الفرق المتناحرة لا يمكن أن تتحد لاستكمال المشوار الثوري
* ثورة 25 يناير كانت وستظل أيقونة استفاقة الشعوب من غفلتها
* مصر باتت جزءاً من مخطط خارجي يسعى لإثارة الفوضى فيها
* الحل يكمن بالتصالح بين فئات الشعب ومحاسبة المتورطين في قضايا الدم
*
القاهرة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
خمسة أعوام مضت على ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، في ظل واقع مؤلم لازال يخيم على أرض الكنانة.. أحداث دموية تشهدها سيناء بين الحين والآخر يروح ضحيتها نخبة من أبناء الجيش المصري نتيجة التفجيرات هنا وهناك، وعشرات، بل مئات القتلى من الجماعات المتشددة أيضاً. وواقع صعب لا يزال يعاني منه المواطن المصري جراء تدنى مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار، تقابله مسيرة إصلاحات وخارطة طريق رسمتها القيادة المصرية لازالت في بدايتها.. فأين تقف مصر اليوم ؟ وإلى أين تسير الأمور ؟ وما هي الحلول الممكنة للخروج من المأزق الراهن ؟.. هذه الأسئلة وأخرى طرحتها "البيادر السياسي" على الكاتب الصحفي والإعلامي المصري عماد عنان في الحوار التالي، الذي أكد خلاله على أن الحل السياسي هو المخرج للأزمة الحالية، مؤكداً في الوقت نفسه أن الواقع الراهن أسوأ مما كان عليه قبل الثورة نتيجة التكالب على السلطة. هذا وفيما يلي نص الحوار.
روح ثورية ولكن..!
* بعد خمس سنوات على ثورة 25 يناير ومن خلال متابعتكم المستمرة لمجريات الأمور.. كيف تقيم لنا المشهد المصري الآن، وإلى أين تتجه البوصلة؟
- بداية لابد أن نسجل حقيقة شهد بها الجميع، وإنجازاً أجمع قادة العالم حينها على عبقريته، وهي أن ثورة 25 يناير 2011 كانت وستظل أيقونة استفاقة الشعوب من غفلتها، وقبلة الأفئدة المتحررة من قيود الأنظمة الديكتاتورية التي كبّلت أيادي وعقول الملايين من العرب بسلاسل القهر والظلم والطغيان، لكن لأن المصريين خصوصاً، والعرب عامة لم يعتادوا على التخطيط والتنظيم، فضلاً عن جهلهم التام بأبجديات العمل الثوري، فشلت الثورة في تحقيق أهدافها، بل على العكس انقلب الوضع أسوأ مما كان في عهد مبارك، بفضل التكالب على السلطة، كل فصيل يسعى لأن يتصدر المشهد على حساب الأخر، وهو ما مهد الطريق لاستعادة الجيش سيطرته على مقاليد الأمور مرة أخرى.
والواقع بكل ما فيه من معاول هدم الثورة لا يبشر باحتمالية استعادة الروح الثورية في الوقت الراهن بالرغم من توافر مقوماتها بصورة فاقت ما كان على عهد مبارك، فالفرق المتناحرة فيما بينها، التي تخوّن بعضها، وتتآمر على بعضها، وتفرح في سجن وقتل بعضها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحد لاستكمال المشوار الثوري.
إثارة الفوضى
* أحداث مأساوية لا تزال تشدها سيناء وتفجيرات هنا وهناك بين الحين والآخر.. بماذا تعزو ذلك؟
- ما يحدث في سيناء لا شك أنه يحمل احتمالين لا ثالث لهما، الأول: أن مصر باتت جزءاً من مخطط خارجي يسعى لإثارة الفوضى فيها، ولم يجد أرضاً خصبة مثل سيناء لتنفيذ مؤامرته من خلال استهداف رجال الأمن من الجيش والشرطة بهدف إنهاك قدرات الجيش المصري من جانب، وإرهاق ميزانيته الاقتصادية من جانب آخر من خلال الإنفاق على العمليات العسكرية الممارسة ضد الإرهاب في سيناء، أو التأثير السلبي الناجم عن هذه العمليات على مستقبل السياحة والتي تعد المصدر الاقتصادي الأول لمصر.
أما المحور الثاني المفسر لما يحدث في سيناء، فهو العمليات الانتقامية التي يقودها بعض متطرفي سيناء ضد قوات الجيش نتيجة الممارسات القمعية التي اتخذها الجيش ضدهم من ترحيل واعتقالات وانتهاكات متتالية بهدف القضاء على الإرهاب.
