اردوغان يدفع ثمن سياسته الخاطئة في المنطقة
هل كان عملاً فردياً أم ان جهة تقف خلفه
السفير الروسي فوق العادة أندريه كارلوف لم يكن يعلم ان تأجيل توجهه الى موسكو للمشاركة في لقاء وزراء خارجية روسيا وتركيا وايران في اليوم التالي (الثلاثاء 20/كانون الاول) في موسكو، قد يسهل عملية اغتياله التي تمت في العاصمة التركية انقرة، وعلى يد رجل امن تركي مشارك في وحدة حمايته.
السفير قرر تأجيل مغادرته للعاصمة انقرة لرعاية معرض فني ضخم بعنوان "روسيا بعيون تركية"، وشارك في هذا الاحتفال، وخلال توجيه كلمته للحضور، قام هذا الشرطي باطلاق النار عليه، وعن قرب، وقام هذا الشرطي بعدها بالتكبير والقول انه انتقام لما يجري في حلب!
هذا العمل الارهابي وضع العديد من التساؤلات واهمها: توقيت الاغتيال، وما الهدف أو الاهداف منه؟ وهل هذا العمل فردي ام ان جهة ما تقف وراءه! وما هي تداعياته؟
توقيت الحادث الاجرامي
جرى الاغتيال يوما واحدا قبل عقد اجتماع وزراء خارجية تركيا وايران وروسيا في موسكو للتنسيق فيما بين الدول الثلاث حول الوضع في سورية، ومواجهة ومكافحة الارهاب في سورية والعراق ايضا.
جاء الاغتيال بعد ان تم تحرير "حلب" من يد الارهابيين. واصبحت تحت السيادة الكاملة للدولة الشرعية. وتم التحرير أو التخلص من الارهابيين في جانب من الجزء الشرقي من حلب بعد التوصل الى اتفاق سلم فيه الارهابيون اسلحتهم الثقيلة وغادروا المدينة بهدوء مع اسلحتهم الشخصية الخفيفة. وشارك في التوصل الى هذا الاتفاق كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان.
وأتى هذا الاغتيال قبيل عقد وزراء دفاع الدول الثلاث اجتماعا تنسيقيا فيما بينهم حول محاربة الارهاب في موسكو أيضاً.
وتزامن هذا الحادث الارهابي مع قيام سائق شاحنة كبيرة تزن 38 طنا فقط بمداهمة سوق ميلادي في وسط العاصمة برلين والذي ادى هذا الحادث الى مقتل اكثر من 10 اشخاص واصابة العشرات بجراح.. وتزامن يوما واحدا بعد الهجوم الارهابي على قلعة الكرك في الاردن، وقيام اجهزة الامن الاردنية بتصفية الارهابيين الاربعة، واستشهاد عدد من رجال الامن الاردنيين، وكذلك سائحة كندية تواجدت في المكان!
أي يمكن القول أن توقيت هذا العمل الارهابي قد يكون مصادفا ومن دون أي ترتيب من أي جهة للاعمال الاخرى، او قد يكون مرتبا من قبل جهة ما تريد ان تعبث اكثر واكثر بأمن المنطقة والعالم ايضا!
هل هو عمل فردي؟
حسب المعلومات الاولية فانه عمل فردي اذ ان هذا الشرطي قام بهذا العمل الارهابي انتقاما لما حدث في حلب كما ادعى بعد اطلاق النار على السفير كارلوف.
ولكن هناك من يقول انه عمل ليس فرديا لاسباب عديدة واهمها:-
· ان التوقيت كان مرتبا جدا وتزامن مع احداث حلب وغيرها من الاحداث.
· ان هذا الشخص لا بدّ ان ينتمي الى فكر معين، وموجه من قبل جهة معينة.
· لا بدّ انه مع جهة ما خططت لتهريب السلاح، المسدس، الى داخل قاعة المعرض.
· الحراس عادة يتناوبون، ولا يكونون باستمرار مع سفير، بل تكون هناك تغييرات، فلا بدّ ان من رتب الاغتيال خصص هذا الحارس ليشارك في حراسة السفير في افتتاح ورعاية هذا المعرض.
ويقال، أو هناك تكهن، بأن هذا "الحارس" قد يكون على ارتباط مع جهة ما تركية او غير تركية، وقد كلف بهذا العمل الارهابي ضد سفير دولة عظمى في العالم.
