توجه الكاتب والمفكر العربي الأردني ناهض حتر الى قصر العدل في العاصمة الاردنية عمان صباح يوم الأحد الموافق 25/9/2016 ليحضر ويشارك في محاكمته حول نشر صورة، لم يرسمها أو يصممها هو نفسه، قيل أنهت مست بالذات الالهية، وفجأة توجه اليه شخص واطلق عدة رصاصات على رأسه وصدره مما ادى الى مقتله فورا. القي القبض على الجاني القاتل وهو رياض اسماعيل احمد عبد الله من مواليد 1967 من منطقة الجويدة في العاصمة الاردنية، عمان. وكان القاتل خارج الاردن، وعاد اليه اخيرا قادما من الحج، في حين ان شهود عيان اكدوا على انه كان يرتدي ثوبا، تظهر عليه علامات الالتزام الديني. وهناك مصادر اخرى قالت انه كان قد غادر الاردن الى سورية، وعاد مؤخراً، وانه من التيار السلفي في المملكة.
كان لهذه الجريمة البشعة ردود فعل مختلفة، وكان الرد الاول من اسرته وكتاب وأدباء وصحفيين اذ حملوا الحكومة الاردنية مسؤولية حادث الاغتيال، لانها لم توفر الحماية اللازمة له، وخصوصا ان السلطات الاردنية على علم بأن "ناهض" تلقى اكثر من مئتي رسالة تحذير وتهديد من مجهولين خلال الاسابيع التي سبقت حادثة اغتياله!
التحقيق جار مع القاتل المجرم، واصدر قاضي محكمة أردنية أمراً يحظر على وسائل الاعلام نشر أي معلومات اضافية، لانها قد تعرقل هذا التحقيق!
رسائل هذا الاغتيال
يمكن قراءة عدة رسائل اراد القاتل، أو من يقف وراءه، ايصالها للمفكرين والأدباء وللحكومة الاردنية وللشعب الاردني بأسره ومن أهمها:-
· ممنوع التطاول على "داعش" باية طريقة، لأن ذلك سيؤدي الى تصفية المنتقد لهذا التنظيم الارهابي.
· التيار السلفي في الاردن قد يشكل خطراً على أمن الاردن، اذ انه من داعمي داعش، وقد يقوم بعمليات اخرى قادمة ضد من "يعتدي" على داعش سواء بالكلمة المكتوبة أو عبر تصريحات مختلفة مضادة له!
· هناك خلايا نائمة هي موالية لداعش والتنظيمات الاخرى، ومن الممكن ان تتحرك بصورة فردية، وبناء على اوامر "خارجية"، أي أن هذه الخلايا قد تمس أمن الاردن في حال التغاضي عنها أو عدم اكتشافها قبل ان تقوم بأعمالها الاجرامية.
· حماية المواطن الاردني غير كافية حاليا، وخاصة لاولئك المعرضين للتصفية نتيجة مواقفهم السياسية.
· لا بدّ من كم الافواه، ومنع الحريات، ومنع التعبير الصادق، لان هذا التيار يكفر الاخرين، ولا يقبل بأي رأي لا يتماشى معه؟
· هذا التيار السلفي، وعبر هذه الجريمة، قادر على تحدي الحكومة والدولة الاردنية من خلال تنفيذ جريمة امام محكمة، أي ان هذا التيار مستعد لتحدي الامن الاردني!
· هي رسالة الى كل من يدعم سورية ضد الارهاب، وضد التنظيمات التكفيرية، وسيلاقي مصير حتر.
من المسؤول؟
سؤال يطرحه كثيرون: من المسؤول عن هذا الاغتيال؟ هل تتحمل الحكومة الاردنية حقا هذه المسؤولية لانها لاحقت حتر قضائيا حول نشر رسم استفز مشاعر التيارات السلفية؟ هل تصريحات ومواقف حتر وافكاره هي وراء هذا الاغتيال.
لا بدّ من القول ان توفير حماية لكل مواطن اردني امر صعب جدا، ولكن كان برفقة الشهيد حتر ضابط امن، وكانت حادثة الاغتيال مفاجئة للجميع، وامام محكمة لم يتوقعها احد لانها منطقة تحت الحراسة، ولكن القاتل خطط، أم ان جهة ما خططت له ذلك لانه كان على علم بحضور الشهيد حتر الى قاعة المحكمة، ولربما كان يعرف التوقيت؟ كما ان هناك تساؤلاً: من أين حصل على المسدس الذي كان بحوزته واستخدمه في تنفيذ جريمته!
أفراد اسرته اتهموا رئيس الوزراء الاردني هاني الملقى بتحمل مسؤولية هذا الاغتيال لانه هو الذي أمر بسجنه ولمدة شهر تقريبا لنشره رسماً حول "رب الدواعش" تم تفسيره على انه مس بالذات الالهية، ولكن الشهيد حتر سحب هذا الرسم واعتذر عن ذلك بعد سويعات من نشره على موقعه. وحملوا دولة رئيس الوزراء الملقى لانه كان وراء تقديمه للمحاكمة، ولولا تلك المحاكمة لما توجه الى قصر العدل ليتعرض للاغتيال.
