* القضية الفلسطينية تمر بأسوأ مراحل قضايا التحرر والاحتلال على مر التاريخ الحديث
* الشعب الفلسطيني لا يمتلك سوى انتمائه لأرضه وواجبه يحتم عليه مقاومة العدوان
* ارتفاع معدلات الجريمة ناتج عن الأزمات الاقتصادية وغياب آفاق الأمل لدى الناس
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره محمد المدهون
لعل من أكثر الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية هو ذلك الانقسام البغيض الذي دخل عامه العاشر دون أي حلول في الأفق لوضع حد له، فضلاً عن المتغيرات على الساحة العربية والدولية والأحداث الجارية في وطننا العربي، مما دفع القضية الفلسطينية إلى حافة الطريق.. فلم تعد تحظ بالاهتمام الذي تستحقه والمكانة التي تليق بها.. فما الذي حدث ؟ وكيف يمكن إعادة البريق لقضيتنا الوطنية ؟ ومن المستفيد من وراء استمرار هذا الانقسام ؟ وهل هناك حرب على غزة ؟.. هذه الأسئلة وأخرى طرحتها "البيادر السياسي" على الكاتب والمحلل السياسي الدكتور طلال الشريف في الحوار التالي، الذي دعا خلاله إلى تقوية الجبهة الداخلية وإنهاء الانقسام.
الواقع العربي
* في ظل المتغيرات العربية والدولية والأحداث الجارية في الوطن العربي وما تسبب في تراجع القضية الأم.. ما هي قراءتكم لمجريات الأحداث وانعكاساتها على القضية الفلسطينية ؟
- نعم القضية الفلسطينية لا تمر بمرحلة حساسة فقط، بل إنها تمر بمرحلة من أسوأ مراحل قضايا التحرر والاحتلال على مر التاريخ الحديث، فالمحتل يزداد نفوذاً وقوة وتصليب دوره في مفاعيل السياسة والاقتصاد، والتأثير في مجريات أحداث العالم، في الوقت الذي تتراجع القضية الفلسطينية على صعيدها الذاتي الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي. ففي مقابل تصاعد النفوذ الإسرائيلي ودوره في سياسات المنطقة مدعوماً بقوى الاستعمار والاستغلال الرأسمالي اللا إنساني "العولمة" خاصة في منطقة حيوية كانت شبه مستقلة فيما قبل انتصار الرأسمالية، والحديث هنا عن الشرق الأوسط، لتجد دول هذه المنطقة التي كانت تسمى نامية نفسها تزداد فقراً ودماراً وتحللاً لبعضها، وغياب سلطاتها المركزية عن إمكانية حماية أمنها واقتصادها وشعوبها، وتتعرض لحروب داخلية وخارجية تدمر بنيانها الاقتصادي، ويمعن القتل في طاقاتها البشرية، وتفقد سيادتها وتتقسم إلى كانتونات طائفية وعرقية، كما هو حادث في العراق وسوريا واليمن قبل الربيع العربي وبعده، وخاصة بعد أن استطاعت هذه الدول الاستعمارية من حرف هذا الربيع الذي انتظرته المنطقة وشعوبها طوال قرن من الزمن، وبدل الاستقلال الحقيقي والازدهار والتنمية، عادت هذه الدول لمرحلة انحطاط غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، ولا تزال المنطقة مشتعلة بالقتل والدمار وازدياد معدلات الفقر والبطالة والهجرة والتناقض الطائفي والتناحر السياسي على قضايا أحدثتها الدول الاستعمارية لأهداف عدة.. ما يهمنا منها هو هدف حماية إسرائيل وتقوية نفوذها وسيطرتها على المنطقة، وتغييب القضية الفلسطينية عن الوجود، حيث تصب كل مجريات حالة النزيف العربي والإقليمي في مجاري هذا الهدف، وهو كما قلنا لمصلحة وسيادة إسرائيل في المنطقة وصيانة المشروع الصهيوني لقرن آخر من الزمن على الأقل، وبنتائج غير نهائية نرصدها اليوم، فما بالك بنتائج صادمة قد تصل تحليلاتها لقرنين وليس لقرن زمني... من هنا تراجعت القضية الفلسطينية وطنيًا وعربياً وإقليمياً ودولياً لصالح إسرائيل، وأهم هذه التراجعات قد صنعها الانقسام الفلسطيني الذي يعد النكبة الثانية في فلسطين ...
