المعطيات الدولية والاقليمية والنوايا غير الجدية
وراء تعطل مسيرة المصالحة
الفلتان الأمني في القطاع ليس لصالح أحد
لم تتوقف الاحداث الأمنية المؤسفة التي يشهدها قطاع غزة في الآونة الأخيرة، اذ أن العديد من المراكز والشخصيات والمؤسسات من الجانبين، المعارض والموالي لحكم حماس في القطاع، تتعرض لاعتداءات من تفجيرات وحرق سيارات الخ.. كما أن جهود الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية من أجل متابعة ملف المصالحة تصطدم بعوائق عديدة، التي تؤخر توجه وفد المنظمة الى القطاع، لوضع حد لتدهور الأوضاع والاجواء، ولمنع العودة الى المربع الاول من المصالحة، أي فشل الاتفاق الذي وقع قبل عام، وادى الى تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
من يقف وراء هذا الفلتان الأمني؟ ولمصلحة من؟ ويخدم من؟ ولماذا لا تتقدم جهود المصالحة الى الامام، بل هي شبه مجمدة؟ هل حماس لا تريدها؟ أم ان هناك ضغوطات داخلية أو خارجية تساهم في منع أي تقدم في موضوع المصالحة، بل تسعى الى انهاء ما تم انجازه وتحقيقه، وعودة الحركتين حماس وفتح الى مربع الاتهامات المتبادلة، والمواجهة الساخنة التي لن تجدي نفعاً لأي من الحركتين، بل ان هذا هو الذي يسيء الى شعبيتهما، ويغضب الجماهير عليهما!
لا شك أن "حماس" غير معنية باتفاق المصالحة، أو التقدم فيه لعدة أسباب ومن أهمها:-
· حكومة الوفاق أو التوافق الوطني لم تحل أزمة رواتب العاملين من مدنيين أو عسكريين عينتهم السلطة بقيادة حماس في القطاع بعد حزيران 2007. وكان أحد عوامل المصالحة هو تخلص حماس من عبء رواتب هؤلاء العاملين، الا ان حكومة الوفاق تراوغ وتماطل ولم تدفع هذه الرواتب، مما يؤكد أن مشكلة "حماس" في توفير المال للرواتب عبر المصالحة لم تنجز أو تتحقق.
· هناك انفتاح "حمساوي" على ايران، وان حركة حماس استطاعت الحصول على دعم مالي من عدة دول، لذلك فهي ليست بحاجة الى حكومة التوافق ما دامت عاجزة عن تلبية المطالب المالية (الرواتب) للعاملين في القطاع.
· لم تقدم حكومة التوافق الوطني أي انجاز كبير ملموس في موضوع اعادة اعمار القطاع بعد الحرب العدوانية الاسرائيلية الاخيرة عليه.
· لم تستطع القيادة الفلسطينية حل مشكلة معبر رفح مع الأشقاء المصريين، وبقي "شبه مغلق"، وهذا يعني أن الحصار ما زال مفروضاً على القطاع، والسلطة لم تفعل أي شيء لانهائه وازالته!
· هناك مماطلة لدى القيادة الفلسطينية في موضوع تحديث وبناء منظمة التحرير لتنضم اليها جميع الفصائل، وخاصة حركتي حماس والجهاد الاسلامي.
· هناك تحريض فتحاوي ضد حماس في القطاع، ويأتي هذا التحريض كنتيجة جانبية أو كاستغلال لموضوع "المصالحة" التي لم تنجز كاملاً.
أما حركة "فتح" فهي تنفي الاتهامات التي توجهها اليها حركة حماس، وتقول أن هناك عدة أسباب وراء رفض حماس استقبال وفد فصائل منظمة التحرير لبحث "المصالحة"، وان حماس مسؤولة عن تدهور الوضع الامني في القطاع، لأن ما يجري هو بمباركتها ولأهداف عديدة.
