* المجتمع الدولي عاجز عن إجبار إسرائيل على الرضوخ للقرارات الشرعية
* السلطة الفلسطينية كيان دولي ولاعب أساسي في المنطقة
* نتنياهو نجح في إفراغ مؤتمر باريس الدولي للسلام من مضمونه
* الربيع العربي تحول لخريف أكل الأخضر واليابس
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
لا تزال حكومة الاحتلال تسابق الزمن في التهامها للأراضي الفلسطينية، ضاربةً عرض الحائط قرار مجلس الأمن 2334، متحديةً إرادة المجمع الدولي، ومستندة ًبذلك على الدعم والانحياز الأمريكي، خاصة بعد تولي دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة، وما أبداه من انحياز سافر إلى جانب إسرائيل.. مصادرة أراضي وعطاءات استيطانية بالجملة أعلنت عنها حكومة الاحتلال في وقت طار فيه نتنياهو إلى البيت الأبيض ليروج أكاذيبه، ويكسب المزيد من التعاطف والدعم الأمريكي، بعد أن أفشل مؤتمر باريس وأفرغه من مضمونه في ظل واقع عربي هزيل لا حول له ولا قوة.. "البيادر السياسي" استضافت الكاتب والباحث السياسي منصور أبو كريم، مدير دائرة الدراسات في مركز رؤية للدراسات السياسية والإستراتيجية، وأجرت معه الحوار التالي حول آخر المستجدات السياسية، فيما يلي نصه.
عجز المجتمع الدولي
* سارعت حكومة الاحتلال بالرد على قرار مجلس الأمن الأخير بالمزيد من العطاءات الاستيطانية، والتأكيد على مواصلة الاستيطان.. في رأيك على ماذا تستند إسرائيلي في صلفها وعنجهيتها هذه وتحديها للإرادة الدولية ؟
- أعتقد أن الرد الإسرائيلي على قرار مجلس الأمن الدولي الذي أدان الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بطرح المزيد من العطاءات، يعبّر عن عجز المجتمع الدولي على إجبار إسرائيل على الرضوخ للقرارات الشرعية، وخاصة قرارات مجلس الأمن التي أكدت على عدم شرعية الاستيطان، واعتبرته مخالفاً لكل القوانين والشرائح الدولية، حيث نص القرار الدولي الأخير رقم 2334 على أن جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام على أساس حل الدولتين. وأعرب عن بالغ القلق من أن استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية إنما يعرض للخطر جدوى حل الدولتين على أساس حدود 1967. ودعا القرار الدولي كلا الطرفين للعمل على أساس القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، واتفاقاتهما والتزاماتهما السابقة، وإلى التزام الهدوء وضبط النفس، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، والتحريض والخطابة الملهبة للمشاعر،ضمن جملة أمور بهدف تهدئة الوضع على الأرض، وإعادة بناء الثقة، والإظهار من خلال السياسات والإجراءات الالتزام الصادق بحل الدولتين، وتهيئة الظروف اللازمة لتعزيز السلام. وأكد القرار الدولي على إدانة جميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، بما يشمل، من جملة أمور، بناء وتوسيع المستوطنات، نقل المستوطنين الإسرائيليين، مصادرة وضم بالأمر الواقع الأرض، هدم المنازل والنقل القسري للمدنيين الفلسطينيين، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي والقرارات ذات الصلة.
إلا أن إسرائيل كعادتها ضربت بالقرار الدولي عرض الحائط، وتسلحت في ذلك بموقف إدارة الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، التي حاولت عدم تمرير القرار الدولي في مجلس الأمن، فإسرائيل تستند على الموقف الأمريكي المؤيد لها في المحافل الدولية، فموقف إدارة ترامب من الاستيطان بشكل خاص، والإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، لم تحدد بصورة واضحة، فتارة المتحدث باسم الأبيض اعتبر أن الاستيطان لا يشكل عقبة أمام السلام، وتارة أخرى الريس ترامب أكد خلال مقابلة مع صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية أن اقتطاع أي جزء من الأراضي الفلسطينية، وإقامة مستوطنات عليها قد يشكل عقبة أمام تحقيق السلام، وهذا يعتبر موقفاً إيجابياً للرئيس ترامب، لذلك لا يمكن القول أن سياسة إدارة ترامب في الملف الفلسطيني لم تظهر بشكل جلي حتى الآن، وهذا الأمر يتطلب جهود دبلوماسية على المستوى العربي والفلسطيني لإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بضرورة اتخاذ مواقف سياسية متوازنة كراعي لعلمية السلام، بالإضافة للعمل على تعرية السياسة الإسرائيلية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، بهدف ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على إسرائيل لوقف إجراءاتها والرضوخ للحقوق الوطنية الفلسطينية.
