روايات متضاربة حول حقيقة الوضع في اليمن
من المسؤول عن هذا الصراع وما هو المتوقع
شنت السعودية فجر يوم الخميس الموافق 26 آذار 2015 هجوماً جوياً وبحرياً شاملاً ومباغتاً على اليمن أسمته بعملية "عاصفة الحزم" تشاركها فيها، أي في هذه العملية العسكرية، تسع دول سواء بصورة فعلية أو معنوية. وأهداف هذه العملية هي: الدفاع عن الشرعية، ووضع حد لانقلاب الحوثيين المدعومين من ايران، وكذلك من الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، واعادة الاستقرار الى اليمن الذي يعتبر جزءاً مهما وفعالاً من الأمن القومي السعودي، ولدول الخليج العربي.
الحوثيون، الذي يُعرفون باسم "انصار الله"، الحزب السياسي لهم، يقولون ان هذه العملية العسكرية هي عدوان على سيادة اليمن. وان الغارات الجوية التي تشارك فيها اكثر من 150 طائرة حربية تدمر اليمن، وتهدف الى ضرب الثورة اليمنية، والى دعم "القاعدة" على حساب أنصار الله، وهذه الطائرات تقصف المنشآت المدنية، وكذلك القواعد العسكرية المختلفة للجيش اليمني.
هناك تناقض كبير بين الموقفين اليمني والسعودي، وتقول السعودية ان هذا الهجوم جاء بناءً على طلب من القيادة الشرعية في اليمن، أي من الرئيس عبد ربه هادي في حين ان "أنصار الله" يعتبرون الرئيس هادي فقد شرعيته لأن الشعب اليمني لا يريده، كما أنه قدم استقالته قبل أسابيع، وفر من صنعاء الى عدن، ومن عدن الى السعودية، فهو ليس رئيساً لليمن.
كيف تطورت الأحداث
هناك روايات عديدة حول تطور الاحداث، ومنها أن جماعة "أنصار الله" الموالين لايران شنوا هجوماً عسكرياً على صنعاء، واحتلوها وفرضوا الاقامة الجبرية على الرئيس اليمني "هادي"، الذي قدم استقالته، كما فرضوا الاقامة الجبرية على رئيس الوزراء والعديد من الوزراء، وفر منهم للخارج وزير الدفاع الذي بدأ يطلب المساعدة ويستنجد بالدول المجاورة.
وتقول هذه الرواية أن الحوثيين رفضوا الحوار في أي من دول الخليج العربي من أجل تحقيق وفاق وطني، والاتفاق على حل سياسي، اذ ان هناك مطالبة بتحسين الاوضاع السياسية والمعيشية في اليمن، والرئيس "هادي" لم يحقق أي شيء خلال 3 سنوات من توليه منصب الرئاسة. وتطاول الحوثيون على الحكم – على ذمة هذه الرواية المؤازرة للسعودية – وسيطروا على الجيش، خاصة وحداته المختلفة، واستخدموا الجيش للقيام بعمليات عسكرية، والقيام بانقلاب عسكري سيطروا على صنعاء العاصمة، وبدأ الجيش بالزحف نحو الجنوب، نحو عدن، وسيطر الجيش على جزء كبير من الاراضي اليمنية.
الرواية المغايرة للرواية السعودية ان الحوثيين لا يمثلون سوى 2 – 5 بالمائة من سكان اليمن الذين يصل عددهم الى حوالي 25 مليون نسمة، وبالتالي لا يستطيعون القيام بمثل هذا الانقلاب لوحدهم الا اذا كان الشعب معهم، وهنا الطرف الآخر يقول أن الموالين للرئيس السابق المخلوع صالح هم الذين يدعمون الحوثيين، ولذلك فهناك غضب شعبي على الرئيس الحالي "هادي" الذي يؤيد السعودية، لا بل هو "تابع" لها، ومنفذاً لاوامرها في اليمن!
ولذلك بعد أن فقد شرعيته، وفقد منصبه شنت السعودية هذا الهجوم المباغت "العدواني" لاعادة الموالي لها الى كرسي الرئاسة. ويدعي الحوثيون أنهم لم يرفضوا الحوار، وهم يرحبون به، ولكن السعودية تريد املاء شروطها.. فهم لا يريدون عقد الحوار في عاصمة دولة تريد فرض شروطها عليهم.
واضافة للروايتين، فان الجيش اليمني يشن هجوماً واسعاً على عناصر القاعدة في اليمن، ووقعت معارك عديدة خلال الاشهر القليلة الماضية. ولذلك هناك معارك طاحنة تشارك فيها أيضاً بعض القبائل منها المؤيدة للرئيس الحالي، ومنها المؤيدة للرئيس المخلوع "صالح"، فاختلط الحابل بالنابل، فالكل يحارب الكل.. وبعد مرور حوالي الاسبوعين على "عاصفة الحزم"، فلم يتحقق أي شيء، حتى ان المبعوث الدولي لليمن لم يستطع وقف القتال والاقتتال، ولم ينجح في اعادة الفرقاء الى طاولة المفاوضات ليتحاوروا فيما بينهم بعيداً عن لغة السلاح، لغة القتل والتدمير والتخريب!