وتقول "فتح" أو مراقبون ومحللون أن "حماس" لم تستفد من المصالحة، لذلك فهي ليست بحاجة اليها الآن، وكذلك فان التقارب الحمساوي مع ايران يبعدها عن المصالحة، او عن نهج التفاوض لأنها هي ضد التفاوض، وهذا قد يفرح الايرانيون الذين هم ضد أي مفاوضات مع اسرائيل، كما ان حركة الاخوان المسلمين في العالم هم ضد تقارب فتح وحماس، لان الاخيرة تتهم الأولى بأنها تعمل على الاساءة للعلاقة بين حماس والقيادة في مصر، من خلال عدم دفاعها عن حماس أمام الاتهامات الموجهة اليها بأنها متورطة في الاحداث الأمنية التي تشهدها مصر. كما ان السلطة الفلسطينية لم تعمل أي شيء لمواجهة قرار قضائي مصري يعتبر كتائب عز الدين القسام ارهابية، وخارجة عن القانون المصري، أي ان للاخوان المسلمين دورا في عرقلة المضي قدماً في المصالحة.
كما ان هناك اتهامات فتحاوية لحماس بأنها لا تريد تسليم السلطة لحكومة الوفاق والتوافق الوطني، وفي الوقت نفسه تحمل مسؤولية الفلتان الامني في القطاع نتيجة تقصير حكومة التوافق.. وهناك من يقول أكثر من ذلك، وهو أن "حماس" تحاول خلق فلتان أمني لاحد امرين، اما لاظهار ان عودة السلطة سيؤدي الى فلتان امني، او انها تعد الفلتان لتوريط السلطة في الامن بالقطاع وبالتالي افشالها في توفير الامن والامان لابناء القطاع.
فصائل المقاومة والفصائل المنضوية تحت راية منظمة التحرير تصر على أن تكون هناك جلسات حوار في القطاع، وتسعى الى تحقيق ذلك، ولكن "حماس" لم تبدِ أي استعداد لاستقبال الوفد الموسع، لأنها لا تريد تدخل الفصائل الاخرى في موضوع خلافتها مع حركة فتح، مع ان الفصائل كلها تؤكد أن أي اتفاق ثنائي لن يدوم الا اذا كان اتفاقاً موسعاً مشاركة فيه جميع الفصائل الفلسطينية.
هناك أسباب أخرى تبعد "حماس" عن أي حوار فلسطيني فلسطيني جديد ومنها:-
1. ان الراعية للمصالحة، وهي مصر، مشغولة الآن في امور امنية داخلية.
2. ان هذا الراعي المصري للمصالحة فقد – حسب "حماس" – نزاهته وحياده في اتهام حماس بالوقوف وراء أحداث أمنية في مصر.
3. الراعي المصري لمسيرة المصالحة قام بسحب الجنسية المصرية عن العديد من قادة حماس المتواجدين في القطاع، مما يعني ذلك أن مصر أعلنت "الحرب" أو "المقاطعة الشاملة" لحركة حماس.
4. هناك شعور داخل "حماس" بأن مصر تعد اجراءً أمنياً قاسياً ضدها، وهذا يعني أن عليها الاستعداد لكل الاحتمالات.
5. المضي قدماً في اتفاق المصالحة يعني أن "حماس" مضطرة في آخر المطاف الى نزع سلاحها، وهذا أمر صعب سواء الآن أو في المستقبل، لان التنازل عن السلاح، يعني تنازل حماس عن نهجها، أي التنازل عن نهج المقاومة. وهذا يعني أنها ستفقد شعبيتها، وكذلك ستحرق نفسها، وستفقد عدداً كبيراً من أصدقائها الذين يدعمونها سياسياً ومالياً، ومن بينهم قطر وتركيا، وكذلك ايران بصورة محدودة ومشروطة!