مواقف متطرفة
* هل فوز ترامب له تأثير على زيادة التعنت الإسرائيلي؟
- حاولت إسرائيل استثمار فوز ترامب لصالحها، عبر التهويل من المكانة التي يمكن أن تحظى بها دولة الاحتلال في ظل حكم ترامب، الذي يتخذ مواقف متطرفة من بعض القضايا العربية، إلا أنه عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعمل من "أجل سلام عادل ودائم" بين إسرائيل والفلسطينيين، "يتم التفاوض عليه بين الطرفين"، وذلك في أول رسالة له حول هذه المسالة منذ فوزه بالرئاسة نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم". وكتب ترامب في هذه الرسالة: "أعتقد أنه بإمكان إدارتي أن تلعب دوراً مهماً في مساعدة الطرفين على تحقيق سلام عادل ودائم"، لذلك اعتبرت أوساط سياسية وإعلامية إسرائيلية تصريح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأنه عازم على تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، "مفاجأة من العيار الثقيل" و "تشوش على احتفالات اليمين الإسرائيلي" التي رأت في فوزه بالرئاسة الأميركية "نهاية فكرة الدولة الفلسطينية"، معتمدةً على تصريحاته في المعركة الانتخابية بأنه لن يضغط على إسرائيل لاستئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين، لذلك أعتقد بأن ترامب "بدأ النزول عن الشجرة" بداية " شجرة وعوده الصارمة والحادة والخيالية أحياناً في حملته الانتخابية"، إلا أن هذا لا يعني أنه سوف يتخذ مواقف صارمة مع إسرائيل بالنسبة للاستيطان أو تهويد القدس، أو فيما يتعلق بالعملية السلمية، بالضغط على حكومة إسرائيل لتقديم تنازلات من أجل تحقيق السلام، فالرئيس ترامب يعتقد بأن إدارة الرئيس أوباما مارست ضغوطاً كثيرة على إسرائيل بما يكفي، لذلك ضد ممارسة ضغوط عليها، رغم ذلك مازالت الإدارة الأمريكية في بداية عهدها، ولا يمكن التنبؤ بالأحداث بشكل أكيد، خاصة في ظل حالة التناقض في المواقف، والتصريحات التي تخرج من ترامب وإدارته.
تراكم النضال
* ما هو المطلوب من السلطة الفلسطينية للاستفادة من قرار مجلس الأمن؟
- المقاومة والنضال الفلسطيني هو نضال تراكمي، بمعنى الشعب الفلسطيني يراكم النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني في مواجهة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان والجدار وهدم البيوت. والمطلوب من السلطة الفلسطينية والقيادة السياسية هو تعزيز حالة الاشتباك السياسي والقانوني مع إسرائيل في المحافل الدولية، بهدف تعرية الممارسات الإجرامية الإسرائيلية بحق الحقوق الوطنية الفلسطينية، بهدف إجبار إسرائيل على الرضوخ للحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف.
تهميش السلطة
* أنباء عن محاولات أمريكية لتهميش السلطة وعدم الاتصال بها.. ما خطورة ذلك ؟
- أعتقد بأن السلطة الفلسطينية كيان دولي، ولاعب أساسي في المنطقة، خاصة أن القضية هي قضية محورية تؤثر وتتأثر بكل المتغيرات الدولية والإقليمية، ولا يمكن لأي إدارة أمريكية تهميش القيادة الفلسطينية، خاصة أن الرئيس محمود عباس هو شخصية سياسية، ولدية مواقف سياسية مؤيدة لعملية السلام والمفاوضات، ولا يمكن لأي رئيس يقول أنه سوف يسعى لتخليد اسمه في التاريخ عبر حل القضية الفلسطينية عدم التعامل مع القيادة الفلسطينية، ولكن هذا لا يعني إمكانية ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية كوقف الدعم المالي الأمريكي للسلطة بهدف الحصول على موافقة للدخول في مفاوضات مع إسرائيل بدون شرط وقف الاستيطان مثلاً.
