العدوان بكل أشكاله نمط مرحلي لإطالة عمر الاحتلال
* الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتطوراته وفق لعبة المصالح لا يتعدى إدارة الصراع لا حله وتسويته
* وقف التنسيق الأمني في مضمونه قرار جريئ
* التوجه للمؤسسات الدولية يدفع إسرائيل إلى الزاوية وبدأ يحقق نتائجه
الخليل- القاهرة- خاص بـ" البيادر السياسي":ـ حاوره/ محمد المدهون
تمر المنطقة العربية بمنعطفات ومنزلقات خطيرة في أعقاب الأحدث التي تبعت ما سُمي بالربيع العربي، وكان لهذه المتغيرات انعكاسات كبيرة على القضية الفلسطينية، في وقت استغلت فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلي الظروف للتنكيل بالشعب الفلسطيني، وممارسة المزيد من القمع والإرهاب بحق الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم.. اعتداءات طالت المساجد والكنائس في الآونة الأخيرة ما هي إلا استمرار لذلك النهج العنصري الذي تمارسه عصابات"جباية الثمن" على مرأى ومسمع جنود الاحتلال.. قمع وإرهاب واستيطان واعتقال وحصار واقتحامات ما هي إلا حلقة صغيرة من مسلسل الجرائم الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في ظل صمت وغطاء دولي وضعف عربي، ومصالحة فلسطينية تراوح مكانها بالرغم من كل ما قيل عن احتمالية تحقيقها.. الواقع العربي والدولي، والمصالحة الفلسطينية وجرائم الاحتلال، والتنسيق الأمني ومحكمة الجنايات وملفات أخرى ناقشتها "البيادر السياسي" مع الكاتب والمحلل السياسي الدكتور غازي مصلح في الحوار التالي.
فلسطين في ظل المتغيرات
* شهدت المنطقة العربية والدولية تحولات ومتغيرات وأحداث متلاحقة.. أين تقف القضية الفلسطينية في ظل هذه المتغيرات؟ وما هي انعكاسات هذه الأحداث عليها؟
- تعيش المنطقة الآن في إطار حقبة تحول محوري في تاريخ العلاقات الدولية والنظام الدولي المعاصر، الأمر الذي يدفع بمتغيرات هائلة تفرض علينا ونحن جزء هام منه الوقوف متأملين.. أبعاد وتداعيات.. تحديات وتطورات، وبالتالي تأثيرات الحقب اللاحقة، حول طبيعة النظام العالمي الجديد، خصوصاً أن المتغيرات الدولية والإقليمية لا زالت تأتي بالجديد، فالولايات المتحدة الأمريكية تعاني من أزمات من هنا وهناك، وروسيا تسعى جاهدة لاستعادة مكانة الاتحاد السوفييتي السابق.. دول أخرى غربية وشرقية تنمو باضطراد.. أزمات هنا وهناك أيضاً.. حروب وإرهاب يضرب في كل مكان.. انتفاضات واضطرابات لاحصر لها.. تأتي في أثواب غاية في التلون، منها الإيديولوجية ومنها الإسلامية، وأخرى قومية، إلى غير ذلك وصولاً إلى أن غدا ذلك كله ظاهرة العصر، وبالتالي الوصول إلى حالة من التيه والضياع والأخطاء والمجهول.. فالقضية الفلسطينية التاريخية وتطوراتها لا شك بأنها عنوان صراع الكبار، وبالقطع فإنها ستتأثر بأبعاد وتداعيات ما يجري على الساحة، فهي القضية العنوان، والتي تقحم منذ عقود مضت في ذلك الصراع من أجل تحقيق المصالح والمنافع، أو مقايضتها وفق حساباتهم وإستراتيجياتهم وأجنداتهم تحديداً الخفي منها، من هنا أجزم بأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتطوراته، وفق لعبة المصالح لا يتعدى إدارة الصراع لا حله وتسويته، وفي السياق ذاته من الطبيعي أن تتأرجح هذه القضية بين بادرة من هنا وأخرى من هناك وهكذا دواليك.
جرائم الاحتلال والمستوطنين
* صعد الاحتلال من وتيرة عدوانه على شعبنا الفلسطيني من خلال مواصلة الاستيطان والاقتحامات والاعتقالات في الضفة، وتشديد الحصار على غزة، في وقت كثفت فيه عصابات المستوطنين جرائمها بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية.. كيف تتابعون تطورات الأحداث على الساحة الفلسطينية ؟ وإلى أين تتجه الأمور؟
- يأتي هذا التصعيد ممنهجاً وفي سياق، من إدارة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، كما ذكرت، فكيف لنا أن نرى دولة فلسطينية تزرع بقلاع من المستوطنات على أراضيها وفق مخطط ممنهج ومعد سلفاً ؟ فإنه والحال هذه سيفقد بالقطع هذه الدولة من التواصل الجغرافي والحدود كأحد أهم مقوماتها، فالاستيطان والاقتحامات والاعتقالات في الضفة وفي غزة ما هو إلا نمط مرحلي مخطط ومحكم من قبل إسرائيل لإطالة الاحتلال، وتغيير معالم الأرض في إطار من الكانتونات، الأمر الذي يمنع التواصل، وبالتالي تغدو دولة بدون أية مقومات، وعليه لا تفاؤل ولا أمل بأية مساعي سلام في إطار فلسفة إدارة هذا الصراع لا حله.. وبالتالي فإن الأمور والحال هذه أيضا تتجه بالقطع إلى التصعيد.
