هيمنة اميركية آتية ومنع لإصدار تقارير عادلة
استقالة الامينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، الدكتورة ريما خلف، يوم الجمعة الموافق 17 آذار 2017، احتجاجاً على طلب الامين العام للامم المتحدة الجديد انطونيو غوتيريز بسحب هذا التقرير المعلن، دقت ناقوس الخطر، للعالم العربي، معلنة أن الأمم المتحدة في عهد غوتيريز ستكون منحازة لاسرائيل، وتحت رعب السوط الاميركي الدائم.
ورغم أنه لم يبق سوى اسبوعان على احالة خلف على التقاعد، الا انها فضلت الاستقالة على سحب التقرير، وفضلت الكرامة الشخصية على مصالح ذاتية، واختارت اسلوب الشجاعة والجرأة في مواجهة طلب الامين العام مؤكدة له ولغيره، ولكل الذين يتآمرون على العالم العربي بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، ان الحقيقة يجب ان تظهر، ويجب ان تُقال، وكفى للتغطية على ممارسات واجراءات اسرائيل التعسفية والقمعية بحق الشعب الفلسطيني، ولذلك حذرت من فرض نظام الفصل العنصري على الشعب الفلسطيني.
وأكدت استقالتها بحقيقة واحدة ان تقريرها صحيح وسليم ومهني، وهي لن تتراجع عنه لانها متمسكة بقول الحقيقة، وان سحب التقرير يعطي شكوكا بعمل اللجنة المسؤولة عنها، ويظهر ان الدكتورة خلف تعمل كما يُفرض عليها، وليس كما يتطلب الوضع، وتفرضها مهنيتها على ذلك.
مؤشرات الاستقالة
هناك عدة مؤشرات يجب الاشارة اليها أو فهمها من وراء هذه الاستقالة للدكتورة خلف، ومن أهمها:
1. الامين العام للامم المتحدة غوتيريز يهاب ويخاف من الادارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، ولذلك طلب سحب التقرير حتى لا "يُغضب" هذه الادارة.
2. ان الأمم المتحدة أصبحت تحت رحمة وسوط السياسة الاميركية في عهد ترامب. ولن تصدر عنها أية قرارات ضد اسرائيل، أو تنتقد السياسة الاسرائيلية.
3. إن الوجود العربي في الأمم المتحدة ضعيف وهزيل جدا، فلم نسمع وقفة "رجولية" من مندوبي عالمنا العربي، فيبدو أنهم استسلموا للقرار الاميركي، وفضلوا المصالح الشخصية على مصالح الوطن عامة.
4. ان منظمة "الاسكوا" وغيرها من المنظمات والمؤسسات التابعة أيضاً للامم المتحدة ستتردد مستقبلاً في اصدار أي موقف تنتقد فيه اسرائيل.
5. يجب عدم التعويل أو الاعتماد على الأمم المتحدة في احقاق الحق، ومنح العدالة لشعبنا الفلسطيني، اذ أن مندوبة اميركا في الامم المتحدة قالتها وبكل وضوح أن الفيتو الاميركي جاهز للدفاع عن اسرائيل، وان اميركا لن تسمح بتمرير أي قرار ضد اسرائيل، الحليف القوي لاميركا. مما يعني ذلك أن القيادة الفلسطينية لن تحصل على أي مكسب دولي مستقبلا، اذ أن ادارة الرئيس ترامب لن تسمح بذلك!
الأمم المتحدة في خطر
لا يبالغ أي مراقب للاحداث حين يقول ان منظمة الأمم المتحدة، وكل المؤسسات التابعة لها هي في خطر أيضاً، لان الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب لا يؤمن بهذه المنظمة الدولية ولا بمؤسساتها، وخاصة ان قراراتها تعتمد على التصويت، وليست هناك في هذه المؤسسات أي حق للنقض الفيتو على أي قرار.. وبالتالي يستخدم تهديد الانسحاب من مؤسسات هذه المنظمة الدولية، أو تبقى اميركا عضوا ولكن تقلص إن لم تلغ دعمها المالي لهذه المؤسسات، وبالتالي تموت هذه المؤسسات. أو تنحل وتنهار، وخاصة ان دولا عديدة ثرية لا تستطيع تقديم الدعم البديل لانها تخاف من رد فعل الادارة الاميركية، وتهاب من انتقامها، ونشير بالقول الى الدول العربية الخليجية التي هي قادرة على تمويل مؤسسات دولية إن أرادت ذلك.
وهذا التهديد الاميركي يعني وبكل وضوح أن الأمم المتحدة تحولت الى منظمة تابعة كاملاً للادارة الاميركية، وبالتالي فقدت تأثيرها على العالم، وفقدت "حيادها" المنصوص عليه في ميثاقها، وفقدت سوط العدالة الذي تحمله أو الموكلة به. ومن يراهن على الأمم المتحدة، سيراهن على اوهام.
وخير دليل على ان الامم المتحدة في خطر هو خضوع امينها العام غوتيريز للضغط الاميركي والاصرار على ريما خلف لسحب تقريرها الذي يحكي الواقع، فهو يريد مسايرة اميركا، ويريد بقاءه في منصبه، وهو بالتالي شخص ضعيف الشخصية جاء الى الامم المتحدة لخدمة الأهداف الاميركية، وللحصول على راتب وموقع دولي لا يستطيع ان يعمل أي شيء فيه؟
ما المطلوب والمتوقع
المتوقع ان كل المنظمات الدولية ستحسب الحساب الكبير قبل اتخاذ أي قرار حيادي وواقعي ينتقد اسرائيل، واذا تشجعت احداها فانها ستنهار عبر الانسحاب أو عبر العقوبات المالية عليها.
وما المتوقع هو أن العالم سيكون تحت رحمة ومزاج الرئيس الاميركي الذي قال انه يريد اعادة الهيبة والعظمة العالمية لاميركا، وها هو يبدأ من خلال السيطرة على الأمم المتحدة ومؤسساتها، فهي ستكون امعة بيد الادارة الاميركية، وستفقد كما ذكر سابقا هيبتها واحترامها وتأثيرها على العالم.. وستحاول ادارة ترامب من خلال ذلك اظهار ان اميركا قوية وعظيمة رغم ما خسرته من نفوذ ووجود في العديد من مناطق العالم، وخاصة في عهد الرئيس السابق باراك اوباما، الذي اظهر ضعف اميركا، والرئيس ترامب يحاول اعادة القوة والعظمة والهيبة لها؟
والتساؤل الاخير هو ما هو المطلوب؟ والجواب انه لا بدّ من وجود اكثر من قطب دولي في هذا العالم يمنع انهيار الامم المتحدة، ويدافع عن العدالة، ويؤكد ان القوة للحق، وانه لا بدّ من ازالة الظلم عن الشعوب المظلومة، وتوفير العدالة لها.