حصار مالي
*هل تقدم الولايات المتحدة على فرض حصار مالي على السلطة من جديد؟
- رغم أن الرئيس دونالد ترامب قد أوقف الدعم المالي الذي أقره الرئيس السابق أوباما المقدر 221 مليون دولار، إلا أنني أعتقد أن إدارة ترامب سوف تعيد تمرير المبلغ مرة أخرى، لأن بقاء السلطة الفلسطينية، هو حاجة دولية وإقليمية، ولا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بانهيار السلطة الفلسطينية، خاصة في حالة الفوضى التي تجتاح المنطقة، وبالتالي في تقديري أن هذا الحصار لن يحصل، رغم أن كل الاحتمالات واردة.
مؤتمر باريس وتبدد الآمال
* زوبعة كبيرة لمؤتمر باريس قبل انعقاده، وبالرغم من الحضور الكبير لهذا المؤتمر، إلا أنه انتهى ولم يتغير شي.. ما معنى ذلك؟
- أعتقد بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو قد نجح في إفراغ مؤتمر باريس الدولي للسلام من مضمونه، عبر سياسة المماطلة والتسويف، رغم طول فترة التحضير له، ورغم الدور الكبير الذي قامت به فرنسا من أجل إنجاح هذا المؤتمر، الذي حاولت من خلاله فرنسا إعادة الحياة لعملية السلام، لاستشعارها خطورة بقاء الأوضاع على ما هو عليه في الموضوع الفلسطيني، من خلال وضع عملية السلام على الطريق الصحيح، إلا أن المؤتمر فشل في تحقيق أي انجاز، وهذا الأمر من وجهة نظري راجع لعدة عوامل، أهمها، غياب الاهتمام الأمريكي بالمؤتمر، وعقده في فترة شهدت تغييراً في البيت الأبيض، وعجز أوروبا على الاتفاق على موقف موحد من المؤتمر، وغياب الدور العربي المؤثر فيه، بالإضافة لرغبة إسرائيل بالتهرب من المؤتمرات الدولية، لأنها تعتبرها نقطة ضعف بالنسبة لها.
الموقف العربي
* ما هي قراءتكم للموقف العربي من هذه التطورات ؟ وكيف يمكن تطويره والارتقاء به ؟
- تشهد المنطقة العربية حالة من عدم الاستقرار، على المستوى الأمني والسياسي منذ بداية الربيع العربي، الذي تحول لخريف أكل الأخضر واليابس، بسبب التدخلات الدولية ومحاولة القوى الدولية الاستفادة من حالة الفوضى عبر تمرير مشاريع تستهدف إعادة تقسيم المنطقة على أساس مذهبي وطائفي، الأمر الذي أدى لانشغال النظام السياسي العربي، والمواطن العربي، عن القضية الفلسطينية، فتراجعت القضية الفلسطينية من أولويات اهتمام الموطن العربي لصالح قضايا الأمن الشخصي والأمن الاجتماعي والاقتصادي، وهذا الأمر استغلته إسرائيل أفضل استغلال، وحاولت طرح نفسها كحليف لبعض الدول العربية في إطار مواجهة قوى أخرى بدون تحقيق السلام مع الفلسطينيين.
أما بالنسبة لتطوير الموقف العربي أو الدولي لصالح الحقوق الوطنية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل يبدأ من الداخل الفلسطيني أولاً، لذلك يجب على الفلسطينيين أن يبدأوا بأنفسهم أولاً من خلال إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، التي تعتبر الضمانة الأولى والأخيرة لتعزيز التضامن العربي والدولي مع الحقوق الفلسطينية، فبقاء الفلسطينيين في حالة الانقسام يؤثر على صورة النضال الفلسطيني في المحافل العربية والدولية، ويضعف قدرة الشعب الفلسطيني على تطوير الجهود الدولية والعربية باتجاه الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الاستيطان والرضوخ للحقوق الوطنية الفلسطينية، عبر حملة دبلوماسية على المستوى الرسمي والشعبي تساهم فيها السفارات والقنصليات الفلسطينية والعربية، بما ضمن تعرية الممارسات الإسرائيلية بحق الأماكن المقدسة، والأرض الفلسطينية.