ولكن في المقابل هناك من يقول ان تقديم حتر للمحاسبة القانونية جاء لربما لحماية حتر، ومنع السلفيين من أي عمل عدائي ضد حتر، حتى ان سجنه يفسر من قبل البعض هو حماية له، لان الحكومة الاردنية غير معنية باستفزاز مشاعر السلفيين، وكانت معنية بتهدئة الوضع، وعلى القضاء يأخذ مجراه لادانة او تبرئة حتر الذي كان متأكدا من تحقيق البراءة لان القضاء الاردني نزيه، وسيتفهم مواقفه، وسيدافع عن حرية التعبير، وكذلك سيأخذ بعين الاعتبار سحب الرسم والاعتذار عن نشره.
لقد قال بعض المقربين الى حتر انه كان مندفعاً الى حد كبير في أقواله وتصريحاته، ومن حقه أن يقول ما يريده، ويعبّر عن رأيه، ولكن كان عليه أن يأخذ الحيطة والحذر بعد أن تلقى رسائل تهديد عديدة. وكان من المفروض ان يطلب الحماية الشخصية نظرا لهذه التهديدات.
سواء تحمل هذا أو ذاك مسؤولية هذه الجريمة، فانها وقعت، ولا بدّ من العمل لمنع تكرارها. ومن ينظر اليها ويدرسها يدرك جيدا أن لا مصلحة للحكومة الاردنية في حادثة الاغتيال، بل انها مست الاردن، ومست أمنه ومست الحكومة التي لا تريد الا الاستقرار، وغير معنية بتاتا بتصعيد الوضع او اثارة المشاكل في المملكة.
ردود الفعل الغاضبة
لقد كانت هناك ردود فعل قوية على اغتياله، وخاصة من القوى الوطنية والقومية، ومن القوى الداعمة لمحور وخط المقاومة ضد الارهاب وضد الاحتلال الاسرائيلي، وضد الظلم.
وسائل اعلامية عديدة، وفي مقدمتها قناة "الميادين"، غطت هذه الحادثة بصورة فعالة وبصورة مباشرة لعدة ساعات، كذلك القنوات الفضائية الوطنية السورية بمختلف اسمائها، وكذلك المواقع العديدة، واعتبرت هذه الحادثة موجهة ليس لحتر وحده، بل لكل من يؤيد ويدعم المقاومة، ولكل من يتصدى للارهاب وداعميه وادواته العديدة.. وحيّت حتر ونضالاته ومواقفه الوطنية والقومية. ودعت الى معاقبة القاتل ومن يقف وراءه.
محاولة فاشلة لاثارة فتنة
لكون حتر كاتبا وصحفيا ومؤلفا واعلامياً ينتمي الى المسيحية، فهناك من ظن واعتقد بأن اغتياله يهدف الى اثارة فتنة دينية، ولكن أسرته وابناء الشعب الاردني افشلوا هذا الظن لان حتر كان مواطنا عربيا اردنيا، وكان يهتم بخدمة الوطن، بعيدا عن الانتماء الديني، وكان مؤمنا، ولكن ليس من المتدينين وبالتالي فان انتماءه الديني كان هامشيا وليس أساسياً.
السلطات الاردنية تعاملت بكل جدية مع الحدث، ولم يتردد الناطق باسم الحكومة الاردنية، محمد المومني، من الادلاء بالتصريحات التي ادانت الجريمة، واكدت ان القاتل سينال عقابه، ولن يسكت الاردن عن أي شخص يعرض أمن واستقرار الوطن للخطر.
في الختام، لا بدّ من القول أن هذه الجريمة لن تسكت الاصوات الوطنية، ولن تغير مواقف المفكرين الاوفياء الشرفاء، ولن توقف مسيرة الامن والاستقرار في الاردن. فقد تكون حادثة عابرة لن ينساها كثيرون، وستكون بمثابة ضوء حافز للحفاظ على أمن الاردن، وحماية بقية الكتاب والاعلاميين من سوء!
رحم الله ناهض حتر، ورحم جميع شهداء الكلمة الحرة، وحمى الله وطننا من أعمال مشينة ودنيئة تخالف الاخلاق، ولا تتماشى مع الديانات السماوية السمحاء.
من هو ناهض حتر
· من مواليد عام 1960
· صحافي وكاتب يساري اردني
· خريج الجامعة الاردنية/ قسم علم الاجتماع
· حاصل على ماجستير "فلسفة في الفكر السلفي المعاصر".
· سجن لمرات عدة في الاعوام 1977، 1979، 1996.
· تعرض لمحاولة اغتيال عام 1998. وغادر الاردن ليقيم في لبنان، وليعود بعدها الى الوطن الأم.
· من مؤلفاته: - "في نقد الليبرالية الجديدة، الليبرالية ضد الديمقراطية"
- وقائع الصراع الاجتماعي في الاردن في التسعينات".
- "المقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ".
- "الملك حسين بقلم يساري اردني".
- العراق ومأزق المشروع الامبراطوي الاميركي".
· أفرج عنه يوم 8/9/2016 مقابل كفالة مالية بعد عدة اسابيع على توقيفه في 13 آب 2016 بعد نشره رسما كاريكاتوريا عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" اعتبر مسيئاً "للذات الالهية".
· وقد وجه مدعي عام عمان الى حتر تهمتين: "اثارة النعرات المذهبية"، و"اهانة المعتقد الديني". ونفى حتر حينها ما اتهم به مؤكدا انه غير مذنب. وان الكاريكاتير تم نقله، ولم يرسمه، وهو يسخر من الارهابيين وتصورهم للرب والجنة وكان بعنوان "رب الدواعش"!