الخشية من صراع دموي مرير داخل اسرائيل
بعد أن قام الشاب مهند الحلبي بطعن حاخام في القدس وزوجته والاستيلاء على سلاح الحاخام واستخدامه في التصدي لقوات الأمن الاسرائيلية، ومن ثم استشهاده، وذلك يوم السبت 3/10/2015، اندلعت هبة الغضب الفلسطينية التي اجبرت رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، على عقد جلسات ماراثونية للمجلس الوزاري المصغر، وعلى مدى ايام عديدة لمواجهة هذه الهبة التي استخدمت فيها السكاكين، وكذلك عمليات دهس لاسرائيليين، ومن ثم وقوع مواجهات على مناطق التماس مع الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية والقطاع.
ولم تنحصر هذه الهبة في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967، بل امتدت لتتوسع وتقع عمليات مقاومة في العديد من البلدات والمدن داخل الخط الاخضر، أي داخل حدود 1948.
واجتماع المجلس الوزاري المصغر لم يأت فقط لمواجهة هذه الهبّة الجماهيرية الفلسطينية، بل لقراءة المستقبل، وكذلك لتفادي الدخول في نفق مظلم في المنطقة يعم فيه الفلتان الامني، وتعيش اسرائيل في ظروف صعبة.
نتنياهو قلق جدا من الوضع، وخاصة بعد استهداف الفلسطينيين للمستوطنين المتطرفين المتزمتين العنصريين لانه يدرك انه اذا فقدت الدولة الاسرائيلية زمام السيطرة عليهم، فان مواجهات ساخنة ودموية ستحدث في الضفة الغربية وحتى داخل اسرائيل، وبالتالي يتحول الصراع الى ديني، والى حالة تشبه النزاع الجاري في افغانستان وسورية وليبيا.
وخلال هذه الاجتماعات للمجلس الوزاري المصغر كان يطلب من مؤيدي وداعمي الاستيطان والمستوطنات بضرورة ضبط النفس، وعدم السماح للمستوطنين بأن يأخذوا القانون بأيديهم، والا يتصرفوا بشكل قد يسيء لاسرائيل دوليا.
وقد قالها وبكل صراحة انه سيعمل على وقف التدهور الأمني بقفازات حديدية، لا تهاون فيها مع من يريد التصعيد وحتى ولو كان يهودياً.
وانطلاقاً من هذا القلق، فان نتنياهو أوصى، وتمت المصادقة عليه من قبل المجلس الحكومي المصغر، بالاجراءات التالية:-
1. هدم منزل أي فلسطيني يشارك في المقاومة ولو كانت سلمية ضد اسرائيل.
2. نشر اكبر كمية من قوات الامن في القدس، ووضع حواجز أمنية للمراقبة.
3. فرض أقصى العقوبات على الذين يعتقلون خلال المواجهات.
4. اعطاء صلاحيات اكبر لقوات الامن، ومن بينها اطلاق النار على اي مرتكب لاية عملية "مقاومة" ضد الاحتلال.
هذه الاجراءات الصارمة جاءت لردع الشبان الفلسطينيين ومنعهم من مواصلة المقاومة، ولكن في الواقع جاءت لارضاء المستوطنين وتهدئتهم، وابقاء ثقتهم في دولتهم كبيرة وعدم فقدها، وبالتالي عدم التوجه او الجنوح للعنف الذي قد يولد مواجهات دموية، لان عدد المستوطنين في الضفة حوالي ستمائة الف نسمة، اضافة للمستوطنين المقيمين في داخل حدود القدس العربية الاسيرة.
ووضع الحواجز العسكرية، اكثر من 30 حاجزاً، بين احياء القدس العربية واليهودية، جاء أيضاً لمنع المستوطنين من دخول المناطق الفلسطينية للقيام بأعمال عدائية للعرب، وبالتالي اشعال نار حرب اهلية داخل القدس من الصعب مسك زمام الامور فيها في حالة اندلاعها.
نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهود المتطرف عارض تقسيم القدس من خلال وضع حواجز عسكرية بين شطريها، وبين احيائها العربية واليهودية، ولكنه اقتنع من نتنياهو بأن هذه الاجراءات لمنع المتطرفين اليهود من القيام بأعمال "ارهابية" تشعل النيران داخل المدينة، وانه اجراء احترازي لابقاء العيش المشترك قائماً، ولتعزيز السيطرة الامنية على كامل المدينة والاراضي المحتلة سواء في الداخل او في الضفة والقدس. وطلب نتنياهو من قادة الاستيطان وداعميه بضرورة عدم القيام بأي عمل قد يسيء للاستيطان ودولة اسرائيل، وان يعتمدوا فقد على قدرة الجيش الاسرائيلي في توفير الحماية لهم، وفي التصدي لهذه "الهبة"!
وتقول دوائر عديدة ومُطّلعة ان مثل هذه السيطرة على الوضع هي لصالح اسرائيل اذ انها تستطيع تحميل السلطة مسؤولية ما يجري امام العالم، وتحاول استغلاله لثني اوروبا عن مواقفها المؤيدة للسلطة الفلسطينية، بالادعاء ان اقامة دولة فلسطينية مستقلة تشكل خطراً على امن دولة اسرائيل لان السلطة الوطنية غير قادرة على السيطرة على الوضع، او انها هي التي تشجع على القيام بأعمال طعن وقتل بحق اسرائيليين عزّل.
والقلق الاكبر لنتنياهو هو زج عرب 1948 في هذه الهبة، لانها ستكون مشكلة امنية كبيرة لاسرائيل، ولذلك فهو يسعى الى وقف تحريض الفلسطينيين في الداخل، وينسبب هذا التحريض للحركة الاسلامية/ القسم الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح.
ورغم ان نتنياهو قلق من هذه الهبة، ولكنه في اجتماعات المجلس الوزاري المصغر لم يتردد مع المسؤولين الامنيين والسياسيين في دراسة السيناريوهات المتوقعة في المستقبلين القريب البعيد على حد سواء!