* الأيام القادم ستشهد حالة من التصعيد وتهيئة الرأي العام الإسرائيلي والعالمي للعدوان على غزة
* الانتخابات هي الوسيلة التي يتم من خلالها اختيار إرادة الشعب
* الحلول المؤقتة دون العلاج الجذري مرهونة بأجندة خارجية لتصفية عين الحلوة
* العلاقة مع مصر تاريخية رغم المنعطف الحالي والسلطة لن تسعى للتصعيد
القاهرة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
تصاعدت الأحداث الفلسطينية في الآونة الأخيرة على مختلف الأصعدة، فمن غزة التي شهدت تصعيداً إسرائيلياً وعمليات قصف وتهديدات بحرب جديدة، إلى الضفة والقدس التي تواصل فيها حكومة الاحتلال سياستها الاستيطانية، غير آبهة بالمجتمع الدولي وقرار مجلس الأمن الأخير، وصولاً إلى عين الحلوة والأحداث المؤسفة، وانتهاءً بمصر وفتور العلاقات الفلسطينية- المصرية الرسمية، ومنع اللواء جبريل الرجوب من دخول الأراضي المصرية.. حالة من الترقب تسود الأجواء، فهل باتت الحرب على غزة قريبة مع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية ؟ وهل تلاشى حل الدولتين في ظل التهميش الأمريكي للقيادة الفلسطينية والانحياز السافر للاحتلال ؟.. "البيادر السياسي"استضافت الكاتب والمحلل السياسي الدكتور جميل عادي، وأجرت معه الحوار التالي الذي تناول مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية.
التحريض على غزة
* لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية بحرب جديدة على غزة يوماً، وتبرز بين الحين والآخر تهديدات بقرب هذه الحرب.. من خلال متابعتكم لمجريات الأمور وتطورات الأحداث، هل الحرب باتت على الأبواب؟
- نعتقد، أن الأمور لن تبقى في دائرة التحريض الإعلامي، خاصة بعد تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي "يوسف شابيرا" والذي دعا إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة خطر الأنفاق، وتحسين مستوى هيئة الأركان العامة، وتطوير قدرات وزارة الأمن الإسرائيلية، وإعلان حالة الطوارئ، وهذا يعني أن هناك حرباً رابعة على غزة، وتهيئة الإسرائيليين نفسياً من خلال التلويح الدائم بالحرب والموازنات والتدريبات العسكرية للجيش الإسرائيلي، والاستعداد الدائم لإيجاد حالة الردع الوقائية.. نعم إن الأيام القادمة ستشهد تحريضاً وأعمال استفزازية من قبل قادة الاحتلال وتهيئة الرأي العام الإسرائيلي والعالمي للعدوان على غزة، والتصريحات من أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بعد انتخاب يحيى السنوار الأخطر على أمن إسرائيل، والتقارير الخاصة بأن المقاومة في غزة باتت مستعدة لتلك المواجهة، وأنها جاهزة لجولة جديدة من الحرب في حال اندلاعها.