6. حماس قد تؤيد المقاومة الشعبية في الضفة الغربية لمواجهة الاحتلال، ولكن مثل هذه المقاومة السلمية غير قابلة للتطبيق في القطاع، ولذلك فان المقاومة المسلحة هي وحدها التي تحمي القطاع، وليست المقاومة الشعبية.
7. ملف السجناء السياسيين في الضفة لم يتم ايجاد حل له، والسلطة الوطنية تتغاضى عن مناقشته، وهناك سجناء سياسيون أيضاً في القطاع.. وهذا الملف ما زال معقداً لأن الطرفين ينفيان وجود سجناء أمنيين في سجون أي من الطرفين.
8. تعتبر "حماس" فصائل المنظمة هي فصائل تؤيد وتدعم حركة "فتح"، لانها تحصل على الدعم من الصندوق الوطني الذي تسيطر عليه "فتح"، أي ان مصلحة هذه الفصائل مرتبطة بحركة "فتح"، لذلك فان حماس تؤيد الحوار بين الحركتين دون مشاركة الفصائل الاخرى لتفادي ضغوطات، أو وقوع خلافات مع بعض هذه الفصائل خلال الحوار أو النقاش معها.
9. تريد "حماس" ربط أي حوار جديد بانفراج العلاقة مع مصر، وعلى فصائل المنظمة، وكذلك السلطة الفلسطينية العمل على ذلك، لانه لن يتم حوار الا اذا كان هناك تقدم نحو مصر.. لان "حماس" تخاف وتخشى من ان تؤدي المصالحة الى حصارها ليس من قبل السلطة الوطنية فقط، وكذلك من مصر عبر عدم فتح معبر رفح، وعبر اجراءات تضايق ابناء غزة أثناء تواجدهم أو مرورهم عبر الاراضي المصرية.
10. العلاقة بين قطر وتركيا من جانب والسلطة الوطنية من جانب آخر لم تتقدم، وهي شبه فاترة، ولذلك حماس على علاقة مع هاتين الدولتين، ولن تتخلى عن مشورتهما مهما كلف الثمن، كما أن علاقة هاتين الدولتين مع مصر هي سيئة، رغم جهود تبذل من اجل تصحيح العلاقة، وتطورها.
انطلاقاً من كل ما ذكر سابقاً، فان عوامل عدم الحوار هي اكثر بكثير من العوامل التي تشجع الحوار والتوصل الى مصالحة حقيقية وجادة!
ولا بدّ من الاشارة الى عامل مهم وهو غياب النية الصادقة لتحقيق مصالحة صحيحة ودائمة، فكل جانب يُغلّب مصالحه الذاتية على المصالح العامة، والطرفان لا يريدان تقديم اي تنازلات، ولربما ان عدم المصالحة هي لصالح الطرفين معاً، ولذلك فان كل طرف يماطل ويؤجل ويعرقل اي حوار فلسطيني فلسطيني، واذا تم الحوار فانه لن يؤدي الى نتيجة.. والفصائل تجتمع باستمرار من اجل تشجيع المضي في عملية المصالحة، وهذه الاجتماعات هي صادقة، ولكنها من اجل اعطاء امل في ان يوما من الأيام ستشهد ساحتنا الفلسطينية مصالحة، وكذلك لاظهار ان هذه الفصائل تعمل وليست مقصرة لرص الصفوف وتحقيق الوحدة الوطنية!
في الختام، يمكن القول أن المصالحة اصبحت حكاية طويلة من الصعب أن تكون لها نهاية سعيدة، ولذلك نقول ان الجهود ستبذل باستمرار لتحقيقها، ولكنها تبقى جهوداً محدودة ومن دون فاعلية، لأن الظروف والمعطيات الدولية لها دور في بقاء هذا الانقسام.. ولن تتم المصالحة الا اذا تغيرت العوامل والأسباب العديدة - الداخلية والخارجية - التي ذكرت في سياق هذا التحليل!