هناك خيارات عدة قد تلجأ اليها القيادة
بعد فشل الجهود الدبلوماسية
لا شك أن المرحلة الحالية صعبة ومحرجة لأنها تتصف بالجمود السياسي، وهذا ما تريده اسرائيل، وتسعى الى تحقيقه، لأنها تتجنب أي مفاوضات جادة وناجحة تؤدي الى استحقاق لا تريد ولا ترغب في تقديمه، وهي تريد ابقاء الوضع على ما هو عليه الآن. لذلك، فان القيادة الفلسطينية تبذل جهودا دبلوماسية مضنية لانهاء حالة الجمود السياسي، والانطلاق نحو حل شامل ودائم وعادل للقضية الفلسطينية. ومن هذه الجهود اجراء اتصالات مع الدول كافة في العالم، وبالتالي العمل على تدويل النزاع مع اسرائيل، واجبار الشرعية الدولية على تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، والعمل على انهاء هذا الاحتلال المستمر منذ حوالي 48 عاماً.
هناك عدة تحركات فلسطينية واوروبية ودولية لتحريك هذا الوضع، وازالة هذا الجمود السياسي. ومن أهمها التحركان الاوروبي والفرنسي.
مشروع القرار الفرنسي
بعد أن فشلت الجهود الفلسطينية لاستصدار قرار من مجلس الأمن يعترف بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران 1967 بسبب ممارسة اميركا حق النقض الفيتو، بدأت فرنسا، وبالتعاون مع بريطانيا في اعداد مشروع قرار جديد يقدم الى مجلس الامن في المستقبل القريب، ويتضمن القرار عدة بنود ومن أهمها:-
1. الاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال التركيز على حل الدولتين.
2. حدود الدولة المعترف بها هي 4 حزيران 1967 ولكن معدلة وحسب الاتفاق بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي عبر التفاوض.
3. أن يتم انهاء الاحتلال الاسرائيلي عبر التفاوض في فترة زمنية ما بين 3 – 5 سنوات.
4. الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وللشعب اليهودي.
تحفظ فلسطيني على المشروع الفرنسي
هناك تحفظ فلسطيني على هذا المشروع التي تعده فرنسا وبريطانيا لعدة أمور جوهرية واساسية:-
1. لا تستطيع القيادة الفلسطينية الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية لان ذلك سيمس الوجود العربي الفلسطيني داخل اسرائيل، وقد يمنح اسرائيل العذر أو الحجة لترحيل أبناء شعبنا في الداخل نتيجة تفسير اسرائيلي خاطىء لهذا القرار.
2. الاعتراف بدولة فلسطين على حدود "معدّلة" يعني أن التفاوض سيكون طويلاً وشاقاً لأن ذلك سيسمح لاسرائيل بالاحتفاظ بالقدس والاستيطان.
3. لا يشير المشروع الى حق العودة لشعبنا الفلسطيني.
وانطلاقاً من هذا التحفظ، فان القيادة الفلسطينية تسعى عبر اتصالاتها مع فرنسا وبريطانيا على تعديل مشروع القرار المقدم ليلبي الرغبات والامنيات الوطنية الفلسطينية. واذا رفض التعديل، فانها ستطلب عدم تقديمه لمجلس الامن الدولي، وتأجيل ذلك الى أجل غير مسمى.
فرنسا وبريطانيا قد تصران على تقديم المشروع، وهذا يعني ان القرار قد يمر ويصادق عليه، لذلك فان القيادة الفلسطينية ستراهن على قيام روسيا وفرنسا بممارسة حق النقض الفيتو لافشال هذا المشروع، وعدم المصادقة عليه. ولذلك أيضاً فان القيادة الفلسطينية تجري اتصالات مكثفة مع كل من الصين وروسيا بهذا الخصوص.