الخيار العسكري
* مع تراجع الحل السياسي للأزمة المصرية هل بات الخيار العسكري هو الحل الوحيد لحسم الأمور؟
- طبيعة الشعب المصري وتكوينه الديموغرافي لا يناسبها مطلقاً الحل العسكري، فلقد كسرت ثورة يناير كل قيود الخوف والجبن التي كبلت المصريين طيلة عقود طويلة، ومن ثم فهذا الخيار مستبعد وإن كان النظام الحالي يلجأ إلية لترسيخ أركانه.
لكن الواقع والتاريخ يؤكدان أن الحل السياسي هو المخرج من الأزمة الحالية، وعلى جميع الأطراف المتنازعة الجلوس على مائدة الحوار لتقديم بعض التنازلات التي من شأنها إعلاء المصلحة العامة للدولة، فيجب على الجيش والتيار الإسلامي المتمثل في الإخوان الجلوس لبحث النقاط المشتركة للانطلاق منها نحو بناء مصر الجديدة.
والسياسة علمتنا أنه لا عداء مستمر ولا تصالح مستمر، فمصلحة الدولة العليا هي البوصلة التي تحدد أين تسير بقية الفصائل بمختلف انتماءاتها، ولو ظلت الأمور على ما هي عليه الآن، فلم تستقر الأوضاع في مصر ولو بعد عشرات السنين، لذا فالمصالحة والحل السياسي هو الحل الوحيد الآن للخروج من هذا المستنقع الدموي .
العيب في النظام الانتخابي
برلمان جديد أفرزته انتخابات قاطعها غالبية الشهب المصري.. ما مدى تمثيل هذا البرلمان للشعب المصري؟
- للأسف النظام الانتخابي في مصر شابه الكثير من العوار، وهو ما تجسد فيما عرف بنظام القائمة، حيث تم انتخاب شخصيات غير معروفة، فكيف لمن هو في صعيد مصر أن يختار شخصيات من القاهرة وهو لا يعرف عنها أي معلومات والعكس صحيح، وهو ما أفرز هذه الأسماء التي أثارت الكثير من الجدل تحت قبة البرلمان .
كما أن نسبة التصويت والمشاركة ضعيفة، حيث قاطع الكثيرون الانتخابات لأسباب متنوعة، ومن ثم لا يمكن أن نقول أن هذا البرلمان بتكوينه الحالي يمثل الشعب المصري، وإلا فما هو تفسير حجم الانتقادات اللاذعة الموجهة لأعضائه ليل نهار، لكن في نفس الوقت كان لابد من وجود برلمان بأي طريقة ومهما كان الثمن حتى يستطيع النظام الحالي استكمال خارطة الطريق التي تعهد بها في 3 يوليو 2013.
التصالح هو الحل
* ما هي توقعاتكم للمرحلة المقبلة؟
- أرى أن الوضع في مصر – إن لم تحدث انفراجة سياسية – سيستمر على نفس الوتيرة، النظام يسير وفق خطته التي حددها لنفسه، وتيار الإخوان سيقاوم بكل ما لديه من إمكانيات، وربما يزداد الوضع سواءاً في حال انضمام تيارات ثورية أخرى للإخوان حال فشل النظام الحالي في تلبية طموحات ورغبات الشعب، وهنا يخشى أن يتحول الموقف إلى طريق آخر قد يلقي بظلاله القاتمة على المشهد المصري برمته، وهذا ما نخشاه جميعاً.
* ما هو الحل للخروج من المأزق الراهن، وتحسن الأوضاع في مصر من وجهة نظركم ؟
- الحل كما قلنا سابقاً في التصالح بين جميع فئات الشعب دون استثناء، وأن يتنازل الجميع لأجل مصر، وأن يتم محاسبة المتورطين في قضايا الدم، فضلاً عن الالتزام بتعويض كل الأطراف المتضررة مما حدث خلال الفترة الأخيرة، سواءً من الجيش أو الشرطة أو التيارات الإسلامية والسياسية وغيرها.
فحين يجلس الجميع ويعلنون الاتفاق على طي صفحات الخمس أعوام السابقة مع قبول فكرة التنازل عن الثوابت التي رفعها كل فصيل، وقتها فقط يمكننا أن نقول أن مصر وضعت قدمها على أول الطريق نحو الاستقرار، أما ما دون ذلك فمضيعة للوقت والجهد، المال يدفع فاتورته المواطن الفقير وحدة دون غيره، فلن تستقيم الدولة بالجيش وحده، ولن تستقيم بالتيارات السياسية الثورية بكل طوائفها وحدها، الجميع لابد أن يكونوا على قلب رجل واحد، فالكل في سفينة واحدة، وجهل واحد فقط قد يغرق الجميع..