محاولة اسرائيلية لدق اسفين بين روسيا واميركا
استقبل الرئيس الاميركي دونالد ترامب، رئيس وزراء اسرائيل، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض يوم الاربعاء 15 شباط 2017، واستمر اللقاء فترة طويلة، أكثر من ساعتين، وكانت مواضيع البحث كثيرة. وكان هناك تبادل في وجهات النظر، حتى ان بعض المصادر قالت أن الرئيس الاميركي ترامب كان مستمعاً ومصغياً لكل ما كان يقوله نتنياهو. هذا اللقاء امتاز بأن هناك توافقاً شخصياً بين المسؤولين كذلك كان مثمراً كما وصفه الاسرائيليون.
ومن أهم المواضيع التي طرحت هو الخطر الايراني، إذ أن الرئيس ترامب غير مقتنع بالاتفاق النووي مع ايران، ولكنه لا يستطيع الغاءه، لذلك، فان نتنياهو حاول التحريض على ايران بأنها تشكل خطراً كبيراً على اسرائيل، وطالب بعدة خطوات اميركية ومنها:-
· عدم رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران، حتى لا ترتاح مالياً، وحتى تحسب حساب مراقبة اميركا لنشاطاتها العسكرية.
· محاولة اصدار قرار من مجلس الأمن لا يسمح لايران بامتلاك أسلحة دمار شامل مثل الصواريخ الباليستية.
· حث الوكالة الدولية للطاقة النووية باستمرار مراقبتها لانشطة ايران.
· ايجاد أي طريقة لمنع ايران من التواجد العسكري على الحدود مع اسرائيل، أي منع تواجدها في منطقة الجولان.
أصغى ترامب لهذه المطالب، ولكنه قال أنه يؤيد نتنياهو في قلقه من الخطر الايراني، وسيعمل على التخفيف منه قدر الامكان.
تحالف ضد ايران
من الأمور التي طلبها نتنياهو من الرئيس ترامب هو العمل لدى الدول العربية والاسلامية المعادية لايران، الدول السنية، وخاصة دول الخليج بضرورة التحالف مع اسرائيل برعاية اميركية لمواجهة الخطر الايراني، أي الاستعداد الفعلي لمواجهة التهديد "الشيعي" في منطقة الشرق الاوسط.
وقد سمع الرئيس ترامب هذا الطلب، وقال انه قيد الدراسة، ولكن في حالة توتر العلاقة الاميركية الايرانية الى مستوى المواجهة الساخنة سواء سياسياً أو "عسكرياً" فان هذا التحالف ضروري.
لا شريك فلسطيني
من القضايا التي طرحها نتنياهو الخلاف الفلسطيني الاسرائيلي إذ اتهم الرئيس محمود عباس بأنه ليس شريكاً، وليس جريئاً في اتخاذ القرار الحاسم. ومن المستحيل التوصل الى اتفاق معه، ولذلك فان نتنياهو يرى ضرورة تعديل المبادرة العربية بحيث يتم التطبيع العربي مع اسرائيل من أجل اجراء مفاوضات عربية اسرائيلية لايجاد حل للقضية الفلسطينية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المبادرة العربية المعتمدة لدى اسرائيل ليست الاصلية، هي التي لا تتضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وقال نتنياهو، ووافق الرئيس ترامب على ذلك، بأن على الرئيس عباس أن يحدد موقفه: هل هو معنا أم مع أعدائنا.. وأضاف نتنياهو أن من يقف حيادياً فهو ليس معنا. وهذا يعني أن على الرئيس عباس قبول ما تطرحه اسرائيل من حلول، أو اقتراحات، وان يقف ضد ايران، وان يقبل بتعديل المبادرة العربية (أي شطب بند حق العودة)، والا يعترض على تطبيع الدول العربية علاقاتها مع اسرائيل. وهذا من المستحيل أن يقبل به الرئيس عباس لانه يعني التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ومصادرة للقرار الفلسطيني المستقل.
موضوع الاستيطان
أثار نتنياهو موضوع الاستيطان أمام الرئيس ترامب، وشكا بأن اليمين الاسرائيلي بزعامة نفتالي بينيت يريدون ضم الضفة الغربية الى اسرائيل، والى اقامة مستوطنات في مختلف انحاء الضفة الغربية مما قد يعرقل امرين وهما: اقامة كيان فلسطيني ذاتي، وكذلك الاعتراف باسرائيل دولة يهودية.
واقترح على ترامب أن يؤيد التوسع داخل المستوطنات ذاتها، والا تقام مستوطنات جديدة، وهذا الموقف الاميركي سيعزز من مكانة نتنياهو أمام بينيت، وكذلك سيضع حدود للتوسع الاستيطاني.
وبالفعل أعلن البيت الابيض أنه ضد اقامة مستوطنات جديدة، ولا يمانع اقامة وحدات سكنية داخل المستوطنات المقامة، أي أنه ضد تغيير الواقع القائم حاليا في الضفة الغربية.