فتور العلاقة مع مصر
* العلاقات الفلسطينية- المصرية الرسمية شهدت في الآونة الآخرة فتوراً، وتصعيداً كان آخره منع اللواء جبريل الرجوب من دخول مصر .. ما هي أسباب هذا الفتور ؟ وماذا وراء منع الرجوب ؟ وإلى أين تتجه الأمور؟
- أصبح واضحاً في الآونة الأخيرة أن العلاقات بين القيادة الفلسطينية والقيادة المصرية تمر بمنعطف خطير وخلافات عميقة، وكانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير المبادرة الرباعية: مصر والأردن والسعودية والإمارات، للمصالحة الفتحاوية تمهيداً للمصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وهذا الفتور الملحوظ وغياب الشفافية والمصارحة ستزيد من أجواء انعدام الثقة بين القيادة الفلسطينية والقيادة المصرية، وهنا يجب التأكيد على العلاقات المصرية الفلسطينية والتي لها تاريخ ثابت وتنسيق دائم وتعاون مستمر من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية كاملة، وعلية فإن الدور المصري المتناغم والمنسجم تاريخاً مع نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، وحرصا ًعلى متن العلاقة فإن القيادة الفلسطينية لن تلجأ إلى التصعيد، وإنما إلى التهدئة مع القاهرة، وكسر حاجز الهوة والخلاف، والتحاور حول جميع الملفات الشائكة، وهناك أربعة أسباب أساسية برزت في الآونة الأخيرة أدت إلى الفتور: أولها المبادرة العربية وإعادة ترتيب البيت الفتحاوى والفلسطيني، والسبب الثاني سحب قرار ٢٣٣٤ الخاص بالاستيطان الإسرائيلي من التصويت في مجلس الأمن الدولي، والسبب الثالث تقارب حركة حماس والتنسيق مع القاهرة، وتخفيض التنسيق مع السفارة الفلسطينية والجهات الرسمية بشأن فتح معبر رفح وملفات أخرى، والسبب الرابع وهو يعكس حالة التشويش في المشهد الفلسطيني المصري عدم عقد قمة ولقاء بين الرئيس محمود عباس والرئيس السيسي.. أما حول منع أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب من دخول مصر هذا الأسبوع رغم الدعوة من قبل جامعة الدول العربية يأتي نتيجة ما سبق الحديث عنه، خاصة أن الرجوب من أهم القيادات الفلسطينية البارزة والمقربة من الرئيس الفلسطيني، وعلية فإن العلاقات المصرية- الفلسطينية علاقات إستراتيجية، وأن القاهرة تسعى دائماً إلى تقريب وجهات النظر والصلح بين فتح وحماس من أجل تقوية الموقف التفاوضي للفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
الانحياز للاحتلال
* على الصعيد السياسي.. هناك تهميش من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة للفلسطينيين والقيادة الفلسطينية، وانحياز سافر إلى جانب الاحتلال.. ما خطورة هذا التهميش ؟ وما هي انعكاساته على العملية السياسية؟
- مع كل إدارة أمريكية جديدة تكون القضية الفلسطينية محور السياسات والاستراتيجيات وحماية مصالحها، والتي تركز على الدفاع عن إسرائيل وقوة العاطفة المناصرة لإسرائيل في أواسط موظفي البيت الأبيض والكونغرس والصحافة والرأي العام. وفي السياسة الأمريكية لم يكن هناك تصور واضح من أن إدارة ترامب أكثر توازناً بشأن القضية الفلسطينية من الإدارات التي سبقتها، وليس من المستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية الجديدة بطرح عقوبات على السلطة الفلسطينية كي تنصاع وتوافق على يهودية الدولة، وتتبنى إستراتيجية جديدة تجاه عملية السلام والتنسيق مع دول عربية وإسلامية أساسية، كالسعودية والإمارات والأردن ومصر وتركيا، وتتفق هذه الرؤية مع وجهة نظر نتنياهو واليمين الإسرائيلي الذي يرفض التفاوض المباشر مع الفلسطينيين.
حل الدولتين
* هل تلاشى حل الدولتين إلى الأبد ؟ وما هي أبعاد تصريحات القيادي محمود العالول حول دولة ديمقراطية واحدة ؟
- في الواقع تقوم رؤية حل الدولتين على أساس دولة إسرائيلية قائمة ودولة فلسطينية ضمن الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام ١٩٦٧، والتي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، والتعايش جنباً إلى جنب بسلام، ولكن الاستيطان والدعوة المستمرّة من قبل حكومة نتنياهو بضم الضفة، والشروط التعجيزية باعتراف الفلسطينيين بالدولة اليهودية، والحديث عن دولة في غزة، وجزء من سيناء المصرية، يعنى الابتعاد عن حل الدولتين في القريب الممكن.
وعن تصريحات القيادي محمود العالول حول دولة واحدة، والتي ينطوى على ضم إسرائيل رسمياً للأراضي الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، فإن الرؤية الفلسطينية غير متكاملة حيث سبق حديث العالول تصريح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات بأن البديل الحقيقي هو قيام دولة ديمقراطية علمانية واحدة يتساوى فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون. وجاءت تصريحات العالول حول الدولة الديمقراطية الواحدة التي يعيش فيها الجميع على قدم المساواة، في ظل الحالة الغامضة والمحبطة نتيجة السياسات الأمريكية الجديدة في المنطقة، وما يخص الصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة مسار التفاوض المتعثر للمناورة وتجاوز هذه الفترة.