الانقسام يديره حكام فاشلون..!
* كيف يمكن إعادة البريق للقضية الفلسطينية من جديد، ووضعها على مسارها الصحيح في ظل الوضع الفلسطيني الراهن؟
- الانقسام الفلسطيني يجب أن ينتهي فوراً، وإن لم ينته بالمصالحة وإجراء انتخابات شاملة، فعلى شعبنا الثورة على السلطتين والاحتلال في آن واحد.. ثورة على الحكام الفاشلين الذين يديرون الانقسام منذ عقد من الزمان لمصالح حزبية وشخصية أودت بالقضية إلى الذوبان والنسيان لدى العالم، وذبحت الشعب الفلسطيني وأبعدته عن قضيته، وحرفت مساره لقضايا حياتية من المعاناة، فأشغلته فيها وأضعفته إستراتيجياً في الصراع مع إسرائيل المحتلة لأرضه.. ومن هنا تبدأ الخطوات التالية لاستعادة الاهتمام العربي والإقليمي والدولي.. ونبدأ مرحلة جديدة من البناء الوطني والنضالي لإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال.
مصالح حزبية
* بالرغم من عشر سنوات على الانقسام والحصار والدعوات والجهود المتكررة لوأد هذا الانقسام إلا أن الوضع على حاله.. من المستفيد ولماذا ؟ وهل الأبواب مازلت مفتوحة لإنهاء هذا التشرذم والتشتت ؟
- المستفيد من الانقسام أولاً وثانياً وثالثاً إسرائيل، والمستفيد الرابع هم أولئك المنتفعون من استمرار الحالة الفلسطينية بعد إسرائيل وهم كثر، منهم فلسطينيون ذوو آفاق سياسية ضيقة لا تفهم السياسة ولا مصالح شعبهم، وهم تائهون في مصالح ذاتية وحزبية، ومواقع استفادوا منها على حساب شعبنا وقضيته، ويأتي بعد هؤلاء أو قبلهم لاعبوا السياسة في الإقليم وكل يحاول كسب مصالح وتقوية مواقف لبلدان كثيرة تلعب بالملف الفلسطيني، ويدرون أو لا يدرون بأنهم يخدمون المشروع الصهيوني، ويدمرون قضية شعب يسعى للتحرر والاستقلال، وأعيد القول بأنه ليست هناك أبواب مفتوحة لإنهاء الانقسام، والكرة في ملعب شعبنا إن وقف وقفته في ثورته على الحكام فقط.
غزة.. مأساة مستمرة
* غزة تعاني المآسي والويلات الواحدة تلو الأخرى.. ما هو الحل الأمثل لمشاكل غزة من وجهة نظركم؟
- الحل الأمثل لمشاكل غزة هو إما أن تصبح بها سلطة للشعب دون الأحزاب يقوم الشباب على توليدها عبر الثورة الشاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وامتلاك سلطة الحكم فيهما، وليس في غزة فقط، فالأزمة أزمة نظام سياسي غير مؤهل بمجموع خارطته السياسية لتحرير شعبنا واستقلاله، وإنهاء الاحتلال وصناعة علاقات جديدة مع دول الجوار العربي وإسرائيل مبنية على الندية واحترام حقوق شعبنا وبكل وسائل النضال وتعزيز العلاقات من جديد مع العرب والإقليم دون الدخول في تحالفات وتجمعات سياسية لا تخدم قضيتنا الفلسطينية، وحل المشاكل التي يعاني منها شعبنا ليس ذات خلفية إنسانية رغم مظهرها ومضاعفاتها، ولكن قضية غزة هي أيضاً قضية سياسية تتعلق بحقوق الجمهور.. من حقه في التعبير عن رأيه، حتى حريته في التنقل واختيار من يحكمه، وعندها تحل باقي القضايا الحياتية، وليس كما يصورها الآخرون بأنها قضايا سفر ومعابر والمرضى.. لا هذه هي مظاهر لقضية سياسية تتعلق بالحكم والحكام والاحتلال.
