* الإضراب عن الطعام تعبير عن قيم وأخلاق المقاومة المشروعة
* من الواجب العمل على ألا تصبح الخطوات الفردية بديلاً عن الخطوات الجماعية
* مطلوب إبقاء ملف الاعتقال الإداري مفتوحاً وحاضراً أمام كافة المحافل الدولية
غزة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
بعد صبر طويل، ومعاناة جسيمة، وتحمل للألم والجوع والحرمان ما كان للاحتلال إلا أن يستجيب لإرادة أسرى الحرية الذين ضربوا أروع أمثال الصمود والتحدي في مقارعة السجان عبر أمعائهم الخاوية.. محمد علان، والشيخ خضر عدنان، وسامر العيساوي وغيرهم أسماء لمعت في معركة الأمعاء الخاوية، وأبطال أجبروا الاحتلال للخنوع لمطالهم المشروعة رغم أنفه، فتحدوا القهر والحرمان، وتحملوا مع إخوانهم ورفاقهم الجوع والعذابات من أجل تحقيق المبتغى الذي ناضلوا من أجله وهو وقف ما يُسمى بالاعتقال الإداري.. من جديد تفتح "البيادر السياسي" ملف الأسرى وإضرابهم عن الطعام، حيث استضافت الأسير المحرر عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وأجرت معه الحوار التالي حول إضرابات الأسرى، وسبل إنجاحها والمراكمة عليها.
الدفاع عن الإنسانية
* أخيراً انتصر الأسير محمد علان على قهر وجبروت السجان ليحقق انتصاراً آخر في معركة الأمعاء الخاوية.. كيف تنظرون إلى الانتصارات التي حققها الأسرى على هذا الصعيد؟
- لم يكن الإضراب عن الطعام مجرد موقف ضد إدارة السجون الإسرائيلية، لتحسين أوضاع معيشية بائسة وحسب، وإنما كان تعبيراً عن قيم وأخلاق المقاومة المشروعة، وفرض الذات والذود عن الكرامة والعزة، والدفاع عن الإنسانية والشخصية المستقلة والانتماء الوطني، ورفضاً للذل والإهانة والظلم والقهر والاعتقال التعسفي، وتأكيد حق الحركة الأسيرة في الوجود وتنظيم ذاتها والعيش بكرامة، وانطلاقاً من هذه القاعدة نرى بأن كل من يشهر سلاح الإضراب عن الطعام في وجه السجان، لهو يستحق احترامنا وتقديرنا، ويستحوذ عن اهتمامنا، ولا نتردد في دعمه، وإسناداً ترسيخاً وصوناً لثقافة المقاومة السلمية المشروعة خلف القضبان. ومحمد علان واحد من النماذج المشرقة التي أشهرت سلاح المقاومة (الإضراب عن الطعام) في وجه السجان لأكثر من شهرين، لينضم إلى سجل الأبطال في مقاومة السجان وليسجل اسمه في لوحة الشرف، فهو حقق الانتصار منذ أن قرر خوض الإضراب، وحقق الانتصار منذ أن أصر على مواصلة الإضراب، وحقق الانتصار منذ أن رفض مساومته وإبعاده مقابل إنهاء الإضراب، وحقق الانتصار حينما انتزع قراراً من محكمة العدل الإسرائيلية بتعليق الاعتقال الإداري، وهو القرار الأول من نوعه عبر تاريخ الاحتلال وبإصراره وإرادته القوية ومعنوياته العالية سيحقق الانتصار المؤكد بإنهاء اعتقاله الإداري وانتزاع حريته.