وقال نتنياهو أن التوسع الاستيطاني من دون دراسة سيثير العالم ضد اسرائيل. وقد لا يهمه ذلك، ولكنه سيعرقل الجهود لاقامة تحالف مع دول عربية واسلامية لمواجهة التمدد والانتشار الشيعي الايراني، لان حكومات هذه الدول ستكون محرجة، وبالتالي ستضطر للتراجع عن أي علاقة مع اسرائيل!
نقل السفارة الاميركية
أكد الرئيس ترامب انه سيوفي بوعده بنقل مقر السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، وانه كان ينوي اصدار مرسوم بذلك، الا ان نتنياهو طلب تأجيل اصدار مثل هذا المرسوم، واستفسر من نتنياهو عن أسباب طلب التأجيل.
ورد واجاب نتنياهو بأن نقل السفارة من تل ابيب الى القدس يعني اثارة العالم العربي، ورفض التحالف مع اسرائيل، وكذلك احراج الدول العربية والاسلامية التي تقيم علاقات سرية مع اسرائيل، والتي تنوي الاعلان عن هذه العلاقة.
واضاف نتنياهو بأن نقل السفارة لن يؤثر على العلاقة بين اسرائيل واميركا، إذ أنها قوية وصلبة، وان التحالف بين الدولتين لن يتأثر سواء أكانت السفارة في تل أبيب أو القدس. وقال ان هذا الوقت غير مناسب، لأن مثل هذه الخطوة قد تحول أنظار العالم الى هذا الموضوع، وبالتالي يجب ايجاد الوقت المناسب، وان يتم نقل السفارة بهدوء، مع ان اقامة السفير الاميركي في القدس هي بمثابة خطوة كبيرة في هذا الامر.
الرئيس ترامب تفهم وجهة نظر نتنياهو، وطلب منه الدراسة معا الظروف المؤاتية لنقل السفارة في المستقبل.
العلاقة الاسرائيلية الروسية
شرح نتنياهو العلاقة الروسية الاسرائيلية القائمة حالياً وهي جيدة، وان مواقف الرئيس السابق باراك اوباما هو الذي ساهم في التوجه الى روسيا، لانه كان معادياً لاسرائيل. وان اسرائيل مضطرة لان تكون على علاقة مع روسيا من اجل معرفة ما يجري في سورية، ومتابعة الامور، ووضع خطوط حمراء أمام حلفاء روسيا وسورية في القتال ضد الارهاب وهما ايران وحزب الله، من التواجد على الحدود الاسرائيلية في الجولان، وفتح جبهة جديدة ضد اسرائيل، كما ان اسرائيل معنية بابلاغ روسيا بالحذر الكبير من انتقال السلاح الروسي المتطور المقدم للجيش السوري الى حزب الله في لبنان، لان ذلك يشكل خطراً على اسرائيل. وان اسرائيل لن تسمح بتزويد حزب الله بسلاح ايراني، فهي تقصف أي قافلة عسكرية متوجهة الى لبنان عبر سورية قادمة من طهران.
نتنياهو اكد أن العلاقة الآن هي مع ادارة الرئيس ترامب، وان اسرائيل لن تتنازل عن هذا الحلف، ولكن علاقاتها مع روسيا من أجل الحفاظ على مصالحها!
وأشار نتنياهو الى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجه له وللرئيس عباس دعوة لزيارة موسكو واجراء لقاء ثلاثي. وقال أنه رفض ذلك لانه لا يريد منح رعاية مسيرة السلام للروس، ولا يريد تعزيز النفوذ الروسي في منطقة الشرق الاوسط.
وأضاف نتنياهو بأن العلاقة مع روسيا ستساهم أيضاً في ازالة الخطر الايراني عن اسرائيل، لأن لروسيا تأثيراً على القيادة الايرانية، وستحثها على عدم معاداة اسرائيل باستمرار.
موضوع الجولان
نتنياهو أثار موضوع الجولان السوري المحتل وقال أنه قد تم ضمه الى اسرائيل، ومن الصعب التنازل عنه، وانه يريد تأييد ادارة ترامب حول ذلك اذا ما طرح موضوع الجولان. وقال انه مثلما حصلت تركيا على مقاطعة الاسكندرون، فيحق لاسرائيل الاحتفاظ بالجولان لعدة اسباب ومن أهمها:
1. في الجولان حوض مياه كبير، تعتمد اسرائيل كثيراً عليه.
2. الجولان أيضاً مصدر منابع نهر الاردن وبحيرة طبريا.
3. الجولان موقع استراتيجي مهم، واذا تم التنازل عنه، فانه يشكل خطراً أمنياً كبيراً على اسرائيل.