تكهنات حول الاهداف
هناك تكهنات لاهداف هذا الاغتيال الجبان، وقبل ذلك هناك اهداف معلنة، وهي ان هذا الجرم ارتكب ردا على ما يجري في حلب، أو لعودة حلب الى سيطرة الدولة الشرعية، وهذا لم يعجب الحارس (أو الجهة التي تقف وراءه)، وهناك اتهام من قبل "القاتل المجرم" لروسيا بأنها هي وراء تنظيف حلب من الارهابيين.
أما التكهنات المحتملة حول أهداف هذه العملية:-
· توجيه رسالة الى الرئيس التركي بأنه سيدخل في مشاكل امنية لانه ينسق مع روسيا، ويلبي الكثير من مطالبها واهدافها في سورية.
· محاولة عرقلة تطور العلاقات الروسية التركية الايرانية اذ جرت قبل يوم من لقاء وزاري للدول الثلاث!
· الاعراب عن عدم رضى مما يحدث في حلب وسورية ايضا، لان هناك انهزاما للارهابيين!
· من المحتمل ان يكون هذا الحارس على علاقة مع جهة ما في سورية /المعارضة السورية، وقد كلفته بالتعبير عن عدم رضاها لما يحدث، وخاصة انزعاجها من انتصار الدولة السورية على الارهابيين؟
· سؤال قد يطرحه كثيرون ولا بدّ من التحقيق فيه وهو: هل ان احد اصدقاء الحارس القاتل حارب في سورية مع الارهابيين وقتل في حلب، ولذلك فهو ينتقم من روسيا لانها هي التي وفرت الدعم الصلب للجيش العربي السوري!
· هل من الممكن ان تكون هناك جهة اميركية او تركية غير راضية عن تطورات العلاقات التركية مع كل من روسيا وايران، ولهذا ارادت التعبير عن هذا الغضب، وتحذير اردوغان من المضي قدما في ذلك؟
· هل جماعة فتح الله غولن، المعارض التركي المتواجد في تركيا غاضب على روسيا، ولذلك يقف وراء هذا العمل. وغضبه على روسيا نابع من مساعدة روسيا الكبيرة لاردوغان التي ساهمت الى حد كبير في افشال انقلاب 15 تموز 2016.
· هل من الممكن ان يكون هذا الحارس غير راض عن حكومته بعد طرد عدد من اصدقائه وجماعته من السلك الشرطي فقام بهذا العمل الاجرامي لاحراج الامن التركي وتحميله مسؤوليات كبيرة جدا! واتهامه بالتقصير؟
تقصير أمني كبير
لا شك أن هناك تقصيرا امنياً كبيراً في هذه الحادثة، وخير دليل على هذا التقصير:-
· عدم متابعة العاملين في وحدات حماية السفراء أو الشخصيات المهمة اذ عادة يكون هؤلاء العاملون تحت مراقبة سرية.
· لم تكتشف الجهات الامنية افكار هذا الحارس الذي يعمل معها.
· يجب التحقيق حول كيفية ادخال سلاحه الى قاعة المعرض؟ هل كان هذا السلاح مرخصا أو غير ذلك؟
· يجب التحقيق ايضا كيف وصل الى المنصة دون مراقبة، وهل كان موضعه هناك ام انه تحرك الى ذلك المكان لتنجح مهمته في اغتيال السفير الروسي؟
· الفيديو الذي عرض بين ان القاتل قام بفعلته، وقام بالادلاء بكلمات لاكثر من دقيقة بكل حرية.. فالتساؤل أين كان الحراس الآخرون؟ لماذا اعطوه المساحة والفرصة للتعبير عما يريده لفترة ليست بالقصيرة. هل كان الحراس الآخرون غائبين أو لم يتواجدوا بتاتاً؟
· ان قتل الحارس اغلق الى حد كبير ملف التحقيق لان خبايا واسرار هذه العملية تذهب معه، ولكن يمكن متابعة التحقيق ولكن بصعوبة اذا ما تم التحقيق مع من كان معه او من هم اصدقاؤه واقرباؤه، وضرورة التحقيق في تاريخه الشخصي بصورة مستفيضة، هناك من يقول ان قتله كان خطأً كبيراً، وكان من الممكن القاء القبض عليه.
· أين هي الحراسة على السفير الروسي؟ الم يكن من الواجب على الاتراك تشديد هذه الحراسة عليه، وخاصة ان التيارات الاسلامية غاضبة على التدخل الروسي في سورية؟
هذا الاغتيال يشكل سابقة امنية خطيرة ضد سفير دولة عظمى، وقد تكون له تداعياته الخطيرة مستقبلا!
