* أصبحنا عبارة عن بؤر دم في سائر الأقطار العربية
* الإبقاء على اللحمة والواحدة هو الخطوة والطفرة الأولى لتحقيق المبتغى
* علينا استغلال الماكنة التي فتحت لنا على مستوى محكمة العدل الدولية في أبعد حدود
* عدد من الدول العربية غادرت لجنة القدس لاختلافها مع المغرب
القاهرة- خاص بـ"البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
لا يزال الواقع العربي على حاله يسير من سيء إلى أسوأ، والانقسامات في تزايد مستمر، والصراعات تحتدم هنا وهناك في وقت يُشكل هذا الواقع وضعاً مريحاً لإسرائيل التي تستغله للاستفراد بالشعب الفلسطيني، وتواصل سياستها العدوانية بحقه، من قمع وترهيب وتهجير وتهويد للقدس والمقدسات وغيرها من الممارسات والانتهاكات.. الواقع العربي وانعكاسه على القضية الفلسطينية كان محور اللقاء الذي أجرته "البيادر السياسي" مع الأمين العام لاتحاد المحامين العرب الأستاذ عبد اللطيف بوعشرين في مكتبه بالقاهرة، والذي تحدث خلاله عن الألم الذي يعتصر قلب كل عربي لما آلت إليه الأوضاع في فلسطين وفي المنطقة العربية ككل، مؤكداً على أهمية الوحدة العربية في تحقيق المبتغى.
وفيما يلي النص الكامل للحوار.
فاتورة التقسيم
* الواقع العربي من سيء إلى أسوأ بعد أحداث ما سُمي بالربيع العربي.. كيف ترون ما آلات إليه الأمور في الدول التي شهدت أحداثاً على هذا الصعيد؟
- في تقديري أن تقييم الأمور لا يختلف عليه اثنان في كونه يؤدي فاتورة التقسيم الذي طبع كل إستراتيجية عملنا، ونحن اليوم عبارة عن بؤر دم في سائر الأقطار العربية، وبالتالي نشكل صورة قاتمة للمسار التاريخي للدول العربية.. بالتأكيد أن لهذا الوضع خلفيات وكواليس وأسباب، منها ما هو مستهدف وهو الغالب والراجح، ومنها ما هو ناتج عن كيفية تعاملنا مع القضية الفلسطينية والأوضاع العربية بشكل عام، وعندما أتكلم عن الشق الثاني في التعامل مع قضايانا هو يشكل عمق ما هو حاصل ونتيجة حتمية له، فأنا بدوري أود أن أطرح أكثر من مرة تساؤلات على نفسي: هل نحن مؤهلون في إطار إستراتيجيات نسلكها كعرب إلى تحقيق الغايات التي ننشدها؟ أعتقد لا، لأننا نعيش تحت ضغط وإكراه التقسيم والتبعية وخلفيات سياساته القوية في العالم. التقسيم ابتدأ من فلسطين، فإخواننا من فتح وحماس ولحدود يومنا على فراق ونزاع وشرخ، وأعتقد أن هذا السبب هو سبب رئيسي فيما آلت إليه الأوضاع في فلسطين وأنتم أدرى، ولقواعد البديهية في التاريخ "فرق تسود".. لو اجتمع الإخوان في فلسطين أكيد سنواجه صعوبات، لكن ربما سنواجهها بقوة وطاقة أكثر ما نحن عليه. والأمر الثاني هو أنه توجد في معظم الدول العربية خلايا نائمة تقتات من ريع الحروب، وتسعى إلى إبقاء هذه الأوضاع على حالها، لأنها تشكل تذياً تغذياً بالريع الذي يترقبونه ويدر عليهم من خلال إبقاء الأوضاع على حالها، ولربما الوضع في فلسطين أكثر تشعباً لأنه هناك الآن مجموعة من الدول العربية ظلت وفية لالتزاماتها على مستوى المسائل المالية والاقتصادية مع الأخوة الفلسطينيين، ولامسنا ولمس العديد أن الكثير من المعاناة التي يعيشها الآن الشعب الفلسطيني ما كان لها أن تعاني.. قد نعاني الحرب والقهر والرشق على مستوى العدو ، لكن أن نعاني من أهل الدار..! وظلم أهل القربى أشد مضضاً، هذا يشكل معاناة أقوى من معاناة الحرب والقصف.