* دفع الشعب الفلسطيني دوماً فاتورة أي انتخابات إسرائيلية.. على ماذا يدلل ذلك؟
- هكذا تسير الأمور على الساحة الفلسطينية، ففي هذا الإطار تتفنن إسرائيل دوماً بهذا النهج وهذا النمط من وسائل إطالة الاحتلال، والتهرب من استحقاقات المفاوضات العبثية خصوصاً أنها تأتي كما ذكرنا في إطار إدارة الصراع، وليس حله من قبل اللاعبين الكبار، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
المصالحة والخروج من عنق الزجاجة
* في الوقت الذي تشتد فيه المعاناة الفلسطينية من جراء الاحتلال وممارساته لا تزال المصالحة متعثرة.. ما هي السبل الكفيلة للخروج من عنق الزجاجة برأيكم؟
- في ظل ما جرى ويجري على الساحة العربية، وبالتالي أبعاده وتداعياته إقليمياً ودوليا، ًغدت القضية الفلسطينية في واد، وما يجري في واد آخر.. لا بل دخلت القضية الفلسطينية في حال سبات وبيات شتوي، وابتعدت عن الذهن الدولي، إلا من خطوة من هنا وأخرى من هناك في ظل تجاذب إقليمي ودولي بعض الأحيان، في إشارة لإثبات اهتمام خارجي بالقضية ليس إلا كما تعكسه تصريحات كيري مثلاً بين الحين والآخر، وكذا تطور البرلمانات الأوروبية فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي ظل ذلك، يئن ملف المصالحة الفلسطينية للأسف إلا من جهود متواضعة تصطدم في الوقت نفسه، مما يجري كما ذكرت أعلاه وأخرى مرتبطة بأجندات خفية، ربما التبعية والمصالح الفئوية من أهمها وعلى رأسها هذا ناهيكم عن عدم الجدية والنية لسبب أو لآخر بتنفيذ المصالحة التي يتمناها الشعب الفلسطيني، إلا من كان منه غير معني بذلك وفق حساباته ومصالحه للأسف، الأمر الذي يفاقم من الأوضاع في غزة وكذلك المعاناة الفلسطينية هنا في الضفة، وهناك في غزة بسبب عدم تحقيق الحلم الفلسطيني بهذه الوحدة المقدسة.. ولا أرى أي بصيص من الأمل للخروج من عنق الزجاجة رغم الجهود المتواصلة لبناء أرضية صلبة لتنفيذ هذا الحلم، وربما تتفاقم الأمور أكثر وصولاً بالتالي إلى حرب رابعة أو تصعيداً غير مبرر مع مصر .
الخليل
* ما هي صورة الأوضاع في الخليل ؟ وما هي أبرز المشاكل التي تعاني منها المدينة في ظل استمرار اعتداءات المستوطنين ؟
- الخليل هي كغيرها من أرض الوطن الفلسطيني، ولكن ما يميزها عن غيرها هو وجود المستوطنات وبؤر إسرائيلية للمستوطنين في قلب الخليل، الأمر الذي يدفع بالاحتكاك على الدوام بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين، وبالتالي بقاء الساحة في الخليل في حال تصعيد واشتعال متواصل ودائم يرافقه إغلاقات واقتحامات واعتقالات لا تميز بين رجل شيخ أو شاب، أو امرأة ، أو طفل أو طفلة.
أموال الضرائب
* لا تزال حكومة الاحتلال تحتجز أموال الضرائب.. هل هذه الخطوة من شأنها تفجير الأوضاع ؟
- لقد غدا ذلك سمة من سمات العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية، وتأتي متتالية بين الحين والآخر وفي إطار أية أزمة بين الطرفين، لا بل متزامنة في الوقت نفسه وكأنها غدت فلسفة إسرائيلية في الضغط على الجانب الفلسطيني كلما دعت الحاجة إليه، غدت سلاحاً بيد إسرائيل تحارب به لقمة العيش الفلسطينية من أجل تحقيق تنازلات، أو ربما تذهب من خلالها بعيدا لخلق الاضطرابات الشعبية ضد السلطة الفلسطينية والإيقاع بها، هذا بالإضافة إلى اقتطاع أجزاء منها لتسديد التزامات فلسطينية، كما يشاع حالياً بالنسبة للكهرباء.. بالقطع ربما تدفع هذه التصرفات إلى تصعيد الأوضاع وتفجيرها.