من تداعيات الحادث الارهابي
حاول الرئيس التركي تجاوز هذا الحادث الارهابي بالاتصال بالرئيس الروسي بوتين. وقد اعرب الرئيسان عن تصميمهما على مواصلة تطوير العلاقات، وعدم التأثر به، كما ان تركيا وافقت على استقبال لجنة تحقيق روسية من اجل المشاركة في التحقيق بالحادث.
هذا الحادث الارهابي تلقى ردود فعل قوية تدينه وتشجبه. واعتبرت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، بأنه يوم اسود في تاريخ الدبلوماسية الروسية باغتيال سفير قدير وفوق العادة في وسط العاصمة التركية. وقد اعتبره كثيرون بأنه امر خطير، وهو انتهاك للحصانة الدبلوماسية اذ ان من واجب الدولة المضيفة توفير الحراسة والامن لاي دبلوماسي، وخاصة اذا كان سفيرا لدولة عظمى!
لا شك ان هناك جهات ارهابية فرحت بهذا العمل، لانها تعتبر روسيا معادية لها، وتقف الى جانب الدولة السورية، ولكن اغلبية دول العالم استنكرت وادانت الحادث.
ومن أهم تداعيات هذا الحادث الاجرامي ان معظم دول العالم، قررت تشديد الحراسة على السفارات الروسية فيها، وكذلك الايرانية خشية قيام ارهابيين باعتداءات ارهابية، كما ان اجهزة دول العالم معنية للتعلم من "درس" قيام احد الحراس باغتيال من يجب ان يحرسه، وهذا يعني ضرورة اتخاذ اجراءات للتأكد من سلامة "فكر" و"توجه" هؤلاء الحراس.
أما من تداعيات هذا الحادث على العلاقة الروسية التركية فان الرئيس التركي اردوغان مضطر لارضاء روسيا، وعدم اثارتها لان هذا الحادث من مسؤولية الدولة التركية لانها لم توفر الحماية المطلوبة لهذا السفير. وهذا يعني انه مضطر لتقديم تنازلات سياسية حول الوضع في سورية والعراق على حد سواء، ومضطر ايضا لتلبية مطالب روسية عديدة لانه في "ورطة"، ليست مع روسيا بل مع العالم كله لان اغتيال سفير في دولة مثل تركيا ليس بالعمل السهل.. بل له اثمانه وردود فعل وتداعيات خطيرة.
اردوغان يدفع ثمن سياسته الخاطئة
في تحليلات عديدة فان هناك من قال او كتب ان سياسة اردوغان في المنطقة هي التي ادت الى وقوع حوادث ارهابية مختلفة ضد تركيا، جيشا وشعبا.
فهو الذي كان الحاضنة للارهاب الذي عبر الى سورية، وهو سمح للارهابيين بالدخول الى سورية، وهو الذي سمح للمال والعتاد يدخل للاراضي السورية لتدميرها وليعيث الارهاب فتناً وخلافات فهو الذي من دعم ما يسمى "بالثورة"، واحتضن المعارضة، وانقلب على الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد. وكشف عن اطماعه الخطيرة في المنطقة.
ولكن الرياح لم تجر كما ارادها اردوغان، اذ ان سورية صمدت، وحصلت على دعم من حلفائها، وها هو ينكفىء رويدا رويدا، وهذا الانكفاء، والتخلي عن الارهابيين قد يؤدي الى رد فعل سيء من قبلهم، لان الارهابيين يصبون جمر نار غضبهم على من دعمهم اذا تخلى عنهم، أي ان تركيا ستكتوي بنار الارهاب الذي اشعلته في سورية.
وهناك أمر آخر مهم وهو ان اردوغان بعد ان اتفق مع حزب العمال الكردستاني "P.K.K" على هدنة، عاود وانهاها ليعاود المواجهة العسكرية معه، وهو الآن خائف من اقامة كيان كردي مستقل في شمال سورية، ولذلك تنازل عن جزء من اطماعه من اجل منع قيام هذا الكيان الكردي المستقل، ولذلك فهو الآن مع وحدة الاراضي السورية مع انه ايد في السابق موضوع التقسيم، ودعم الفتنة الطائفية.
اردوغان في وضع حرج امام شعبه، امام العالم، وامام سورية وامام روسيا.. فهل يستطيع تجاوز وضعه الصعب ام ان هناك مفاجآت له!