اتهام عبد الله صالح
لماذا تتهم السعودية علي عبد الله صالح بأنه يدعم "الحوثيون"؟ والجواب بسيط وهو انه يحن للعودة الى كرسي الرئاسة بعد ان "سلبه" منه نائبه هادي، ولم يحقق أي شيء على ارض الواقع. وانه تحالف مع ايران بصورة واضحة، أي أنه تنازل عن ولائه للسعودية، وجنح للولاء لايران، ويعتبر صالح مسؤولاً عن الاقتتال في اليمن ويريد تقسيم اليمن، ويريد العودة الى كرسي الحكم مهما كل الثمن.
لكن الحوثيون ينفون أي تحالف أو تعاون مع "صالح"، وهُم يدعمون أنهم موالون لرغبة الشعب اليمني والذين هم جزء لا يتجزأ منه.
اتهام ايران بصورة واضحة
تقول مصادر سعودية وخليجية وعربية ودولية ان ايران توفر الدعم الكامل للحوثيين، وتريد أن تقوي نفوذها في اليمن، من أجل محاصرة السعودية من الجنوب أيضاً، بعد سيطرة ايران عبر نفوذها على شمال السعودية، أي على العراق، وهي التي شجعت الحوثيين على "الانقلاب" على الشرعية لان الرئيس الحالي هادي يتعاون مع السعودية ولا يتعاون مع ايران.
وتؤكد هذه المصادر أن ايران تريد أن تنشر ثقافتها الدينية في دول الخليج العربي، وهذا خط أحمر كبير وخطير بالنسبة للسعودية، لذلك قررت بعد أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، حسم الامر والدفاع عن امنها القومي؟
بالطبع، تنفي ايران هذه الاتهامات الموجهة اليها بأنها تقف وراء التوتر والفوضى في اليمن، وان ما يحدث داخل اليمن هو شأن داخلي، وهو من اختصاص ومسؤولية الشعب اليمني وحده!
الأهداف غير المعلنة
من عاصمة الحزم
هناك نوعان من الاهداف، الاول هي الأهداف المعلنة، وهي معروفة، وتتضمن اعادة الأمن والاستقرار لليمن عبر وضع حد للانقلاب الحوثي ضد الشرعية، اي فرض النفوذ السعودي والخليجي على اليمن، ومنع فئة صغيرة من المجتمع من الهيمنة على اليمن كله. وهذه العملية جاءت للدفاع عن الامن القومي العربي في منطقة الخليج.
أما الأهداف غير المعلنة، فمكن حصرها بالآتي:-
1. وضع حد وبالفعل للنشاط الحوثي المناهض للسعودية في اليمن، وكسر شوكته، واجباره على ان يكون جزءاً مكوناً من الشعب، وليس الجزء الحاكم او المهيمن على اليمن، أي ان السعودية ترفض أن تحكم الأقلية اليمن! وهي اقلية مناهضة لها!
2. توجيه رسالة واضحة المعالم لايران مفادها ان عليكِ عدم الاستخفاف بالقوة العسكرية العربية في حالة الحسم والحزم، وبالتالي يجب ان تتوقفي عن التدخل بالشؤون الخليجية، أو المس بالأمن القومي هناك، لان ذلك خطاً أحمر كبيراً جدا جدا!
3. أن السعودية حاسمة وحازمة في مواجهة اي تحرك ضدها سواء في اليمن أو داخل السعودية، وهذه الرسالة موجهة الى أهل الشيعة من السعوديين، أي التحذير من أي لعب بالنار، أو محاولة المس بالامن الداخلي السعودية.
4. توحيد أهل السنة في مواجهة الشيعة، واستطاعت السعودية ذلك عبر التحالف مع قطر وتركيا رغم ان الخلاف شاسع بين هاتين الدولتين مع السعودية والامارات.
5. وضع حد لتقسيم اليمن الى دولتين: جنوبية وشمالية، لان هذا التقسيم سينعكس سلباً على السعودية، وقد يؤدي ايضا لتقسيم السعودية اذا سمح بتقسيم اليمن.
6. لن تسمح السعودية بوجود أي نفوذ خارجي في معارض لها في اليمن الذي يعتبر خاصرة السعودية الجنوبية.