في تقديري أن الإستراتيجية الآن المتبعة منذ سنين يتعين مراجعة صياغتها، لا أقول المصالحة أو التطبيع أو الانبطاح أو الترقب أو الترجي أو الاستسلام.. نحن عرب ومن شيمنا النشوى والأنفة، لكن علينا أن نبحث عن صيغ جديدة بالدبلوماسية الموازية، بمعنى يجب أن نقتحم كل الفضاءات السياسية والمواقع التي نخاطب بها القوى المتحكمة، وأن نقدم الوسائل لإثبات ما هو واضح في فلسطين وهي بالمناسبة واضحة تماماً.
الوحدة العربية
* كيف يمكن أن نقدم على هذه الخطوة في ظل التشتت العربي الحاصل، فهناك محاور وانقسامات عربية، ألا تعتقدون أنه من الأحرى أن نكون موحدين، ومن ثم ننطلق لمخاطبة العالم؟
- الوحدة العربية والدعم والمؤازرة التي كنا ننتظرها من دول عربية شقيقة، والتي كانت ممكنة لنا قبل سنين، اليوم لا حياة لمن تنادي، لأن الأوضاع الحالية لا تسمح، نبتدئ من مصر، فالحمد الله أن الأوضاع الآن بخير وستكون أحسن.. ننتقل إلى سورية وأنتم أدرى بحالها الآن، أما اليمن فالتقسيم في أوج وأبشع حالاته، والسودان وأنتم تلاحظون وتراقبون، وهنا لا أنسى أن أثير أمراً يوجعني، وهو يتعلق بأمين عام سابق لهذا الاتحاد الأستاذ فاروق أبو عيسى الذي عمل على مدار عشرين عاماً في فضاء هذا الركب، ولكن للأسف هو الآن موضوع اعتقال بسبب لتعبير عن رأييه في النظام.. أعتقد أنه إذا الاختلاف لا يفسد للود قضية، فإن الاختلاف في الكثير من الأقطار العربية قد أفسد هذا الود، بل إنه ذهب لأكثر من هذا، ووصل إلى الاعتقال والحرمان من حرية الأشخاص والأفراد، أملي أن يتفهم النظام السوداني موقع هذا الرجل وليطبق في حقه القانون ليس إلا.. لدينا دعوة من النظام في السودان للمراقبة في الانتخابات المقبلة كاتحاد محامين عرب وكمؤسسة حقوقية قانونية.. أملي أن نحل بأرض السودان وأن تكون هذه المشكلة المتعلقة بزميلنا الأستاذ فاروق أبو عيسى قد تم إنهاؤها والإفراج عنه.. اليوم وخلاصة الأمر لا يمكن أن نطالب الدول العربية بذروة الالتفاف ومناصرة إلا إذا كانت هناك مؤازرة معنوية دائمة، ولا يمكن أن نطالب أي دولة بالقيام بأي دور الآن تجاه الإخوة الفلسطينيين، إلا من خلال الدعم المطلق واللا مشروط لهم في قضيتهم. وأعتقد أن الدعم المعنوي غير كافٍ.. هل لنا قوة موازية للقوة الإسرائيلية وأقول الأمريكية لا الإسرائيلية ؟ .. لا.. ولكن إذا تجاوزنا هذه الفترة، وإذا حصل تكتل، فإن الأمر يختلف، لذلك علينا أن نستوعب الدرس ثم نعيد لم شتات هذه الأمة العربية، حينها بالتأكيد سيكون لنا موقف مخالف.
التبعية
* لكن للأسف هناك دول تغذي الانقسام الفلسطيني من خلال دعم طرف على حساب طرف آخر.. كيف تنظرون إلى ذلك ؟ وما مدى انعكاسه على استعادة الوحدة الفلسطينية؟
- أنت تلامس الآن موضوع التبعية، وهذا الموضوع ليس باليسير، وإمكانية إيجاد معالجة مستعجلة وقريبة متعذر لأنه لا يمكن لمشكلة عاشت منذ عام 1967 في أوضاع كانت أحسن مما نحن فيه على المستوى العربي، ولم نستطع أن نعالج الأمور، فكيف لنا اليوم أن نتساءل وهناك انقسام فلسطيني- فلسطيني، وفي ظل هذا الانقسام المدعم من قبل جهات عربية مختلفة تغذيه أن نجد الحل ؟.. علينا أن نستوعب الدرس ونعتبره حراكاً عربياً.. ربيعاً.. خريفاً.. علينا أن نستوعب الدرس.
* ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن نبدأ بها؟
- علينا أن نصلح حالنا وأوضاعنا، وأن نجد لها الحلول، وأن نقف وقفة ضمير، ونراجع الذات، وأن نستحضر وطنيتنا وتاريخنا وعروبتنا، وأن نلتئم من جديد.. علينا ألا نترك الغير يتفرج علينا.. نحن اليوم عبارة عن مسرحية مضحكة لا تبتسم للغير بل يقهقه لها الغير، وعلينا أن نستحضر أننا فعلاً فرجة، يجب أن ننتقد أنفسنا نقداً ذاتياُ ونعيد لها نضجنا ووعينا.
محكمة الجنايات والدور العربي
* القيادة الفلسطينية أقدمت على خطوة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة الجناية الدولية.. هل من دور ممكن أن تلعبوه كمحامين عرب لدعم ومساندة هذه القضية؟
- هذا من صميم عملنا، ومن واجبنا، لأننا كقطاع مهني مهمتنا الدفاع عن العباد، ومن واجبنا العروبي والواقعي والتاريخي أن نكون بالأحرى إلى جانب فلسطين، وأنا كأمين عام مساعد قبل 3 سنوات تساءلت مع إخوتنا في الاتحاد: لماذا لا نهيء ملفاً ووسائل الإثبات كثيرة ومتعددة ونتقدم بهذا الطلب إلى محكمة العدل الدولية باعتباره ملفاً يتعلق بحقوق الإنسان، وبالتقتيل وجرائم كثيرة، ونقدم معاينات بالاستعانة بخبراء دوليين لما هو حاصل، فقيل لنا نعم وتقدمنا فعلاً بطلب لإنجاز ذلك، وأنا كأمين عام طلبت من موظفينا أن يأتونا بهذا الملف فقيل لي أنه غير موجود، ولا يوجد ملف في هذا الشأن..!.
* ولماذا لم تتصلوا بجهات فلسطينية لتزودكم بذلك؟
- أنا جهزت رسالة للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية الأستاذ محمد صبيح لكي أطلب منه هذا الملف باعتباره حلقة الوصل بيني وبين الإخوة الفلسطينيين.. أعدك أن هذا الملف سيكون له العناية، ولكنني أعتمد على الأخوة الفلسطينيين لتمكينني من وسائل الإثبات. وأنتم أدرى أن الملفات الجزائية التي تقدم لكل المحاكم الجزائية تتوقف على قاعدة أساسية أن من يدعي شيء عليه إثباته، فعلينا أن نقدم إثباتاتنا، لأنه في يقيني أن هناك عدة وسائل ثبوتية تتوفر.. لذلك يتعين على الإخوة الفلسطينيين أن يمدوني بها لكي أتمكن من هذا الملف، والمحكمة التي فتحت لنا على مستوى محكمة العدل الدولية علينا أن نستغلها في أبعد حدود.
الهيمنة الأمريكية
* في ظل الهيمنة الأمريكية على العالم، هل من تخوف أن تحبط الولايات المتحدة أي تحرك في هذا الشأن؟
- هذا احتمال وارد، ولكن نحن علينا أن نعمل، وفي القانون لا نؤمن بالاحتمالات، هي معادلة رياضية 1+1=2.. ممكن يكون لأمريكا موقف الأب الراعي لأبنه المدلل، لكن علينا أن نحرج أمريكا، لأنه عندما تقف أمريكا في مواجهة أحكاماً قضائية، وعدم تنفيذها، فهو إحراج كبير، وأكيد سيكون هناك انطباع سيء لكافة دول العالم تجاه هذا الجبروت الأمريكي.
