
* الناس تشعر بالقهر من حكم حماس، ولا ترى في السلطة منقذاً بل مشارك في القهر
* صراع السلطة قتل النفس النضالي لدى أغلب أفراد الشعب
* الانفصال قادم لا محالة وستكون آثاره كارثية
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
غزة على حافة الانفجار.. المواجهة باتت قريبة.. أزمات إنسانية متصاعدة.. أربع ساعات كهرباء يومياً.. قطع رواتب وخصومات أخرى.. تلويح بإعلان غزة "إقليم متمرد".. نقص حاد في الخدمات الصحية، تلوث شديد في مياه الشرب، مصالحة بعيدة المنال.. وعلى الجانب الآخر حديث عن انفراجات قادمة من مصر، واتفاقات حمساوية دحلانية برعاية مصرية.. تهميش للسلطة.. فما الذي يجري ؟ وإلى أين تسير الأمور ؟ ولمصلحة من ؟ وهل حماس تتأثر بإجراءات السلطة غير المسبوقة ؟.. هذه الأمور ناقشتها "البيادر السياسي" مع المفكر والدبلوماسي الدكتور علاء أبو عامر الخبير في العلاقات الدولية في الحوار التالي.
السير نحو المجهول
* تتفاقم معاناة المواطنين في غزة يوماً بعد يوم جراء استمرار الحصار وإجراءات السلطة الأخيرة.. ما هي صورة الوضع الإنساني الآن في غزة ؟ وإلى أين تسير الأمور؟
- غزة تعيش على وجع، لاشيء تراه يبتسم في غزة هذه الأيام، فبعد أن كانت رواتب موظفي السلطة تخلق جواً من البهجة عند مطلع كل شهر، وتجعل هناك حركة في المحلات والأسواق، نراها اليوم شبه منعدمة.. صحيح أن البضائع التجارية المتنوعة موجودة بكثرة في السوق الغزي، ولكن لا يوجد من يشتري هذه البضاعة كما في السابق، فما يتبقى من الراتب لدى موظفي الخدمة العامة لا يكفي إلا لشراء السلع الأساسية وتسديد الفواتير الشهرية، وتسديد الأقساط المدرسية والجامعية، لذلك الأمور تسير نحو المجهول، الناس هنا تضع أيديها على قلوبها فكل تأخير في صرف الراتب الشهري بفعل خطأ فني يظنون هنا أن هناك قراراً بقطع رواتبهم بالكامل، الناس تعيش ألماً نفسياً، لا أعتقد أن حماس وقيادتها هي من يعاني، بل الغزيون هم الذين يعانون، فالإجراءات غير المسبوقة طحنتهم.
خلط الأوراق
* يبدو أن الأمور آخذة بالتصعيد على مختلف الأصعدة.. دعنا بدايةً نتحدث حول التصعيد الأمني.. هل باتت المواجهة مع الاحتلال قريبة؟
- لا أعتقد أنها قريبة، إلا إذا أشتد الحصار على حماس، وتم خنق القطاع اقتصادياً وحياتياً، عندها قد تلجأ حماس إلى خيار شمشون وفق عبارة "علي وعلى أعدائي". أما إذا استمرت الأمور وفق المعطيات الحالية، فإن حماس لن تلجأ إلى العنف، قد تصعد حماس في الضفة من خلال خلاياها، وقد تصعد في القدس وفي الداخل المحتل كي تربك السلطة والاحتلال معاً بهدف خلط الأوراق، لكن في غزة ستبقى تمارس المقاومة الشعبية نحو السلك الشائع شرق قطاع غزة، لكن دون أي تصعيد عسكري.. حماس تعلم أنه لن يخدمها في هذه المرحلة وقد كثر أعدائها، وهي مهددة بأن تصبح تنظيماً إرهابياً مطارداً عالمياً وعربياً، بعد وصف ترامب والسعودية لها بالإرهاب.
إقليم متمرد
* التلويح بإعلان قطاع غزة إقليماً متمرداً عاد من جديد.. ماذا يعني ذلك ؟ وما هي خطورته؟
- سيعلن الرئيس حالة الطوارئ في قطاع غزة، وسيوقع على مجموعة من المراسيم الرئاسية يخرج من خلالها حركات وتنظيمات مختلفة، وعلى رأسها حماس عن القانون، وستوصف بأنها حركات متمردة على الشرعية الفلسطينية.
وهكذا سيتم إخراج حماس عن القانون، وبالتالي ووفق نصوص المراسيم الرئاسية ستقوم السلطة بتجميد أصول أملاكها ومؤسساتها، بما في ذلك أموال وصناديق استثمار بنكية، وسيتم إصدار أوامر باعتقال ضد قادتها وناشطيها.
وستوقف السلطة الفلسطينية تحويل الأموال إلى قطاع غزة، ولن تدفع الرواتب لموظفي القطاع العام التابعين لها، وستطلب السلطة من الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات دولية أخرى التوقف عن منح مساعدات دولية للقطاع.
كذلك ستقوم السلطة بالتوجه إلى المحكمة العليا الفلسطينية، لمطالبتها بالإعلان عن المجلس التشريعي بأنه "غير قانوني"، وستترافق الخطوة مع إلغاء حصانة كافة أعضاء المجلس، وتشكيل حكومة انتقالية تعمل خلال مدة الطوارئ.
وهذا يعني إن طُبق القرار أن هناك انفصالاً بمعناه النهائي قد وقع بين الضفة وغزة، وهذا سيكون له أثر كارثي على القضية الوطنية الفلسطينية.