الاتصالات مع روسيا
لقد قام الرئيس محمود عباس بزيارة روسيا الاتحادية قبل فترة قصيرة، وقام بزيارة ثانية لروسيا حيث شارك في احتفالات النصر الروسي على النازية التي جرت في موسكو يوم الاحد الموافق 10 أيار 2015. وهذه المشاركة هي تعزيز للعلاقات الثنائية بين روسيا وفلسطين، وكذلك استثمرها الرئيس عباس من خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش هذه الاحتفالات طالباً منه تفعيل الدور الروسي، وخاصة في اللجنة الرباعية، وعدم ترك زمام الأمور في يد الادارة الاميركية الموالية للطلبات والرغبات الاسرائيلية، والمنحازة لها بصورة غير معقولة. وقد وعد الرئيس بوتين بذلك، ويذكر أن الرئيس الروسي سيزور قريباً المنطقة في اطار جولة في عدة دول عربية من بينها فلسطين، وكذلك اسرائيل.
التحرك باتجاه اوروبا
كما ان القيادة الفلسطينية تجري مباحثات مع الدول الاوروبية من اجل دعم المطلب الفلسطيني في الاعتراف بالدولة الفلسطينية والزام اسرائيل بانهاء احتلالها في سقف زمني محدد.
وهناك نشاطات جماهيرية اوروبية مساندة للشعب الفلسطيني، قد تؤثر على صناع القرار، اذ ان هناك مقاطعة للجامعات الاسرائيلية، وهناك مقاطعة للمنتجات الاسرائيلية في المستوطنات، وهناك فعاليات تتمثل في مسيرات ووقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني.
الا ان اوروبا الرسمية ما زالت تراوح مكانها في مواقفها، لانها تسير بركب السياسة الاميركية، ولا تستطيع الخروج عن هذا الخط رغم ان هناك تصريحات لبعض المسؤولين الاوروبيين تندد بالسياسة الاسرائيلية تجاه شعبنا الفلسطيني.
الاعتماد على الدول العربية
لقد أقر وزراء الخارجية العرب في أكثر من اجتماع لهم تقديم مشروع قرار جديد لمجلس الامن يعترف بالدولة الفلسطينية بحدود 4 حزيران 1967، وقد تم تشكيل لجنة من الوزراء العرب للاعداد لهذا القرار واجراء الاتصالات من اجل انجاح المصادقة عليه، لكن الظروف والمعطيات في عالمنا العربي جعلت الاهتمام الآن بقضايا آنية مقلقة جذبت اهتمام العالم اليها، ومنها حرب السعودية على اليمن، والنزاع الداخلي المرير في ليبيا، وتواصل المعارك الطاحنة في سورية، ومواجهة الجيش العراقي لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، وقيام التحالف بقيادة اميركا بشن غارات على مواقع هذا التنظيم الارهابي في العراق وسورية، أي أن التحرك العربي بطيء، وقد يحتاج الى وقت، ولكن القيادة الفلسطينية مستمرة في اتصالاتها لتحمل الاشقاء العرب مسؤولياتهم تجاه الشعب الفلسطيني.
خطوات متوقعة
من اجل تحريك الموضوع الفلسطيني وتفعيله، وازالة حالة الجمود السياسي، فان امام القيادة الفلسطينية خيارات أخرى اضافة الى خيار التحركات السياسية التي تقوم بها وذكرت سابقاً، ومن هذه الخيارات:-
· الانضمام الى مزيد من المنظمات الدولية.
· تقديم دعوى قضائية ضد اسرائيل فيما يتعلق بالاستيطان وذلك الى محكمة الجنايات الدولية، باعتبار الاستيطان جريمة حرب.
· تقديم دعاوى قضائية مستقبلاً ضد قادة اسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب.
هذه الخيارات قد تصعد وتيرة الوضع، وبالتالي ستجبر جميع الدول على التحرك بصورة افضل واكثر سرعة.. ولكن هذه الخيارات رهن الانطلاق والتنفيذ اذ ان هناك من يضغط على القيادة الفلسطينية ويطالبها بالتروي والانتظار قليلا لمعرفة الى أين تتجه المنطقة كلها بعد هذه النزاعات. والقيادة قد تتريث قليلا، ولكنها لا تستطيع الانتظار لسنوات طوال حتى تهدأ وتستقر المنطقة، فهي في النهاية مجبرة على ان تُبقي القضية حيّة لا أن توضع في "ثلاجة" أو غرفة تبريد ذات حرارة منخفضة جدا.