لجنة القدس
* القدس تعاني من ويلات، وتئن من ظلم الاحتلال في ظل صمت مريب عربي ودولي.. المغرب تترأس لجنة القدس، ولكونكم مغربي الجنسية، ماذا تعني لكم القدس؟ وهل من جهود معينة تبذل لدعم صمود المقدسيين من قبل الأشقاء المغاربة؟
- هذا سؤال فلسطيني مغربي.. في عهد المرحوم الملك الحسن الثاني ملك المغرب السابق عمل على تأسيس لجنة القدس وترأسها آنذاك، وأذكر أن هذه اللجنة كانت تقدم دعماً مادياً ومعنوياً ولا زالت، وكانت وسائل استجماع المعلومات عبر هذه اللجنة للحكومات العربية، وبالتأكيد الأوضاع التي كانت سائدة عام 1967 ليست هي الأوضاع اليوم عام 2015 .. من جهة فإن الكثير من الدول العربية تغيرت مواقعها ومواقفها، وشكلت شبه انسحاباً من هذه اللجنة، ثانياً وقع تغيير في الهيكلة من الحسن الثاني لابنه الملك محمد السادس، وللتاريخ فإن ملك المغرب كشاب ديناميكي متحرك، ورجل اجتماعي بطبيعته، ومتفاعل ومتعايش ومتجاوب مع هذه القضية بحماس أكثر، ولكن أعتقد أن الظروف التي يعيشها العرب قد ساهمت في تحقيق بعض التراجعات التي تتعلق بشأن لجنة القدس، وبالتالي هذا كان له أثر كبير في المسائل المادية والمعنوية، وأقصد بالمعنوي الناحية السياسية.. المغرب الآن له حلفاء، وجهات غير متفقة معه في السياسيات، وهنا أتكلم عن السياسة الداخلية، وأنت تعلم، والكل يعلم كعرب، أننا نعيش حرباً صامتة في المنطقة الجنوبية الغربية، والكثير من الإخوة العرب لهم مواقف مخالفة مع المغرب الذي هو رئيس لجنة القدس، وبالتالي بالتبعية وعن طريق المفارقة أكيد أن هذه الدول لم تعد لها مساهمات والحماس داخل هذه اللجنة كون أن المغرب رئيسها. والأمر الآخر هو أن شعوراً من الملك محمد السادس أن هناك تقلصاً في الدعم للإخوة الفلسطينيين، فهو يساهم من ماله الخاص من أجل الحفاظ على قيمة هذا الدعم ومقداره بالشكل الذي كان حاصلاً فيما بعد، وأنا كمغربي ليس بغريب عليّ، لأنني أعرف أن ملك المغرب الآن هو ملك إنساني ويدعم في كل النكبات، سواءً كانت وطنية أو دولية يبدي مساهمة فعلية وإنسانية، فعندما نتكلم عن فلسطين، فإننا ندعم إخواننا، وابن الرحم العربي الواحد، وندعم بلداً لنا معه تاريخ وجسور قوية، وبالتالي يكفيك أنك وأنت تذهب للمغرب تجد أن الإخوة الفلسطينيين يعيشون معنا كمغاربة، ابتداءً من المدرسة إلى الكلية إلى القطاعات العامة، ونحس أن المغاربة هم أقرب شعب لفلسطين.
نتألم لما يجري في فلسطين
* هل مازلت القضية الفلسطينية في وجدان الشعب المغربي، وإلى أي مدى أثر الانقسام الفلسطيني على نظرة المغاربة للفلسطينيين ؟
- نحن نتعايش مع القضية الفلسطينية كأنها قضية المغرب.. أنا لا أجاملك، المغرب وهو يتتبع الأخبار يومياً يتألم لما يقع في فلسطين، وكأنه يقع في الرباط أو في الدار البيضاء.. المغاربة يتعاملون مع الفلسطينيين بشكل امتيازي في تعايشهم وإقامتهم وعملهم وسكنهم وفي كل القطاعات العامة.. الفلسطيني لدينا متميز وله الأفضلية في كل شي، وذلك محاولة لكي ننسيهم المعاناة التي يعانيها يومياً في القدس والضفة وغزة وغيرها من المناطق التي تعاني، فإذا كنا نتمتع بنوع من السلم والأمان ولا يوجد قتل ولا قصف، فإننا نستشعر يومياً كيف نعيش في هذا الأمان وإخواننا في فلسطين صباح مساء يتعرضون لاعتداء وقصف وتقتيل وبؤر دم وغيرها من المعاناة، فهذا الشعور يشمل كافة المغاربة. وكن متيقناً أننا نعاني حسرة لما يقع في فلسطين، ولن ننسى لحظة هذه القضية.
* ما هي رسالتكم للشعب الفلسطيني؟
- أملي أن يلتئم الإخوة الفلسطينيون لأن في الإبقاء على اللحمة والواحدة الخطوة والطفرة الأولى لتحقيق المبتغى، والشيء الثاني أتمنى أن تستوي أوضاعنا العربية، وبالتأكيد بعد أن تستوي هذه الأوضاع سنكون قد استوعبنا الدرس، وسننتقل لدعم ومؤازرة إخواننا الفلسطينيين بصفتنا العربية، وبصفتنا الدم الواحد والرحم الواحد الذي لا يمكن أبداً أن يكون قابلاً للشرخ.. الالتئام ثم الانصهار ثم الانتصار إن شاء الله.