مبررات اسرائيل وحماس من تحقيق الاتفاقين
أهم نصوص اتفاق التهدئة وتداعياته الخطيرة
في اجتماعات المجلس الثوري في دورة عادية له عقدت يومي 15 و16 حزيران/2015، أعلن الرئيس محمود عباس عن استقالة حكومة الوفاق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، وتكليفه مجدداً لتشكيل حكومة جديدة.
هذا الاعلان جاء ردا على توفر معلومات شبه مؤكدة بأن هناك مفاوضات غير مباشرة بين اسرائيل وحركة حماس للتوصل الى اتفاق هدنة طويل الامد، وان هناك نية لدى حماس باقامة امارة او دويلة في القطاع من دون التنسيق مع القيادة الفلسطينية، ومن دون علمها. وان موضوع التهدئة كان يتم التفاوض حوله بمشاركة وفد موسع يمثل جميع القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والاسلامية برعاية مصر.. لكن يبدو أن "حماس" سلكت طريقا جديدا للتوصل الى هذه التهدئة.
وأصدر الرئيس اوامره لرئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة وحدة وطنية، الا ان الاتصالات لتشكيل هذه الحكومة لم تنجح، ولذلك منح الرئيس عباس الحمد الله فرصة اجراء تعديل حكومي بحيث لا يتجاوز 5 وزراء!
تصاعد التوتر بين الحركتين
تصاعد التوتر بين الحركتين "حماس" و"فتح" في تبادل الاتهامات وكذلك قامت الاجهزة الامنية الفلسطينية باعتقال اكثر من 140 كادرا وقائدا من "حماس"، في حين ان "حماس" صعدت من اجراءاتها ضد أبناء حركة "فتح"، وضد المؤسسات التي تعتبرها موالية للسلطة، ومن بينها اغلاق المقر العام لشركة الاتصالات الفلسطينية "جوال" في القطاع لمدة اسبوع بناءً على امر من النائب العام في القطاع اسماعيل جبر، وتم اغلاق جميع معارض "جوال"، ومنع الوكلاء من القيام بأية عملية لصالح الشركة.
وخرجت اصوات داخل سلطة حماس في القطاع تنادي بضرورة ان تحصل "حماس" او سلطة القطاع على الاموال التي تحولها اسرائيل للسلطة، والتي تجبى من الضرائب على الفلسطينيين مدعية ان ما يدفعه ابناء غزة من الضرائب يجب ان يحول الى سلطة الحكم في القطاع. وهذه الاقوال اغضبت القيادة الفلسطينية في رام الله. كما اغضب القيادة الفلسطينية اكثر موضوع الاتفاق الذي قد يوقع بين حماس واسرائيل بين فينة واخرى.
نصوص الاتفاق
ورغم نفي بعض القادة الحمساويين لوجود مثل هذا الاتفاق، الا ان آخرين من داخل الحركة أشاروا ولمحوا الى وجوده، كما ان دوائر اسرائيلية عليمة اكدت ان المفاوضات حول هذا الاتفاق ما زالت مستمرة بصورة غير مباشرة، وعبر وسطاء وخاصة تركيا وقطر وسويسرا والامم المتحدة. ومن أهم بنود هذا الاتفاق الذي يصاغ:-
1. هدنة او تهدئة أمنية تستمر لـ 5 سنوات قابلة للتجديد تتعهد فيها اسرائيل بعدم شن غارات، أو تصفية قيادات في القطاع، في حين ان حماس تتعهد بعدم اطلاق صواريخ على اسرائيل، ومنع اية جهة من القيام بذلك من داخل القطاع، وكذلك عدم القيام بحفر انفاق، أو تهريب سلاح للقطاع. ومنع القيام بأية عملية عسكرية ضد اسرائيل في الضفة الغربية.
2. اقامة ميناء عائم في البحر يشرف على اعماله فريق من المراقبين الدوليين.
3. فتح جميع المعابر مع اسرائيل لادخال جميع ما يحتاجه القطاع من وقود، واغذية، ومواد بناء.. الخ والسماح لعمال من غزة بالعمل في اسرائيل.
4. السماح بحصول "حماس" على تمويل دولي لاعادة اعمار القطاع.
5. توسيع مسافة المياه الاقليمية للقطاع الى 8 أميال حتى يستطيع الصيادون الحصول على ثروة سمكية.
وهناك عدة مواضيع تم تأجيل البت فيها ومن أهمها:-
أ. اقامة مطار في القطاع او بالاحرى اعادة فتح مطار رفح، واسرائيل ترفض ذلك.