4. أي قرار بالتنازل عن الجولان سيؤدي الى نزاع داخلي اسرائيلي لأن مؤيدي الاحتفاظ بهذه المنطقة هم الغالبية في اسرائيل. واشار نتنياهو الى رسالة التفاهم والتعهدات التي قدمها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن لرئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك آرييل شارون في نيسان 2004، والتي جاء فيها لا عودة الى حدود 4 حزيران 1967 الا بعد التعديل على هذه الحدود، وكذلك لا تنازل عن القدس، وعدم الاعتراف بحق العودة الفلسطيني ولا ازالة للمستوطنات الاسرائيلية في الضفة والقدس والجولان.
وقد طلب نتنياهو من الرئيس ترامب التعهد بعدم السماح لسورية بالمطالبة بالجولان، فهي الآن أرض اسرائيلية، وجاء هذا الطلب لأن الرئيس بوتين رفض ابقاء الجولان تحت سيادة اسرائيل، وقال انها ارض محتلة، وهناك قرار مجلس الامن رقم 242 الذي ينص على ضرورة الانسحاب من هذه الاراضي!
مكافحة الارهاب
خلال هذا اللقاء تم الحديث أيضاً عن ضرورة مكافحة الارهاب في العالم كله بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص. واتهم نتنياهو ايران بدعم الارهاب من خلال دعمها لحزب الله ولحركة "حماس" الفلسطينية. وابدى استعداد اسرائيل لتقديم أي مساعدة استخبارية أو عسكرية للادارة الاميركية في مخططاتها القادمة لمكافحة والقضاء على الارهاب.
وادعى نتنياهو أن التحالف العربي الاسلامي مع اميركا لمواجهة داعش قد يضم اليه اسرائيل مستقبلاً لتعزيز العلاقة بين هذه الدول واسرائيل. وتباكى نتنياهو كثيراً لان اسرائيل تحملت الكثير من "الارهاب الفلسطيني".
الرئيس ترامب أصغى الى نتنياهو، وابلغه بأن الادارة الجديدة تعد الخطة العامة لمكافحة الارهاب، ولسياستها في العالم ومنطقة الشرق الأسط.
موضوع بولارد لم ينس
استغل نتنياهو الاجواء الحميمة والودية في هذا اللقاء، وطلب من الرئيس ترامب التدخل من أجل افساح المجال أمام العميل والجاسوس الاسرائيلي جونثان بولارد للهجرة الى اسرائيل، اذ انه قضى فترة طويلة في السجن واطلق سراحه، ووضعت عليه قيود بعدم التحدث للاعلام، والبقاء في حبس منزلي تقريباً.
الرئيس ترامب قال انه سيدرس هذا الطلب، وقد تم توكيل السفير الاسرائيلي في واشنطن لمتابعة هذا الطلب مع الادارة الاميركية، وامكانية نقل بولارد الى اسرائيل.
تحريض على المكشوف
يمكن القول ان نتنياهو استغل مواقف ترامب الداعمة لاسرائيل لتحريضه على اتخاذ مواقف صلبة في العديد من القضايا:-
· حرض ترامب على استمرار العقوبات الاقتصادية الاميركية على ايران.
· حرض ترامب على القيادة الفلسطينية باعتبارها ليس شريكا.
· حرضه على اقامة تحالف ضد ايران.
· حرضه ضد المنظمات الدولية والامم المتحدة التي تتخذ قرارات "معادية" لاسرائيل اذ أن الرئيس ترامب يفكر في تخفيض دعم اميركا للامم المتحدة، وسائر المنظمات الدولية.
· حرضه على اوروبا التي تحاول دعم القيادة الفلسطينية وانتقاد اسرائيل باستمرار.
· حرضه ايضا وبصورة غير مباشرة على عدم السماح للنفوذ الروسي أن يقوى في منطقة الشرق الاوسط.
· حرضه ضد بينيت وضد من يعاديه داخلياً في اسرائيل.
· حرضه على سورية وعلى عدم تطبيق قرار مجلس الامن 242!
نشوة انتصار
لقد تحولت زيارة نتنياهو لواشنطن، ولقاؤه الودي جداً، الى انتصار كبير، وفتح صفحة جديدة مع الادارة الجديدة بعد أن زال كابوس الرئيس باراك اوباما. لقد احتفل الاسرائيليون بهذا اللقاء، واعتبروه نصراً.. وكانت كل المقالات والتصريحات تعبّر عن نشوة انتصار كبير!
السؤال الاخير الذي قد يطرح الآن: هل ترامب سيفكر بمصالح اسرائيل قبل المصالح الاميركية؟ وهل سيكون "مُطيعاً" للرغبات الاسرائيلية؟
لا بدّ من الانتظار لفترة ليست قليلة من حكم الرئيس ترامب لمعرفة سياسته وتوجهاته المستقبلية، وما اذا قبل أن يطيع اسرائيل أو أن تطيعه، وخاصة انه يعمل على اعادة العظمة والهيبة لاميركا العظمى كما يصفها دائماً.