عين الحلوة
* يشهد مخيم عين الحلوة أحداثاً مؤسفة.. ما هي انعكاساتها وخطورتها على الكل الفلسطيني في لبنان؟
- في البداية نأمل عودة الحياة إلى طبيعتها في المخيم، وتطويق الأحداث الأمنية الأخيرة، وضرورة تحصين الكل الفلسطيني من التدخلات الخارجية وعدم الانجرار إلى صراعات طائفيّة وإقليمية لا صله لها بمصالح شعبنا، وتعزيز الوحدة الوطنية، وأن العبث بأمن المخيم خط أحمر لدى القيادة الفلسطينية. وفي ظل الأحداث المتتالية في المخيم وتسلسل الأحداث ليس عَبَثًا كلها مؤشرات غير مستقرة على مستقبل الكل الفلسطيني في لبنان، وخاصة أن الوضع في مخيم عين الحلوة يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن الحلول المؤقتة دون العلاج الجذري والحل النهائي مرهون بأجندة خارجية لتصفية المخيم..
الاستيطان
* الاستيطان يتسارع في الضفة والقدس والاحتلال في تسابق الزمن لتقطيع المحافظات الشمالية في وقت يستمر فيه الانقسام الجغرافي والسياسي الفلسطيني.. ما هي صورة الأوضاع على هذا الصعيد ؟ وما هي سبل مواجهة الاستيطان في ظل عجز القرارات الدولية على لجمه؟
- بات من الواضح عامل الزمن لصالح دولة الاحتلال يتسارع من أجل ابتلاع المزيد من أراضي الدولة الفلسطينية. وتصورات الساسة ومتخذي القرار في إسرائيل أن هناك إجماعاً على التوسع في الضفة، وأنها تشكل مورداً إستراتيجيا في السيطرة على الأرض والطبيعة وتقطيع التواصل العمراني والقروي الفلسطيني وشرذمته إلى كانتونات تسهل سيطرة الاحتلال وتنفيذ بنى تحتية مرتبطة بأمن إسرائيل، وتقليص الاستقرار داخل المجتمع الفلسطيني.
ولمواجهة هذا الاستيطان وتوسعه، لابد من وضع الخطط والخيارات والبدائل الممكنة، والتخطيط المترجم على المقاومة الشعبية ودعمها ومواجهة الاستيطان بشتى السبل والطرق المتاحة في الواقع السياسي الحالي داخل فلسطين وفي تعزيز التدويل في المحافل الدولية.
الانتخابات المحلية
* الحكومة اتخذت قراراً بموعد الانتخابات المحلية التي أعلنت حماس رفضها المشاركة بها.. ما هي انعكاسات إجراء الانتخابات في ظل عدم التوافق ؟ وهل هذه الخطوة ستعمق الانقسام؟
- في الحقيقة فإن الانتخابات هي الوسيلة التي يتم من خلالها اختيار إرادة الشعب، بمعنى آخر لا ديمقراطية بدون انتخابات، وتعتبر المشاركة في الحكم حق تكفله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وإنما انعكاسات الوضع الداخلي الفلسطيني المنقسم وتحفظ بعض القوى والفصائل الفلسطينية على إجراء الانتخابات المحلية قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات للمرة الثانية على التوالي في أقل من سنة، وأن التأجيل ليس من صالح المواطنين، وأن الظروف الحالية لعقد الانتخابات معقدة ومتشابكة، ويجب أن تجرى الانتخابات بالتوافق مع جميع القوى الوطنية الفلسطينية، وانتخاب يحيى السنوار الذي ترأس الهيئة القيادية لحركة حماس في قطاع غزة مطالب باتخاذ خطوات أكثر انفتاحاً وديمقراطية تجاه الوضع الداخلي الفلسطيني، والسعي إلى التقارب وإنهاء الانقسام، والعمل على التوافق مع حركة فتح وباقي الفصائل، وترتيب البيت الفلسطيني لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي المستفيد الأول من هذا الانقسام الجغرافي والسياسي..