ب. استخراج الغاز المتواجد قبالة سواحل القطاع.
صفقة تبادل أسرى
ومن ضمن الاتفاق الذي لم ينجز ايضا وهو قيد التفاوض تبادل أسرى اذ ان اسرائيل تريد اعادة رفاة الجنود المقتولين، وبعض "الاسرى المفقودين" مقابل اطلاق سراح عدد من الاسرى الفلسطينيين، اذ ان المفاوضات بهذا الشأن تسير بسرية كبيرة من الجانبين. واذا تم التوصل الى اي شيء بخصوص هذه الصفقة سيعلن عن تفاصيلها الى جانب الاعلان عن الاتفاق مع حماس حول التهدئة.
مبررات حماس للاتفاق
تحاول "حماس" تقديم بعض المبررات للتوصل الى اتفاق مع اسرائيل، ومن اهم هذه المبررات المعلنة:-
1. بعد مرور عام على العدوان الاخير على القطاع في صيف العام المنصرم 2014 لم يتم انجاز كبير في مجال اعادة اعمار القطاع، والمواطنون في القطاع بحاجة الى ذلك، ولا تستطيع "حماس" الانتظار كثيرا، ولا بدّ من تحقيق ذلك بصورة لن تمس بمبادئها الاساسية.
2. الاتفاق سيؤدي الى زيادة شعبية الحركة.
3. سيساعد الاتفاق على تحسن الوضع الاقتصادي.
4. سيتم انهاء الحصار الاقتصادي.
5. سيتم بناء ميناء عائم، وهذا انجاز كبير بالنسبة لها.
6. حكومة التوافق لم تتحمل مسؤولياتها تجاه الاعمار.
7. حكومة الوفاق الوطني لم توفر الرواتب لجميع العاملين، وخاصة اولئك الذين تم تعيينهم بعد حزيران 2007.
8. هناك تشجيع عربي ودولي للتوصل لهذا الاتفاق الذي قد يفتح آفاقاً سياسية للحركة لاقامة علاقات مع العالم.
9. سيوفر الاتفاق حماية لقادتها في الخارج والداخل.
10. عدم تطبيق القيادة الفلسطينية بنود اتفاق المصالحة الاخير.
11. ستحصل على منح مالية لتغطية العجز المالي، ولتغطية رواتب العاملين.
12. سيعزز الاتفاق من سيطرتها على القطاع لفترة طويلة لانه لن تجري انتخابات جديدة.
13. قد يساهم الاتفاق في تحسين العلاقة مع مصر من خلال اثبات حسن النوايا، والتنسيق الامني لمنع تسلل متطرفين من القطاع وعبر الانفاق الى سيناء.
14. قد يكون الاتفاق خطوة اولى لشطب اسمها من قائمة التنظيمات الارهابية.
15. قد يوفر اقامة دائمة لجميع القادة في الخارج داخل الوطن في القطاع ليخفف العبء عن الدول التي تستضيف هذه القيادة.
16. سيؤدي الاتفاق الى تبادل اسرى (صفقة الجنود الاسرائيليين) وهذا يعني الافراج عن اسرى فلسطينيين! وهذا بحد ذاته سيكون انجازا كبيراً سياسيا وشعبيا!
مبررات اسرائيل للتوصل لهكذا اتفاق
اسرائيل معنية للتوصل الى اتفاق مع "حماس"، وتسميه اتفاقاً أمنياً، أو اتفاق تهدئة طويل الامد لتحقيق عدة انجازات سياسية بالنسبة لها، ومن اهم هذه المبررات:-
1. انهاء حالة الرعب والخوف التي يعيشها سكان المناطق المحاذية لقطاع غزة، ووقف اطلاق صواريخ على اسرائيل.
2. ابقاء السيادة الامنية الكاملة على القطاع عبر مراقبته وسيطرة سلاح الجو على ذلك.
3. اعادة الجنود المفقودين سواء المقتولين او الاحياء الى عائلاتهم والى الوطن الاسرائيلي.
4. تعزيز الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وفصل الوحدة الجغرافية بين القطاع والضفة.
5. عدم قيام حماس بأي عمليات عسكرية في الضفة الغربية.
6. اجبار حماس على تبني الخط السياسي وتجميد خيارها العسكري.
7. اضعاف الرئيس محمود عباس من خلال فقده لجزء كبير من شعبه ولمنطقة جغرافية مهمة، وبالتالي احراجه ومحاولة فرض حلول عليه.