تمييز
* بالنسبة للسلطة.. هل وصلت الأمور إلى مرحلة الطلاق مع قطاع غزة؟
- لا أري إن كانت عبارة الطلاق هي العبارة المناسبة، ولكن إجراءات السلطة "غير المسبوقة" تجعل الغزيين يشعرون بأنهم مستهدفون بالمجمل لا لشيء بل كونهم غزيين.. هناك شعور بالتمييز يجعل المجتمع الغزي يشعر بالريبة والشك من كل ما تفعله السلطة، الناس تشعر بالقهر من حكم حماس، ولكن أيضاً لا ترى في السلطة منقذاً بل مشاركاً في القهر، لا يوجد تبرير لتقليص كمية الكهرباء، ولا كذلك لخصومات الرواتب، ولا لقرار التقاعد المبكر للعسكريين الغزيين،غزة تشعر بالتهميش على الصعيد الوطني.
فتح تخسر
* المواطنون يدفعون ثمن كل ما يجري، والسلطة وحماس يعلمان ذلك جيداً.. أين يقف المواطن أمام هذه المعاناة ؟ وما هو المطلوب منه؟؟
في الأعوام الماضية وفي ذكرى الانطلاقة وذكرى وفاة الرئيس الراحل عرفات كانت مسيرات ومهرجانات التأييد تجمع مئات الألوف من المناصرين الذين يحملون صور الرئيس أبو مازن والرئيس الخالد ياسر عرفات وأعلام حركة فتح، اليوم وبعد الإجراءات "غير المسبوقة"، هناك شك في أن الوضع بقي على ماهو عليه.. رأينا الموظفين يخرجون بعشرات الآلاف ضد سياسة قطع الرواتب منددين بحكومة السيد رامي الحمد الله، باعتقادي فتح تخسر جمهورها في القطاع، فقط بعض النخب الغزية الفتحاوية واليسارية تقدر أن ليس بيد الرئيس من وسائل أخرى غير هذه الوسائل للضغط على حماس لاستعادة غزة، ولكن هذه النخب تقول أن الوقت قد تأخر أكثر من اللازم .
المواطنون أصبحوا يكرهون المقاومة لأن حماس تلوح بها في إسكاتهم عندما يطالبون بالحد الأدنى من الخدمات والحريات (الكهرباء، المعبر..الخ)، وكذلك يكرهون السلطة، هناك من يتمنى عودة الاحتلال، نعم صراع السلطة قتل النفس النضالي لدى أغلب أفراد الشعب، الناس فقدت الثقة بكل الفصائل وعلى رأسها فتح وحماس.
المواطن قدم لهذه الفصائل كل ما يمكن تقديمه، سجن من قبل الاحتلال، قدم أبناءه شهداء على مذبح الحرية والاستقلال، تحمل الحصار والحرمان والإهانة على معابر ومطارات الذل العربية، المواطن قدم كل الواجبات التي عليه دون أن يحصل على أي حقوق تذكر.
تفاهمات أشبه بالخيال
* لقاءات في القاهرة ما بين دحلان وحماس، وأنباء عن انفراجة بعيداً عن السلطة.. ما الذي جرى في القاهرة ؟ وما هي انعكاساته على الصعيد الوطني؟
- لا أدري إن كان مجلس شورى حماس سيوافق على هذه التفاهمات التي هي أشبه بالخيال، وحدثت في ظروف غير متوقعة، فإن يتفق حلفاء قطر مع حلفاء الإمارات ومصر في ظل الأزمة التي تعصف بدول الخليج هو مفاجأة لنا، وهي صدمة للقيادة الفلسطينية، وبمثابة طعنة في الظهر لها، خصوصاً إذا تبين أن المخابرات المصرية، أي الدولة المصرية، هي من يقف خلفها، كما تشير التقارير الصادرة من وفد حماس ووفد تيار النائب دحلان، فإن ذلك يعني حشر الرئيس أبو مازن في الزاوية، وجعله كمن يحاصر شعبه في غزة ليأتي خصمه النائب محمد دحلان كمنقذ لها، هو موقف لا تحسد عليه قيادة فتح والسلطة.
الموقف المصري محير بصراحة وغير متوقع، كون هناك مصالحة قد حدثت بين الرئيس الفلسطيني والمصري، وهناك تنسيق مواقف بينهما والسلطة أصبحت طرفاً حليفاً لمصر والرباعية العربية ضد إيران، وأخيراً ضد قطر والإخوان.
الانفصال قادم
* هل ما جرى يعني أن الانفصال التام أوشك على الأبواب؟
- إذا لم تتدارك القيادة الفلسطينية الموقف، وكذلك قيادة حماس، فنحن على أبواب الانفصال، نعم هذا سيحدث لا محالة، وباعتقادي هناك مايسترو واحد يحرك كل اللاعبين ليتحركوا في الاتجاه الذي يرغب هذا المايسترو هو الولايات المتحدة، هي تخدع الجميع، وترتب الأمور كل الأمور لمصلحة إسرائيل.
الحوار البناء
* ما هي الحلول الممكنة لكل هذه الأزمات وللحفاظ على وحدة الوطن والقضية؟
- الحوار البناء، غير المخادع، الحوار الذي يؤسس لشراكة حقيقية دون خطط مسبقة لإفشال ما يترتب عليه من نتائج بحجج واهية. أصبحت حماس اليوم قريبة من فتح في برنامجها السياسي بعد نشر وثيقتها السياسية، بقي أن تقبل فتح بأن تكون حماس شريكاً لا تابعاً وأن تقبل حماس بصندوق الاقتراع كفيصل، وبوثيقة الوفاق الوطني كقاسم مشترك للنضال من أجل إنهاء الاحتلال، دون ذلك سنبقى نراوح مكاننا.. إسرائيل تكسب ونحن نخسر على الصعيدين الداخلي والخارجي.