وتيرة الاستيطان تتصاعد، وليس هناك من رادع لهذه السياسة الرسمية التوسعية المستمرة منذ حزيران 1967 وحتى يومنا هذا، بل ان الاستيطان في السنوات الاخيرة، وبعد توقيع اتفاقيات السلام مع منظمة التحرير، اتفاقيات اوسلو، منذ عام 1993 وحتى يومنا هذا، ارتفعت وتيرته، وتضاعف أكثر من مرة.
واستناداً الى تقرير "بتسيلم"، المؤسسة الاسرائيلية الحقوقية، وكذلك لمنظمة حركة السلام الآن، وغيرها من المؤسسات المحلية والدولية، فان الاستيطان في عهد حكومة نتنياهو الثالثة، والتي استمرت على مدار سنتين فقط، ارتفع بنسبة 40 بالمائة. فقد تمت المصادقة على 66 مشروع بناء، يتضمن بناء 10113 وحدة سكنية في 41 مستوطنة، وان متوسط البناء للوحدات السكنية وصل الى 460 وحدة شهرياً.
وقد أعلن مؤخراً عن مخططات لبناء 63 الف وحدة سكنية جديدة، 15 الف وحدة في القدس، و48 الف وحدة في مستوطنات الضفة الغربية. واعلن ايضا عن عطاءات لاقامة 6 فنادق على جبل المكبر، كما أن البلدية الاسرائيلية في القدس رصدت مليون دولار لاقامة مغتسل ديني توراتي خاص بالنساء المتدينات في مستوطنة "معاليه هزيتيم" الواقعة على جبل الزيتون في القدس.
هذه المشاريع الاستيطانية مصادق عليها من الحكومة وهي تخدم مخططاتها وسياستها ومواقفها العديدة.
لعدم التوصل الى اتفاق سلام
توسيع الاستيطان والمستوطنات يخدم الحكومة الاسرائيلية التي لا تريد تحقيق سلام سواء أكان هزيلاً أم جاداً وعادلاً، وهي تضع شروطا واضحة المعالم على المفاوض الفلسطيني ومفادها أنه لا تنازل عن الاستيطان، اي لا لازالة المستوطنات. وجميع الاحزاب الاسرائيلية، وبشكل عام ترفض التنازل عن الاستيطان في الضفة الغربية. حتى ان رئيس وزراء اسرائيل ايهود براك في اثناء مفاوضات كامب ديفيد الثانية لم يقبل بازالة المستوطنات، بل كان هناك عرض ببقاء المستوطنات مقابل تبادل اراض مع الفلسطينيين!
تعزيز السيطرة على الارض
اقامة المزيد من المستوطنات، وتوسيع ما هو متوفر، يعزز من سيطرة اسرائيل الامنية على الضفة الغربية، فاسرائيل ترفض التنازل عن السيادة الامنية الغربية، وهي تمارس ذلك على ارض الواقع من خلال مداهمة دورياتها العسكرية كل مناطق الضفة، لا احترام لها لا لمنطقة "أ أو ب"، ولا لاي اتفاق مع الفلسطينيين. وهذا الاستيطان سيعزز من مطلب اسرائيل الدائم في كل المفاوضات السابقة، وحتى في اللاحقة/ القادمة بضرورة تواجد قوات اسرائيلية في الضفة الغربية لحماية المستوطنين والمستوطنات من أي اعتداءات عليها أو عليهم!
واقامة مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات الحالية كلها وسائل في خدمة السياسة الاسرائيلية وهي بقاء الاحتلال للابد، اذ أن الاستيطان "يأكل" الارض، ولا يبقي للفلسطينيين مساحات من الاراضي لاقامة ابنية عليها، وكذلك يمنع الفلسطيني من التفكير بتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين حتى الى داخل اراضي السلطة الفلسطينية، لانه ليست هناك من مساحات ارض كافية لاستيعابهم او استيعاب جزء منهم.
ضربة لحل الدولتين
كما ان الاستيطان يشكل ضربة قاضية للخيار السلمي المعروف باسم حل الدولتين. واين ستقام الدولة الفلسطينية؟ هل ستقام على قطع اراضي متناثرة لتتحول الى كانتونات؟ وكيف يمكن ادارة هذه الدولة مقطعة الاوصال، والتي تكون تحت رحمة اسرائيل في التنقل على الطرقات المقامة، والمسيطرة عليها اسرائيل وقواتها الامنية.
هذا الاستيطان هو استفزاز للمفاوض الفلسطيني الذي هو مضطر لوضع شرط وقفه قبل أي مفاوضات، لانه على ماذا سيتم التفاوض، على قطع أراضٍ أم على كل الارض والتي يجب ازالة الاحتلال عنها.
عقوبات شكلية
الاتحاد الاوروبي هو ضد الاستيطان، وقال ذلك عبر السنوات الماضية، ولكنه ماذا فعل لوقفه أو ردعه؟ لا شيء سوى مقاطعته لمنتجات هذه المستوطنات التي حتى الآن لم تدخل قراراته حيز التنفيذ الفعلي.
والعقوبات هي ضد المستوطنات، وليست ضد من يقر ويصادق على بنائها، ويمول هذه المشاريع.. أي أن العقوبات غير فاعلة.. فالعالم كله متواطىء مع اسرائيل، ولم يفعل أي شيء لاجبارها على احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
وانطلاقاً من كل ما ذكر، فان التوصل الى حل نهائي في الفترة القريبة، أو في المستقبل القريب، أمر شبه مستحيل نظراً لسياسة اسرائيل التوسعية، ونظراً لوقوف العالم الى جانب الظالم، والخشية من انتقاد السياسة الاسرائيلية الحالية، لان الاتهام سيكون جاهزا بان يوصف بأنه عداء لا سامي.
والتساؤل الاخير والمهم جدا: كيف يمكن مواجهة هذه السياسة؟ الاجابة على مثل هذا السؤال ليست بسيطة، اذ ان الفلسطينيين بحاجة الى وضع استراتيجية عمل واضحة للسنوات القادمة لمواجهة التعنت الاسرائيلي، وكذلك لمواجهة السياسة التوسعية للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة والاتية ايضا.