8. اشغال غزة في البناء والاعمار والازدهار الاقتصادي وتحقيق "سلام اقتصادي" معها.
9. الاتفاق سيكون بضمانة تركيا وقطر، اي ان العلاقة مع هاتين الدولتين ستكون جيدة، وهذا سيفتح المجال امام انفتاح اسرائيلي كبير وعلني مع دول عربية واسلامية.
10. تفرغ اسرائيل لقضايا اخرى حساسة ومنها الملف النووي الايراني، والمقاطعة للبضائع الاسرائيلية، ومراقبة الاوضاع المتوترة في العالم العربي وخاصة في سورية. ومراقبة "داعش" واخوات هذا التنظيم الخطير!
11. تحييد "حماس" من المشاركة في اية مواجهة عسكرية مع سورية او حزب الله.
12. الاتفاق قد يُرضي الرئيس الاميركي اوباما المتهم اسرائيليا بانه حليف او صديق لحركة الاخوان المسلمين، وحماس جزء من هذه الحركة العالمية، وبالتالي قد يحسن العلاقة المتوترة بين نتنياهو واوباما.
13. هذا الاتفاق سيبعد "حماس" عن ايران. وقد يقرّبها من السعودية الى حد ما!
14. سيكون هناك تعاون "امني" بين حماس ومصر ولربما اسرائيل لمحاصرة التنظيمات الارهابية في سيناء التي قد تشكل خطرا ايضا على اسرائيل في المستقبل القريب.
15. الاتفاق سيحسن العلاقة بين مصر واسرائيل، اذ ان مصر من المؤيدين للتوصل الى اتفاق تهدئة طويلة الامد.
16. سيخفف الى حد كبير من المشكلة الديمغرافية التي قد تعاني منها اسرائيل مستقبلا، اذ يتم الخلاص من حوالي 2 مليون عربي فلسطيني يقيمون في اراضي فلسطين التاريخية. اذ ان عدد العرب واليهود في هذه الاراضي (اسرائيل والضفة وقطاع غزة والقدس) أصبح متساويا، وبالتخلص من مليونين تبقى كفة الميزان راجحة لصالح "اليهود".
تداعيات الاتفاق
اذا تم الاتفاق او الاتفاقان (التهدئة وصفقة التبادل)، فان ذلك يعني توجيه ضربة قوية للقضية الفلسطينية، ويعني "تأبيد" الانقسام، وتعزيز دور حماس في الساحة الفلسطينية.
وهذا يعني ان اسرائيل لن تسمح باقامة دولة فلسطينية في الضفة لانها ستقول ان الدولة قائمة في القطاع. وقد تسمح باقامة كيان ذاتي محدود الصلاحيات في المستقبل من خلال اجبار السلطة الوطنية قبول ذلك.
ويعني هذا الاتفاق مع حماس ان حل القضية الفلسطينية برمتها قد تأجل لسنوات طوال. وكذلك يعني أن حل الدولة الواحدة ثنائية القومية غير وارد، حتى ولو فرض فانه لن يؤثر على الاغلبية اليهودية بعد سلخ القطاع عن الضفة الغربية.
وهذا الاتفاق قد يؤدي الى تشجيع القيادة الفلسطينية على التوجه الى محكمة الجنايات الدولية، غير آبهة لتقرير لجنة حقوق الانسان التي أدانت حماس، وبالتالي قد يقدم قادتها للمحاكمة ايضا بحجة أنهم ارتكبوا جرائم خلال العدوان الاسرائيلي على القطاع "الرصاص المصبوب" أو "الجرف الصامد" كما تسميه اسرائيل. وهذا الاتفاق يقضي على كل جهود المصالحة، ويلغي كل الاتفاقات السابقة بين حركتي حماس وفتح.
والتساؤل: كيف يمكن تجاوز التداعيات الخطيرة على القضية الفلسطينية؟
الاجابة صعبة جدا، وهذا التجاوز قد يكون صعبا، ولكنه لن يكون مستحيلا.. انه يحتاج الى وضع دراسة او استراتيجية فلسطينية، ويحتاج الى تفعيل منظمة التحرير، لتأخذ دورها في اعادة اللحمة الفلسطينية.
الاتفاق سيدخل القضية الفلسطينية في نفق، أو قد يضعها على مفترق طرق، أو منعطف خطير.. ولا بدّ من معالجة حكيمة وهادئة لتمرير وتجاوز المرحلة القادمة التي ستكون صعبة جداً على القيادة الفلسطينية!