7. التعبير عن عدم رضى السعودية ودول الخليج من المفاوضات الجارية للتوصل الى اتفاق بين الدول الست وايران حول البرنامج النووي الايراني، اذ ان هذا الهجوم الواسع تزامن مع بدء الجولة الاخيرة والماراثونية من المفاوضات في مدينة لوزان السويسرية، وادى بالنهاية الى التوصل الى اطار اتفاق حول هذا البرنامج.
8. التأكيد على أن السعودية هي زعيمة العالم العربي، وهي التي تقود تحالفات سياسية وعسكرية، حتى ان الدول الكبيرة والقوية مثل مصر، تدعم قيادة السعودية للعالم العربي.
9. التحالف العسكري لحزم الموقف في اليمن، قد يتكرر لمواجهة دول اخرى، لفرض حلول ترضي هذا التحالف مستقبلاً!
10. تعزيز موقف السعودية امام الادارة الاميركية من خلال التأكيد للرئيس الاميركي اوباما، ووزير خارجيته، أن للسعودية ثقلا ووزناً سياسيا عليكما ألا تتجاهلوه. لذلك ان الرئيس اوباما نفسه اتصل بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ليطمئنه عن اطار الاتفاق الذي تم التوصل اليه، وليؤكد له ان أمن السعودية هو مهم بالنسبة لاميركا، وان اميركا لن تسمح حاليا ومستقبلاً لايران او اية دولة بالمس بالامن السعودي. وعلم ان الرئيس اوباما وجه الدعوة للملك السعودي بزيارة واشنطن للقاء به وشرح الموقف الاميركي له كاملاً، وقد قبل الملك سلمان هذه الدعوة، وعلم انه سيتم تحديد موعدها في المستقبل القريب!
11. تأكيد زعامة السعودية لمنظمة التعاون الاسلامي، أي للعالم الاسلامي، وان ايران أو تركيا هما دولتان مهمتان، لكن القيادة هي للسعودية في مواجهة أي اخطار تتعلق بالدول الاسلامية، وهذا التأكيد بمثابة رسالة لايران مفادها انه لا تظني ان العالم الاسلامي معك، بل هو مع السعودية، وهي التي تؤثر وتقود وتحكم حالياً ومستقبلاً!
تساؤلات مشروعة واجاباتها معروفة
هناك عدة تساؤلات يطرحها مناهضو السعودية وهي مشروعة. ومن أهمها: أين هي هذه القوة العسكرية للدفاع عن فلسطين، وفي مساندة أبناء القطاع أمام اكثر من عدوان اسرائيلي؟ لماذا يعتبر التدخل في اليمن مشروعا، أما التدخل المصري في ليبيا وضد الارهاب ليس مشروعا؟ وهل القدرات العسكرية تستخدم فقط لحسم الخلافات الداخلية، وليس ضد من هو ليس عربيا؟
الاجابات معروفة وواضحة ان السعودية تتدخل ضد اسرائيل اذا تعرض أمنها القومي لذلك، فما دامت اسرائيل بعيدة عن السعودية، فان السعودية ايضا بعيدة عنها، ويكفي ان السعودية تقدم مساعدات سياسية ومالية للفلسطينيين وهذا كاف.
أما حول قيام مصر بغارات جوية على مواقع في ليبيا، فان دول الخليج رفضت ذلك لانها لا تريد توريط مصر في المستنقع الليبي اولا، وكذلك فان دول الخليج الداعمة للارهابيين ستوصيهم بوقف الاعتداء على مصر! والاكثر اهمية ان السعودية تعتبر الملف اليمني اهم الاهداف بالنسبة لها حاليا!
ذريعة باب المندب
يقول بعضهم ان من أهم اهداف "عاصفة الحزم" هو منع الانقلابيين من السيطرة على مضيق باب المندب على البحر الاحمر. والاجابة واضحة المعالم وهي ان اميركا وفرنسا تهيمنان وتسيطران على الجزء الغربي من هذا المضيق، ولا تستطيع اليمن أو أية جهة من السيطرة على هذا المضيق وفرض الاملاءات، والتأثير على الملاحة في البحر الاحمر!
ما المتوقع..
لا بدّ ان تتدخل الامم المتحدة والدول العظمى، وسيستمر الحوار بين الافرقاء في اليمن.. وعاصفة الحزم لا تستطيع ان تبقى الى أبد الآبدين، لان هذا مكلف كثيراً.
ليس المهم ما تحققه هذه العاصفة من اهداف عسكرية على ارض الواقع، ولكن الاهم هي تحقيق اهدافها السياسية، وخاصة رسائلها الخفية بأن السعودية لن تسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية مع كامل الحق لها في التدخل بشؤون الآخرين.
انها رسالة واضحة المعالم. قد تكون صلاحيتها لفترة من الزمن لان المعطيات الدولية والاقليمية الحالية تمنحها هذه الفاعلية والصلاحية، ولكن حتماً لن تكون أبدية!