* كيف يمكن البناء على هذه الانجازات والانتصارات؟
- نحن أمام موجة من الانتصارات الفردية المتتالية، لتشكل بمجموعها ظاهرة آخذه بالأتساع داخل السجون، وهي انتصارات مهمة وظاهرة يجب الحفاظ عليها بما يعزز من ثقافة المقاومة في السجون، ولكن يجب إعادة ترتيبها وتنظيمها، ومع ذلك فهي ظاهرة مقلقة جداً لإدارة السجون التي تسعى جاهدة للقضاء على هذه الظاهرة، والقضاء على حالة النماذج الفردية وإنهاء ما يسمى بالإضراب الفردي الذي أربك الأجهزة الأمنية، بل وفي بعض الأوقات أربك الجهات السياسية في إسرائيل.
الإضرابات الفردية
* هناك دعوة إلى تنظيم الإضرابات بحيث لا تكون فردية.. كيف ترون ذلك ؟
- الإضرابات الفردية أسلوب نضالي جديد على ثقافة الحركة الأسيرة، فرضته ظروف ذاتية وموضوعية، إذ أجبر بعض الأسرى على خوض إضرابات فردية في ظل تراجع الموقف الموحد بين الأسرى. ومع ذلك حققت الكثير من الانتصارات والنتائج الإيجابية لاسيما في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري، وبالتالي كان من الواجب الاستفادة منها واستثمار ما تحقق والبناء عليه، واعتماد سياسة تراكمية يشارك فيها الأسرى داخل السجون والمؤسسات والفعاليات المختلفة خارج السجون، ويجب تنظيم هذه الظاهرة، وبالرغم من أهميتها يجب أن لا تكون هي القاعدة أو بديلاً للخطوات الجماعية.
نعم يجب تنظيم الإضرابات الفردية، وكنت قد حذرت مراراً من الاستنساخ الخاطئ للتجارب الفردية، دون التقليل من أهميتها، ودون تجاهل ما حققته، ودون إغفال تأثيرها على الاحتلال، فهي وكما قلت وأؤكد نماذج نضالية متميزة، فردية وفريدة تستحق جل احترامنا وتقديرنا. ومع ذلك يجب تنظيمها وإعادة النظر بها حتى لا تفقد بريقها، وحتى لا تستنزف جهود الخارج، ويضعف التفاعل معها والإسناد لها، وحتى لا نمنح إدارة السجون الفرصة للاستفراد بالمضربين..الخ.. فالخطوات النضالية الفردية داخل السجون، تعكس فشلاً لدى الجماعة في التوصل إلى خطوات جماعية متفق عليها، فيما من المؤكد أن الخطوات الفردية لا تعالج مشكلات عامة، ولا تحقق أهداف الجماعة، ولكنها قد تأتي بحلول فردية أحياناً أو تحرك المياه الراكضة، لذا لا يمكن للخطوات الفردية أن تحل مكان الخطوات الجماعية، ولكن عجز الجماعة في الوصول إلى خطوات جماعية، يدفع بعض الأفراد أو المجموعات للجوء إلى خوض خطوات فردية للدفاع عن الذات أو الجماعة. وبالرغم من أهميتها ومع تقديري لها، فإنه من الواجب العمل على ألا تصبح الخطوات الفردية بديلاً عن الخطوات الجماعية!!
خطوات جماعية
* هل من السهل القيام بخطوات جماعية في الظروف الراهنة ؟
- أدرك أنه من الصعب في هذه الظروف التوصل إلى خطوات جماعية كما كان في الماضي، ولربما مستحيل، ولكن على الأقل تنظيمها بحيث تتدحرج إلى الجماعية المصغرة، مثلاً تدريجياً لتشمل كل المعتقلين الإداريين، أو تدريجياً لتشمل كل المعزولين وهكذا، وحتى إن لم يضمن تحقق ذلك، فمن يقرر خوض الإضراب المفتوح عن الطعام بشكل فردي أو حزبي عليه أن يعود لجماعته وتنظيمه وقيادته في السجون وخارج السجون، وأن يلجأ لمن سيقف بجانبه ويستشيرهم ويستمع لآرائهم، لا أن يقرر وعلى الجميع اللحاق بي. فكما ليس من حق أي فصيل منفرداً أن يتخذ قرار الحرب ومواجهة الاحتلال خارج السجون، فإنه من غير المقبول لأي شخص أو جماعة أو حزب أن يتخذ قرار مواجهة السجان خلف القضبان بشكل منفرد، فالعواقب والتبعات تطال الجميع، وبالرغم من كل الخلافات والاختلافات في وجهات النظر داخل السجون، أعتقد جازماً أنه بالإمكان التوصل إلى اتفاق أو تفاهمات توافقية بهذا الشأن.