ارتفاع معدلات الجريمة
* بماذا تعزون الازدياد الملحوظ في معدل الجريمة في غزة؟
- ارتفاع معدلات الجريمة في غزة له علاقة بالحالة الاقتصادية أولاً، وغياب آفاق الأمل لدى الناس في إنهاء الانقسام والبطالة، وقتل الوقت وضياع السنين من أعمار الشباب دون أمل، ورغم أننا نعلل ذلك اقتصادياً، لكنه أيضاً في الأصل هي مشكلة سياسية راكمت من حولها كل سلوكيات المجتمع المقهور، وأفرزت مجتمع الكراهية والإدمان وعدم المقدرة على بناء أسرة فلسطينية مستقرة وتعيش حياة حرة وكريمة.
الحرب على غزة
* دعنا ننتقل إلى ملف آخر، فهناك تسخين لجبهة غزة، هل تتوقعون حرباً جديدة على غزة؟
- سياسياً قصة الحرب على غزة مرتبطة بالعمل المقاوم أولاً، وأحياناً بمصالح الحزب الحاكم في غزة، والأحزاب الحاكمة في إسرائيل، ليسا مجتمعين، بل كل حزب يرى في لحظة ما أن الحرب يستفيد منها لتكريس حكمه، يحاول صناعتها، ولكن إسرائيل لا تحتاج لمبررات. نقول هذا دائماً فعندما تشعر باختلال موازين القوة فهي تبدأ الحرب، ولذلك فلا أحد خارج الدائرة يستطيع التنبؤ بالحرب، وأي مواطن غير مسؤول يرى علامات الحرب، لكن لا يستطيع التنبؤ بها.
صاحب حق
* ما مدى قدرة أهالي غزة على مواجهة أي عدوان محتمل؟
- أقول دائماً.. أولاً غزة لا تريد الحرب، وغزة لا تحب الحرب، ولكن عندما تندلع الحرب ويبدأ القتال كما في كل شعوب الأرض، فالشعب يقوم بالدفاع عن نفسه بقدر المستطاع، أما عن القدرة الحقيقية فمهما كانت إمكانيات الشعب الفلسطيني تبقى قوة إسرائيل أكبر، ولا يملك الشعب الفلسطيني سوى انتمائه لأرضه وواجبه يحتم عليه مقاومة العدوان، وهذه مسلم بها، فشعبنا يمتلك شجاعة صاحب الحق والمعتدي عليه منذ العام ١٩٤٨، وهو يناضل من أجل التحرر والاستقلال، فليخرج الاحتلال وتنتهي الحروب.
الحرية والانتماء
* ما هي السبل الكفيلة لتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة الأخطار الخارجية والعدوان المحتمل؟
- السبل الكفيلة لتقوية أي جبهة داخلية هي الحرية والانتماء وغياب الظلم الاجتماعي والسياسي والحكم العادل، والشعور بالمشاركة في المسئولية عن الوطن، وعدالة التوزيع في الحقوق والواجبات، وهذا يكفل النجاح في مواجهة الأخطار والعدوان الخارجي، خاصة أن شعبنا لا يملك الثروات الطبيعية والأموال والصناعات والجيوش الجرارة والطائرات، فنحن رصيدنا الإنسان الفلسطيني الذي يجب أن يعيش بكرامة، كما عودنا في الشجاعة والإقدام في مواجهة العدوان.