التنسيق الأمني
* هددت السلطة مراراً بوقف التنسيق الأمني من الاحتلال ودعا المجلس المركزي في اجتماعه الأخير إلى وقفه.. ما مدى جدية هذه التهديدات ؟ وما انعكاساتها على الوضع الفلسطيني في حال أقدمت السلطة عليها؟
- أثير الكثير من اللغط حول التنسيق الأمني مع الاحتلال، ولكن أوجز بأن هذا التنسيق هو جزء لا يتجزأ من أوسلو، وبوقفه فإن إسرائيل لا شك ستخسر إذ أنها ستفقد الكثير من ايجابيات هذا التنسيق، وبالتالي لا يمكنها حتى سماع التهديد أو التلويح بإلغائه أو وقفه، خصوصاً أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأوسلو، ووجود السلطة ووظائفها في إدارة حياة الشعب الفلسطيني، والحقيقة فإن قرار وقف التنسيق هو في مضمونه قرار جريء تحديداً في ظل التهرب الاسرائيلي من كافة التزاماتها تجاه الفلسطينيين، الأمر الذي يدفع باتجاه ضرورة إعادة النظر في أوسلو والسلطة، وبالتالي الخطوات التالية التي يمكنها تحقيق الأهداف الفلسطينية في إقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هذا في حال تعثر الحلول السياسية السلمية.
* هل نحن أمام انتفاضة ثالثة؟
- في خضم ما يجري على الساحة العربية، فإنه لا يمكن التغاضي عما يمكن أن تؤول إليه الأمور في منطقتنا، خصوصا ً أن القضية الفلسطينية ومستقبلها هي إحدى سيناريوهات تداعيات ما يجري إقليمياً ودولياً.
مجلس الأمن
* ما جدوى التوجه لمجلس الأمن مجدداً بعد فشل التصويت في المرة الأولى؟
- في ظل تطويق الخيار السياسي السلمي الذي انتظره الفلسطينيون كثيراً، ومثل لهم الأمل الأخير في تحقيق الذات والهوية، اندفع الفلسطينيون الآن إلى كل الخيارات المتاحة في إطار من اليأس من تملص ومراوغات الاحتلال، لا بل وذهابه بعيداً إلى التصعيد الممنهج باتجاه الاستيطان والاعتقال والإغلاق وظلم الفلسطينيين.. ربما تكرار محاولات التوجه إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى هي واحدة من هذه الخيارات، الأمر الذي يدفع بإسرائيل إلى الزاوية أمام العالم، تحديداً أن هناك الكثير من التحولات الإيجابية، في ظل التيه والتخاذل الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف وبقوة أمام أي توجهات أممية تحديداً مجلس الأمن والوصول، بالتالي إلى نتائج تعكس الإخفاق في اتخاذ قرارات تدين الغطرسة الإسرائيلية وتماديها على الحقوق الفلسطينية.
محاكمة مجرمي الحرب
* هل تتوقعون نتائج إيجابية على صعيد محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم الدولية؟
- أعتقد بأن الجهد الفلسطيني قد بدأ يتجه لتحقيق مكاسب وحضوراً فلسطينيا ًعلى الساحة الدولية، بالرغم مما يجري في المنطقة العربية، والذي أبعد بعض الشيء هذا الصراع عن الواجهة.. فالعالم اليوم بدأ يعيد حساباته وربما إستراتيجياته، وبالتالي أجنداته، خصوصا ًأن المنطقة العربية تحترق، وإسرائيل لا يمكنها أن تكون بعيدة عن أبعاد وتداعيات ما قد ينجم، فالنشاط الفلسطيني على الساحة الدولية بدأ يحقق نجاحات في حصار الاحتلال وتصرفاته، ومنها أخيراً محكمة الجنايات الدولية.
الاعترافات الدولية
* بالرغم من الاعترافات المتواصلة بالدولة الفلسطينية من قبل الدول الأوروبية، إلا أن حكومات هذه الدول لم تقدم خطوة باتجاه ترجمة هذه الاعترافات على أرض الواقع.. ما أهمية هذه الاعترافات برأيكم ؟ وكيف يمكن استثمارها لتثبيت الحق الفلسطيني؟
- نعم في إطار مراجعة دول العالم وتحديداً الأوروبية منها حساباتها، بدت تتوالى الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، وهي خطوات تعكس التغيير والتحول الدولي تجاه هذا الصراع التاريخي، خطوات ايجابية بالرغم من أنها خجولة ومتواضعة ومنقوصة، لكنها مؤشرات تحول وتطور لا بأس بها، والمطلوب من هذه الدول أن تحذوا حذو السويد باعتراف صريح على مستوى الدول، وأعتقد بأنها ستكتمل ما دامت البرلمانات قد اعترفت بالدولة الفلسطينية، ولاشك أن هناك حسابات تعود لهذه الدول بهذا الاتجاه.