صوّت الشعب اليوناني في الاستفتاء العام الذي جرى يوم الاحد 5/7/2017 ضد سياسة التقشف التي أرادت دول الاتحاد الاوروبي الثرية املاءها وفرضها على اليونان. وقال 61 بالمائة من المشاركين في ا لاستفتاء: لا لهذه الاملاءات والشروط المذلة.. وهذا التصويت اربك قادة الاتحاد الاوروبي الذين سارعوا الى الدعوة لعقد قمة طارئة لهم يوم الخميس 9/7/2015، وكذلك توجهت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل يوم الاثنين 6/7/2015، أي بعد يوم من اجراء الاستفتاء، الى فرنسا للقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند لبحث تداعيات هذا القرار الجماهيري اليوناني على "ساحة اليورو"، وسارت في شوارع اثينا مظاهرات مرحبة بقرار الشعب، ومعلنة في الوقت نفسه فوز حكومة الشاب اليساري اليكيس تسبيراس (40 عاما) بالثقة مجدداً بعد مرور ستة شهور على تشكيل حكومته التي رفضت الاملاءات الاوروبية، ورفضت كل الشروط التي حاولت فرضها على اليونان منذ عدة سنوات، حتى انها رفضت دفع أو تسديد مبلغ وقدره 1,5 مليار يورو للبنك الاوروبي حتى مساء الثلاثاء 30/6/2015، وقالت هذه الحكومة انه لا بدّ من تغيير الشروط وتغيير الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي.
مسؤولية مَنْ تراكم الديون
حجم الديون اليونانية وصلت الى اكثر من 240 مليار يورو، وهي تراكم لديون مع فوائدها عبر 14 سنة خلت. وقد كانت الحكومات اليونانية السابقة تحصل على القروض، وبالتالي لا تسددها، ولا تعمل على وضع جدولة ما. وفي الوقت نفسه كان الاتحاد الاوروبي متساهلاً الى أبعد الحدود مع هذا الاسراف في تبذير أموال الدولة اليونانية.
وقبل سنتين او اكثر قليلا، قرر الاتحاد الاوروبي وقف أي مساعدة لليونان الا بشروط قاسية، شروط تقشف طويلة ومهينة.. وتذمر الشعب اليوناني لانه بات يعيش في حالة سيئة لا يحسد عليها، اذ انه بدأ يفقر، وكذلك بدأ يشعر بعدم الامان، وغياب الاستقرار الاقتصادي. واصبح المواطن اليوناني لا يستطيع سحب اكثر من 60 يورو يوميا من حسابه ولو كان بالملايين، فأصبح فريسة لهذا الوضع الاقتصادي المأساوي.
اي ان الحكومات السابقة مع الاتحاد الاوروبي تتحمل جميعا مسؤولية تراكم الديون اذ كان من المفروض معالجة هذه القضية منذ سنوات، ولو تم ذلك لما تعرض الشعب اليوناني لما يتعرض له من وضع اقتصادي سيء!
أسباب التصعيد
فاز حزب رئيس الوزراء اليساري في الانتخابات الاخيرة قبل ستة شهور لانه رفع شعاراً مناهضاً لهذه الشروط الاوروبية في تسديد الديون المتراكمة على اليونان.
وشكل تسيبراس الحكومة، ووضع وزير مالية قدير جدا، وبدأ في مفاوضات الاوروبيين حول طريقة التسديد، والخروج من الازمة الحالية، الا ان قادة اوروبا وخاصة المستشارة الالمانية ميركل رفضت تليين الموقف الاوروبي، وتسهيل المهمة على الحكومة اليونانية، فبالتالي اضطرت الحكومة اليونانية الى وقف العمل بالشروط المذلة الصعبة، ورفضت تسديد الدين المستحق عليها في اواخر شهر حزيران 2015، ودعت الى اجراء استفتاء عام للاجابة على سؤال واحد: نعم، اي الاذعان للاتحاد الاوروبي، ولا لرفض الشروط ووضع شروط جديدة او الخروج من منطقة اليورو. وكان الجواب "لا" بأغلبية 61 بالمائة من الاصوات.
من هنا، يمكن القول ان الحكومة اليونانية اليسارية حاولت التغيير لهذه الشروط الا ان عناد اوروبا اجبرها على المواجهة.
الخيارات المتوفرة او المتاحة
أمام اوروبا خياران لا ثالث لهما: اما التمسك بالشروط، وبالتالي اضطرار اليونان للخروج من منطقة اليورو، اي الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، واصدار عملة جديدة لها، واما تليين الموقف مع اليونان، واعادة جدولة الديون مع شطب جزء ما، وتسهيل طريقة التسديد.
في اي من الحالتين، فان الاتحاد الاوروبي في مأزق، اذ أن تشديد مواقفه سيؤدي الى انسحاب اليونان، وهذا سيشجع اسبانيا والبرتغال اللتين تعانيان من عجز مالي على السير على طريق اليونان، والانسحاب ايضا من الاتحاد اذا لم تسهل الامور لهما، وكذلك اذا تساهل الاتحاد الاوروبي مع اليونان، فانه مكره أن يتساهل مع بقية الدول الاوروبية التي تعاني من ديون كبيرة.
ويقال أن اليونان كانت غنية وساعدت المانيا عبر التاريخ، وقدمت لها مبالغ كبيرة لانقاذها من حالة الافلاس، وبعد ذلك شطبت الكثير من هذه الديون، اما المانيا اليوم فتتعامل مع اليونان بصورة قاسية جدا لم يستطع الشعب اليوناني تحمل ذلك!
الانسحاب بهدوء ويحتاج الى وقت
عملية الانسحاب من الاتحاد الاوروبي تحتاج الى خطة مدروسة، ويبدو انها معدة لذلك، اذ يتم اصدار عملة جديدة تساوي قيمة اليورو، وبعد حوالي السنة تكون اليونان خارجة من منطقة اليورو.
هناك عدة دول قد تدعم اليونان في قرارها هذا ومنها: روسيا والصين واليابان والبرازيل. وهذا الامر يدركه قادة الاتحاد الاوروبي. وكذلك يطالب اليونان بان يكون الاتحاد الاوروبي مستقلا في قراراته السياسية لا تابعا للهيمنة الاميركية.
لقد وضعت اليونان عدة "كؤوس" مرة "أمام الاتحاد الاوروبي ليتجرع احداها، وهو مضطر لذلك، لانه يخشى من ان تؤثر اليونان على الدول الاخرى، ويضعف الاتحاد.
الوقت مبكر لاتخاذ القرار الاوروبي حول أي خيار يتم تبنيه، اذ ان المفاوضات مع الحكومة اليونانية بدأت وقد تحتاج الى وقت للتوصل الى اتفاق أو قرار نهائي، لان الازمة اليونانية ليست سهلة، وشكلت منعطفاً خطيراً لهذا "الاتحاد"، فاما ينجو من "الانهيار" او يقع في حفرة عميقة هو ساهم في حفرها!