طرف في هذه المواجهة القادمة، والتي تفرض نفسها على كافة الأطراف، أن يحدد موقعه ودوره "كما هو مرسوم له" والأدق أن نقول: أن يأخذ موقعه ودوره.
والتموضع يتضمن هنا: بُعدين أساسيين هما:
البعد الأول: التحشيد..
حيث على كل طرف أن يتخذ القرارات والخطوات الرسمية والتي تقتنصها القوانين كل بحسب أنظمته الداخلية للمشاركة والحشد كما يتم في تركيا فعلاً. والتنفيذ الفوري لهذه القرارات. من خلال حشد القوى على المسارح المقررة سلفاً.
البعد الثاني: الاصطفاف..
هذه حرب لا يسمح لأحد بالوقوف فيها على الحياد، يسميها الثعلب العجوز، الحرب العالمية الثالثة. ولا يسمح لأحد الوقوف موقف المتفرج، صغيراً أو كبيراً، وعلى كل طرف أن يصطف في هذا الصراع الذي يبلغ ذروته.
وهذا يعني أن على كل طرف لا أن يكون جاهزاً ومستعداً وحسب، وانما أن يُفرط فعلاً في هذا الصراع الدامي. الذي يحدث فعلاً كما يقول الثعلب العجوز في مقابلة أخيرة معه. حيث يقول طبول الحرب تقرع، والهدف ايران ومن لا يسمع دقاتها فهو أطرش.
وهذا يعني أننا أمام أزمة ليست مرهونة للحل. وليس الحل أساساً بيد أطرافها، مباشرين أو غير مباشرين كما قلنا سابقاً.
وأخيراً
لا بد من القول أن هذه الأزمة بأطرافها المباشرة، لا رابح فيها، والكل خاسر. ورغم أن كل طرف يعرف ذلك جيداً، لكنه يعرف أيضاً أنه ليس هناك خيار أمام أي طرف. وعلى كل طرف أن يلعب دوره بوعي أو بدون وعي. مهما بلغت خسارته، ومهما كانت قناعاته.. وهذا ما يتم بالفعل.