بعد تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، والرابعة برئاسة بنيامين نتنياهو، والمصادقة عليها من قبل البرلمان الاسرائيلي، وبدء أعمالها، يتساءل كثيرون: ما هي أولويات هذه الحكومة؟ وما هو المتوقع منها على الصعيد السياسي، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟
ادارة الصراع وليس حله
لن تقدم الحكومة الجديدة أي تنازلات سياسية للجانب الفلسطيني، لأنها لن تتنازل عن أراضٍ، ولا تريد اقامة دولة فلسطينية، ولا تريد ازالة مستوطنة واحدة، حتى تلك التي تُسمى بأنها عشوائية وغير شرعية، ولذلك فان نتنياهو سيعمل على ادارة الصراع، ولن يكون مستعداً لأي حل لانه لا يرغب في ذلك، أي أنه لا يملك أية نية للحل، وكذلك اذا توفرت هذه النية، مع قدرة قادر وبأعجوبة، فانه لن يكون قادراً على تحقيق ذلك لأن حكومته يمينية، ولان الغالبية في الكنيست الاسرائيلي هي لمعسكر اليمين، ولذلك فلن يتوقع الفلسطيني أو أي شخص أي انفراج أو اختراق في المجال السياسي.
وقد يتعرض نتنياهو الى ضغط كبير جداً من قبل دول العالم، لكنه سيحاول ادارة هذا الصراع، وسيضلل العالم بخطوات قد تظهر حسن النوايا، ولكنها لن تؤدي الى أي حل دائم أو عادل أو شامل.
ولا شك أن هناك أولويات للحكومة الجديدة وأهمها قضايا الشأن الداخلي مثل البناء والاسكان وتحسين الظروف المعيشية للمواطن الاسرائيلي.. الخ. وأما على الصعيد السياسي والأمني فان اسرائيل تراقب عن كثب الأوضاع غير المستقرة فيما حولها، وكذلك في المنطقة، ويشغل بالها الملف النووي الايراني، وكيفية مواجهة أي اتفاق سيتم التوصل اليه مع نهاية شهر حزيران القادم لا يلبي شروطها، ولا يوفر طمأنينة لأمنها ووجودها من وجهة نظرها أو تقييمها للاتفاق حول هذا الملف الخطير في حساباتها وجدول أعمالها.
وكيف ستتعامل مع القضية الفلسطينية أو بالتحديد مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
خطوات لتحسين الظروف الحياتية
للمواطن الفلسطيني
من أجل اظهار حسن نوايا، وتأكيد رغبتها في الاستقرار والهدوء، فان حكومة نتنياهو ستعمل على تنفيذ عدة خطوات لتحسين الظروف المعيشية اليومية للمواطن الفلسطيني ومن بينها:-
· اصدار آلاف التصاريح الجديدة للفلسطينيين للعمل داخل اسرائيل، وهناك مخطط بأن يصل عدد التصاريح مع نهاية العام حوالي مائة ألف تصريح.
· السماح باقامة مشاريع استثمارية في مناطق "ج". وهناك العديد من هذه المشاريع التي تنوي الدول المانحة دعمها.
· السماح لعناصر الشرطة الفلسطينية في بسط الأمن في المناطق القريبة من القدس، والمصنفة مناطق "ب" مثل العيزرية والرام، وذلك باقامة مراكز شرطة فيها.
· السماح بتصدير منتوجات زراعية من قطاع غزة الى اسرائيل، أو مناطق الضفة الغربية.
· تعزيز استيراد الفلسطينيين للعديد من المواد المختلفة من الاردن أو عبر الاردن، أو عبر ميناء حيفا.
· السماح بربط مدينة روابي بشبكة مياه الضفة الغربية.
· تحويل الأموال التي تجبى من الضرائب على الفلسطينيين من قبل اسرائيل الى وزارة المالية الفلسطينية.
· السماح لسيارات بعض الأطباء، "حوالي مائة سيارة"، والذين يعملون أو يتدربون في المشافي الاسرائيلية بدخول اسرائيل.
· السماح للفلسطينيين مما هم فوق الـ 55 عاماً للرجال، و50 عاماً للنساء من دخول اسرائيل من دون أي تصريح.
أهداف هذه الاجراءات
هناك عدة أهداف وراء مثل هذه الاجراءات أو التسهيلات الاسرائيلية ومن أهمها:-
1. التأكيد للعالم أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة تقوم بسلسلة اجراءات تخفف المعاناة اليومية للمواطن الفلسطيني، وتحسن من ظروف معيشته اليومية. وان هذا الاحتلال يوفر أجواء الرخاء للمواطن ولا يشكل معاناة، أي أن هذه الاجراءات للتغطية على بقاء الاحتلال.
2. محاولة اسرائيل القول والادعاء أن بناء جسور الثقة، أو تحقيق سلام اقتصادي هو خطوة أولى نحو التوصل الى حل نهائي ودائم. ولكن ذلك يحتاج الى وقت، وهذا بالطبع سيكون رداً على أي ضغط سياسي من أي دولة في العالم بضرورة العودة الى المفاوضات، وطبعاً تريد اسرائيل المفاوضات من اجل المفاوضات، ولبحث قضايا ثانوية وليست القضايا الرئيسية.
3. هناك هدف خطير وهو محاصرة السلطة الوطنية وتضييق الخناق عليها من قبل الشعب الفلسطيني. وقد يتساءل أحدهم وكيف سيكون ذلك؟ والرد أن السلام الاقتصادي سيشجع الفلسطيني على الاهتمام بأموره الحياتية، ولا يسمع أو يصغي الى طلبات السلطة الوطنية ورغباتها. وكذلك فان توفير العمل في اسرائيل سيخفف من هيمنة السلطة على قطاع العاملين عبر الرواتب الشهرية. فاذا وصل عدد العاملين الفلسطينيين الى أكثر من مائتي الف بعد سنة أو أكثر، فان هؤلاء سيعملون بصورة غير مباشرة تحت الهيمنة الاسرائيلية، وسيكونون في حل من هيمنة السلطة الفلسطينية! وبالتالي تكون السلطة الوطنية بحاجة الى علاقة جيدة مع اسرائيل تجنباً من ان يغضب هؤلاء عليهم... قد تكون الامور ليست سهلة فيما يتعلق بهذا الهدف اذ أن لقمة العيش لن تكون افضل أو أقوى من الانتماء الوطني لدى نسبة كبيرة من المواطنين الفلسطينيين. ولكن قد تكون لها التأثير الكبير على أرض الواقع.
اسرائيل تخطط وتضع برامج عمل مستقبلية، ولكن هل للسلطة استراتيجية عمل مواجهة أو موازية لما قد تخطط له اسرائيل. يأمل كثيرون ان تكون هناك مثل هذه الاستراتيجية مع أن هذا الأمل ضعيف كما يبدو حالياً.