الأمعاء الخاوية
* هل معركة الأمعاء الخاوية تعد الأنجع حاليا ًفي مواجهة سياسة الاعتقال الإداري؟
- معركة الأمعاء الخاوية لا تقل أهمية عن المعركة القانونية، بالضبط كالمقاومة والمفاوضات، وهناك تلازم وترابط وثيق بين المعركتين.. فلا المعركة القانونية وحدها تحقق الانتصار المأمول في مواجهة الاعتقال الإداري، ولا معركة الأمعاء الخاوية يمكن أن تحقق ذلك بمعزل عن المعركة القانونية وإجادة إدارتها، ولكن دائماً كلمة الحسم هي للمقاومة المشروعة، للصمود والثبات، للإرادة والعزيمة
من ثم إجادة إدارة المعركة قانونياً، وتوظيف المعطيات الأخرى، واستثمار ما يمكن أن يحققه الأسرى في معركة الأمعاء في انتزاع قرار قانوني يتوج الانتصار. وفي ظل فشل الجهود القانونية بمفردها في التصدي للاعتقال الإداري، أعتقد أن معركة الأمعاء الخاوية أثبتت نجاعتها في مواجهة هذا الشكل من الاعتقال التعسفي، واستطاعت أن تنتزع مواقف ايجابية من مؤسسات وشخصيات دولية، كما واستطاعت أيضاً أن تنتزع قرارات مهمة من المحاكم الإسرائيلية لصالح حرية الأسرى، وهذا تأكيد على أن الحق يُنتزع ولا يوهب.. في ظل الاعتقاد السائد لدينا جميعاً بأن القضاء الإسرائيلي أداة من أدوات الاحتلال، ويحتكم لقرارات الجهات الأمنية، وفي ظل الصمت الدولي. ووفقاً لكل ذلك، نعم تبقى للمقاومة السلمية المشروعة خلف القضبان (معارك الأمعاء الخاوية) كلمة الحسم، ولكن تحتاج إلى عوامل وظروف عديدة من أجل أن تحقق الانتصار المأمول.
وإن عدنا للتاريخ، فإن كل ما تحقق من تطور على واقع الحركة الأسيرة انتزع بفعل الإضرابات عن الطعام.
استثمار ومراكمة
* ما هو المطلوب جماهيرياً ورسمياً وعربياً ودولياً لنصرة قضية الأسرى؟
- المطلوب الكثير الكثير .. أولا مطلوب من الحركة الأسيرة تنظيم صفوفها وتوحيد رؤيتها، ومطلوب منا استثمار ما تحقق والمراكمة عليه، وإبقاء ملف الاعتقال الإداري مفتوحاً وحاضراً أمام كافة المحافل الدولية، لكن وأقولها بمرارة لازلنا نتعامل بردات فعل وعشوائية وعفوية مع هذا الملف وغيره من ملفات الحركة الأسيرة.
إن الإضرابات الفردية بأشكالها وأنماطها المتعددة هي استمرار لمظاهر الثورة المشروعة ضد الاحتلال وأدواته في سبيل الحفاظ على الهوية، والذود عن الكرامة، وفي سبيل انتزاع الحقوق الأساسية والمشروعة.. هذا حق كفله القانون الدولي للأسرى، وهذا هو الفلسطيني، داخل أم خارج السجون، لم ولن يقبل بالظلم وهو مستمر في مقاومته المشروعة التي أجازها القانون الدولي لإنهاء الاحتلال وإغلاق السجون والعيش بحرية وكرامة.